كتَّاب إيلاف

إساءات للحرية في مجتمعات الجهالة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

في محيطنا العربي والإسلامي كثيرا ما يساء فهم معايير الحرية والديمقراطية والمدنية وكل ماهو جديد ونافع لتطوير الانسان وتحسين نظام حياتنا السياسية والاجتماعية وزيادة ارتقائها لسبب بسيط جدا هو اننا نعتمد على نمط سياسي سلطوي يتحكّم فينا؛ ومن طباعنا اننا لا نحبّ التجديد وفرمتة أفكارنا لتقديم عطاء أفضل وفق المعايير الجديدة والنظم الحديثة نظرا لرسوخ القناعات السلفية القديمة في عقولنا بحيث تكلست وصلدت في العقول وصار من الصعب إزالتها.

لنأخذ مثلا بسيطا في فهم الحرية الشخصية عندنا؛ نحن نفهم الحرية في أعرافنا القاصرة ان تشتم هذا وتلعن ذاك وتهدد من يختلف معك وقد تدبّر له مكيدة وتوقعه في مهلكة، وبعد ان يقذع لسانك شتماً ولعناً تقود سيارتك عكس نظام السير ولا تأبه لإشارات المرور وتُوقف أرتال السيارات لتمرّ انت وحدك بعنجهية وانتفاخ ما دمت صرتَ مسؤولا كبيرا.

الحرية وفق رؤانا القاصرة والبذيئة ان تتحرش بالنساء في الشارع والمقهى وتتمادى في إظهار رجولتك وصلفك وتخدش الحياء انصياعا لرغباتك ونزواتك الحيوانية المتوحشة المتعطشة للجنس الآخر وتمارس وقاحتك دون ان تخجل.

الحرية عندنا هي انفلات وفوضى وتحقيق رغبات مكبوتة نتيجة عهود الدكتاتورية والأنظمة الواحدة وإطلاق النوازع والرغبات دون تقدير مشاعر الآخرين، هي حرية: "الانا" النرجسية لأظفر بها وحدي وليأت بعدها الطوفان الفوضوي وكسر أعمدة النظم والقوانين الوضعية وغير الوضعية للإطاحة بها.

وقديما قال الفيلسوف سقراط متهكّما: الحرية تعني انك تعيش في غابة.

ففي مجتمع مثل مجتمعنا غلب عليه الجهل وانعدمت فيه روح الإيثار وبرزت مكانها نزعة الأثرة والاستحواذ على حساب حقوق الآخرين بغياب الوعي الجمعي ودون اي اعتبار لرغبات الآخرين.

مما يؤسف اننا نشوه الحرية تشويها بشعا؛ تلك الهبة العظيمة التي تعتقنا من الاستعباد حتى تحوّلت لدينا تلك النعمة الى نقمة وهل أكثر تشويقا في ان يكون الإنسان حرا لكننا نحسبها شرا بسبب أفعالنا غير اللائقة وتصرفاتنا الغبية وعدم فهمنا للضوابط التي ترافق ممارسة الحرية؟!

من يفهم الحرية على انها انفلات وفوضى يسهل علينا ان نسميه حيوان غاب لا يفهم سوى إشباع أنانيته ونرجسيته وليبقى الآخرون ضحية لممارساته الخارجة عن إطار الأعراف والتقاليد والشذوذ عن الذوق الاجتماعي، فلا احد في هذه الدنيا يصف الحرية ويعتبرها شراً سوى من غرق في مستنقع الخطيئة وبقي يتلذذ بمياهها الملوثة ويستأنس بميكروبها وجراثيمها وأدرانها الكثيرة.

وكل من يستخدم الحرية على انها انفلات فوضوي يفتقد الى الضوابط الخلقية وفي مكامن نفسه النزعة السادية لتعذيب الاخرين وإثارة القلاقل ونشر الإزعاج والسعي الى تسقيط الغير وانتهاك النظم والقوانين العامة بسبب فشلٍ طاغٍ في نفسه كي يطيح بالغير ويثلم نجاحهم، هذا الفشل غائر في أعماقه ويعمل جاهدا على بعث الانحطاط الداخلي في دواخله ليكون معيارا عاما يتسم به الغير مثلما يتسم به هو ذلك الشخص الكاره للنظام، ويهمه ان يشيع العبث والنهلستية ونشرها في اوسع مساحة ومن هنا تكون الحرية مرادفة للفوضى وتقع في مهاوي الخطيئة والسلوك غير السوي مما يهدم أسس المجتمع وتتزعزع المسؤولية، ففي فوضى المجتمعات فان المنتصر الوحيد هم العابثون وذوو النوايا القذرة والخارجون عن القانون والسفلة والمخربون وهادمو أسس وأركان المجتمع كليا؛ فالحرية الحقيقية ترتبط ارتباطا وثيقا بالمسؤولية واحترام خيارات الجميع ورغباتهم غير الضارة بالأفراد باعتبار ان الناس كل الناس متساوون في الكرامة والحقوق يولدون ويعيشون الحياة أحرارا.

