فضاء الرأي

التوافق أم تحقيق الذات؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

في مجتمعٍ مليءٍ بالتناقضات، تسيطر عليه عقليَّةُ البيع والشراء والمكسب، وتُعتبر أيُّ محاولةٍ فيه لتغيير السائد الخاطئ معركةً خاسرةً... يخطر في البال سؤالٌ دائم: أيهما أصح؟ أن أعيش من أجل نفسي مُحقِّقاً ذاتي؟ أم أن أكون مُتآلفاً مع المجتمع حتى ولو كان مناقضاً لقناعاتي؟
يخشى الناس بطبيعة الحال الأشخاص المختلفين، ويحاولون محاربتهم أو تهميشهم قدر الإمكان. فالاختلاف يقود بالضرورة إلى تهديد الأمان الداخلي لكل فردٍ ضعيف، وبالتالي الأمن الذاتي للمجتمع ككلٍّ.
والإنسان المختلف، أو لِنقُل غير المتوافق مع الأكثريَّة، هو شخصٌ خطِر بالنسبة إليهم، سواء أكان شخصاً إيجابياً يحمل أفكاراً تفيد من حوله أم لم يكن كذلك، فهذه المسألة ليست مهمَّة لأنَّ الأهم لدى الأغلبيَّة هو أنه لا يسير ضمن قطيعهم.
قد يقول قائل: إنَّ تحقيق الذات يأتي فقط من خلال الانسجام التام مع المجتمع. وربما يكون هذا القول صحيحاً لو كان هذا المجتمع متوازناً ومؤلَّفاً من أفراد متكافئين. لكن في مجتمعٍ مبني على التناقض ويعجُّ بالمفاهيم المتضاربة، يصبح هذا الأمر غير ممكن.
وفي هذه الحالة سيساوي قولُنا بأنَّ تحقيق الذات يأتي من خلال الانسجام مع المجتمع، قولَنا بأنَّ السعادة مشروطةٌ بالشُّهرة، أو أنَّ النجاح يأتي فقط من خلال الانتشار! وهذا بالطبع غير صحيح.
فأنت لا يمكنك أن تَكون ذاتكَ وأنت منهمكٌ في أن تصبح مادةً قابلةً للتدوال أو سلعةً رائجةً. ولا يمكن لك أن تعيش حلمك الخاص أو أن تكون مفعماً بالحياة وأنت عالقٌ في محاولاتٍ لا تنتهي لإرضاء منظومة الجماعة، مقدِّماً مبرِّراتك اليوميَّة عن سلوكٍ قمتَ به -مهما كان صغيراً- وشذذتَ به عن القاعدة النمطيَّة للمجتمع.
إنَّ أفكارنا الخلَّاقة وسعادتنا وإحساسنا بذواتنا وبوجودنا هي أشياء لا تخضع لصناديق الاقتراع، وليست بحاجة إلى تصويتٍ من قِبل الأكثريَّة. هي أشياء تُشكِّلنا وتبنينا وتُسيِّرنا، وهي أعظم بكثيرٍ من أن تُوضع في قوالبَ يصنعها لنا الآخرون!

(*) باحث سوري في علم النفس التحليلي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
على الوجع
ليليان غانم -

فعلا مقال على الوجع كما يقال...... لان مجتمعنا مليء بالتناقضات بشكل كارثيشكرا للكاتب