فضاء الرأي

طلسم الوجود

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تبدو بعض أسئلة الحياة طفولية سهلة، ولكن حين تتأملها بعين البصيرة تبدو أعقد من معادلات الفيزياء رغم كل ما فيها من وضوح ظاهر! تُرى هل سألت نفسك يومًا: أي الأمرين أهم في علاقاتنا الإنسانية.. الثقة ؟ أم المحبّة ؟

إنه سؤالٌ يراودني منذ أزمان، وكلما حاولت الإجابة عنه آثرتُ التريث والتأمل وخوض مزيد من الأعوام المفعمة بالتجارب والنضج.
وإني على يقين أني من خلال هذا السؤال سوف أصل إلى شفرة السر الخاصة بنا نحن البشر..
تلك الشفرة التي بها ربما نصنع المستحيل ، ونطيل معنى بقائنا.

حين تتأمل الإنسان … هذا الكائن معقد التركيب، المملوء بالتفاصيل المنسجمة أحيانًا.. المتناقضة أحيانًا أخرى، الضاجّ الواجم، القريب البعيد، الصعب السهل، الحزين السعيد، بكل ما له من تجارب إنسانية، وأحاسيس، وثقافات، وأديان، وألسنة، وأعراق…
حين تتأمل هذا كله تتجلى لك كثير من الأمور التي تتداخل وتتحكم في هوية الإنسان وشخصيته، وتكوينه من إنسان بسيط بهوية بسيطة، إلى إنسان معقد بطبعٍ صعبٍ، ونظرةٍ إلى هذه الحياة قاسية نوعًا ما ..

تحكم التجارب البشرية علاقات الإنسان بالإنسان، وتجعل كل قرارته التي يتخذها مرهونةً بالتجارب السابقة.
فإن كانت ذاكرته سليمةً معافاة من المواقف والذكريات السلبية، انعكس ذلك على طبعه، وسلوكه وخياراته، فتجده إنسانًا سهلاً يسيرًا، يثق بالجميع، ويبادر إلى الخير والعطاء ..
وإن كانت ذاكرته عكس ذلك فلن تجد منه في كل تصرفاته إلا الريبة والترقّب والتحفظ،حتى على أيسر الأمور وأبسطها؛إذ إن الذاكرة تحتفظ بالمواقف والتجارب السيئة أكثر من التجارب والمواقف السعيدة، فعمر الحزن باقٍ، وعمر الخيبات طويل …

لذلك نعود إلى سؤالنا السابق: هل الثّقة أهم من المحبّة؟ أم أنّ العكس صحيح ؟!
من وجهة نظري ورأيي الشّخصي : أقول :المحبة تذكرة رسمية إلى القلب، مدفوعة الثمن طيلة العمر.. فبالمحبة ينال الإنسان من الآخر ما لا يناله من أمر سواه، والمحب الحقيقي يسعى دومًا لرسم البسمة في وجوه أحبته، والحرص على سعادتهم، والامتنان العظيم لوجودهم في حياته …

ولكنّ الثقة هي الطلسم الأعظم الذي تتهاوى أمامه حواجز المستحيل، ويتحقق به الانسجام النادر.
جزم بأنّ الثقة مرتبة عالية لا يصل إليها أي أحد، فأنت حين تخسر ثقتك بإنسان لن تستطيع محبة العالم بأسره أن تُجَمِّله في عينيك، أو تصنع منه ذكرى سعيدة، ربما عليك المرور أو مررتَ بمئات المواقف التي تزخر بالمحبة، ولكنّ موقفًا واحدًا يهزّ ركن الثقة كفيلٌ بأن يخلخل تلك المحبة من جذورها، ثم ينسفها نسفا.

بعد هذا العمر من التجارب والمواقف والأحوال التي مرت عليّ، أستطيع أن أقول إن الثقة أعمق من المحبة، وبها تستمر العلاقات البشرية بطريقةٍ أكثر سلامةً ووضوحًا لذلك حاذر أن تخسر ثقة أحبتك بك لا لتحافظ عليهم فحسب،بل لئلا تفجعهم فيك..
قاتل دون هذه الثقة كما لو كنت تقاتل دون وطنك وذويك.
إياك أن تموت ثقة أحد بك، فإنها إن ماتت لا ولن تعود.. يموت النبات ثم ينمو، ويموت الإنسان ثم يبعث .. غير أن الثقة إذا ماتت انسدل عليها ستار الفناء السرمدي إلى الأبد.

إن كان الحب نفحة سماوية، فأنا أجزم بأنّ الثقة عقد سماوي من بنوده نفحة الحب، وإن كان الحب قوة عظمى، فالثقة معجزة كبرى..
نعمتان فخمتان إن ضاق بك تفضيل إحداهما على الأخرى فلا يَضِقْ بك العمر عن بنائهما في ذاتك وفيمن حواليك.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
المشاعر الانسانية
عابر سبيل -

عنوان المقال "طلسم الوجود" شدني الى قراءته ظنا مني بأنه مقال فلسفي عميق يتحدث عن لغز الوجود الذي طالما كان المادة المفضلة لدى الفلاسفة في جميع الثقافات ولكنني فوجئت بأن المقال هو عن المحبة والثقة وهما من المشاعر الانسانية المكتسبة وليست من الامور المادية الموجودة في تركيبة الانسان. اما اكبر خطأ في المقال هو القول "يموت النبات ثم ينمو ويموت الانسان ثم يبعث" وهذا لم يحدث ولن يحدث ولا يحدث ابدا في عالم المادة ولكنه ايضا من المشاعر الانسانية المكتسبة التي يرددها المؤمنون .