لا زلت اؤكد ان غالبية المجتمعات المتخلفة وغير المتعلمة حضاريا لا تحسن ان تمارس الحرية بمعناها الراقي السليم، انها تلك النبتة الجميلة اليانعة تريد ترابا وسمادا عضويا لا شوائب فيه وماءً رقراقا صافيا من معين التحضّر وخالياً من الجهالة ولهذا السبب فشل محيطنا في رعايتها وإنباتها وانزلق الحال الى الفوضى والانفلات الأعمى بحيث صارت الحرية عندنا وبالاً طالما امتدت أيدينا بكامل طولها وخدشت من جاورَنا وتحرّشت بالآخرين ممن يشاركنا محيطنا ولم نراعِ غيرنا في احترام قناعاته ومعتقداته ورؤاه في الحياة وهنا لا بد من قوانين رادعة تصل الى حد القساوة والشدّة وأحيانا حتى الحزم المفرط حتى يتعلم المجتمع الجاهل معنى الحرية الحقيقي وبذلك نخفف تدريجيا من وطأة القانون الصارم ريثما يدرك المجتمع هدف الحرية وجدواها.

ففي زمن الحرية المنفلتة وخوفا من تبعاتها المزرية وسوءاتها تكثر حالات الانطواء نحو القبلية واللجوء الى الأعراف العشائرية والاستنجاد بالقبيلة ظنّا منها انها حمى وظلٌّ ظليلٌ، كما تكثر حالات النزوع الطائفي والمذهبي بحيث تتفاقم الانحرافات بشكل معاكس لما يريده النظام المتحضر فتتورّم المشاكل سرطانياً وتظهر الدعوات علانية الى الانفصال في الأقاليم والتقسيمات الكونفدرالية المشوهة على اسس مذهبية ودينية وعرقية مما يهدد استقرار البلاد والانحراف عن الوطنية وتمزيق النسيج الوطني الواحد الى خرق بالية مقطعة الأوصال.

كم من المفاهيم الراقية نسيء استخدامها ومنها هذه الهبة السامية التي ما ان تلد في بيئتنا نقوم بتشويهها ونلطخ وجهها بالفوضى ونهلهل فستانها الزاهي بالتمزيق والتلويث حتى تتبدى لنا شكلا قبّحناه بأيدينا وتكاد تعرى وتكون انفلاتا لا معنى له سوى انها فقدت معاييرها وضوابطها؛ لذا كان لزاما علينا ان نحمي الحرية من مخاطر الانفلات التي يمارسه الجهّال والمخطئون طالما ان الحرية نشأت لأجل تحسين حياة الإنسان وليس للإساءة الى هذه الحياة ومن اجل استقرار المجتمع وأفراده لا من اجل اضطرابه وكثرة القلاقل والمنازعات فيه.

فالحرية تريد من يفهمها ويرعاها لتنمو ثمرتها يانعة طازجة وتلك اليد الراعية لا بد ان تمتلك دراية ومران وقوة عضلية وعقلية وحنكة ويتمثل ذلك بدولة حازمة ذات سطوة على كل جاهل وعابث ومسيء حتى يتقوّم ويدرك معنى وأهمية الحرية السليمة له ولأقرانه في الوسط الاجتماعي، اما الدولة الضعيفة الواهنة فلن تستطيع مسك زمام الحرية غير المنضبطة ما دامت قوانينها معطلة ولا تثير الذعر لمن يسعى للسير عكس تيار الحرية الشخصية التي تحترم خصوصية الملأ وتقف عند حدها فيما لو أعاقت او سببت الأذى للآخرين ولا ننسى ابدا ما قيل ان امتداد يدك قد يتوقف اذا سبب خدشا او ملامسة مؤذية لأجساد ووجوه الغير، فالحرية الشخصية لو تعدّت حدودها وأساءت للآخرين سميت بلاءً ونقمة طالما هي لا تتجزأ ولا تقتصر على شريحة معينة من الناس وحرمان الشرائح الأخرى من ممارستها.

إنّ إساءة استخدام الحريّة الشخصية يعدّ من أكبر الأسباب على انتشار الفوضى والفساد المجتمعي والتدهور الحضاري وتعميق التخلف والانفلات السلوكي لو تم تدوير دفّتها في غير طريقها الاصوب.

كما ان غياب الضوابط المادية والمعنوية للحريات يجعل من ممارسة الحريّة أمراً يشبه الهرج والمرج وفقدان الاتزان في الوسط المجتمعي، فيكون البقاء للأقوى والحرية الغالبة هي حرية صاحب القوة والنّفوذ والأجندات المريضة، وتنتفي هذه الصّفة عن عامّة النّاس. فإذا أعطى شخصٌ لنفسه الحق أن يُخالف قوانين السَّير مثلاً لأنه حرّ فلن نتوقع شيئاً غير الكثير من الحوادث المرورية وكيف يمكن قيادة سيارة ذات مقود أيمن لنظام مروري يعتمد القيادة بمقود أيسر؟!

ولو قرَّر شخصٌ متهتك وعابث -- لأنّه حرّ -- أن يضرب ما شاء من النّاس ويبتزّ هذا وذاك ويعيث فسادا ويسفك دماء من يلقيه، فتصبح لدينا أنهار دماء لا تنتهي، لأنّ المضروب والمتألم والضحية والمسلوب الحق يكون أيضاً حرّاُ وله حق الرّد ومجابهة أندادهِ بدل الصاع صاعين.

فلنتعلم يقيناً راسخاً ان الحرية تضيق بك وتنكفئ اذا خدشت الآخرين وأساءت للغير، وليست تعطي أكلها وتثمر ثماراً طيبة على معاناة من تتعايش معهم، وبئس الإنسان الحر اذا لم يتحسس ولا يراعي مشاعر من يشاركه الحياة في الوسط الاجتماعي وكيف لحرية حقيقية ان يمرح في ظلالها نفرٌ ويتعذب نفر آخر من سوء استخدام البعض ممن يريد لنفسه الاستمتاع بمباهجها ويحرم غيره من التلذذ بحلاوتها ومذاقها الممتع.

jawadghalom@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الحزم لا يعني ما تقول
زارا -

"لا بد من قوانين رادعة تصل الى حد القساوة والشدّة وأحيانا حتى الحزم المفرط" !!!من تعبيرك ايها الكاتب واضح انك انت ايضا لم تفهم لحد الآن السبب في تحول الحرية الى فوضى عند المسلمين.القوانين الرادعة القاسية والشديدة والمفرطة الحزم، هي التي ادت الى الفوضى عندما انتهت الديكتاتوريات.وهذه بالضبط هي المشكلة: ان المسلمين لا يعرفون الوسطية, ولا يفهمون ان التربية الصحيحة والاعداد الصحيح للشعوب, يكون بوجود القوانين وتطبيقها بحزم, ولكن ليس الحزم المفهوم في اللغة العربية, لانها في العربية تفهم على انها تعني القمع, بينما الكلمة نفهسا في الانكليزية تعني ثباتا, ثباتا في تطبيق القوانين, دون الخوف من التهديد والاهم دون التأثر بالتوسلات.وكل هذا يبدأ من البيت, عندما تكون هناك قوانين في البيت, قوانين صارمة ولكنها غير قمعية, وتطبيق حازم غير قمعي لتلك القوانين, ممزوجة بالحب والحنان, والأهم مع مساحة كبيرة من الحرية, يكون الانصياع لتلك القوانين من الامور الطبيعية عند الطفل, ويكبر وهو متشبع بمفهوم الحرية الصحيحة مع الانضباط المعقول.المصيبة في الشرق الاوسط, خاصة عند المسلمين, ان حتى الكتاب امثالك, لا يفهمون لحد الآن ما هو سبب الفوضى الحاصلة، ولا يغرفون المعنى الحقيقي للحزم والانضباط, فكيف نلوم غير المثقفين؟؟!!!

التعميم خطأ والتجاوزات نتاج حكومات فاسدة مستبدة معنية بنشر الفساد والفوضى
حامد شاكر -

لا اعرف عن اي بلد او بلدان يتحدث ،الكاتب المحترم هل عن بلده العراق مثلا ، التعميم خطأ ، فأنا مثلاً اقيم. في بلد خليجي غاية في النظافة و النظام ، والكل فيه مواطنين و مقيمين غاية في الانضباط للقوانين العامة والاعراف الاجتماعية السائدة و من يخرق القانون يُعاقب كائنا من كان بشكل عام ، وفي العديد من بلدان الشرق الاوسط لا يزال الناس في المجمل على خير و يوجد وازع ورادع قانوني واجتماعي ، ومعلوم ان الدول ذات الحكومات الفاسدة والمستبدة. تفسد الناس او تعمل على افساد الناس واشغالهم عنها بنشر الموبيقات والفساد ويهمها تدمير المجتمع بكل فئاته و طوائفه وتستغل الاعلام والمنابر في ذلك ..

تنميط الناس عنصرية ولؤم وينم عن نفوس مش متربية محتقنة بالكراهية السرطانية ..
ابو احمد -

لا اعرف سبب تخصص بعض الاقليات الدينية والمذهبية والفكرية في مهاجمة المسلمين عامة على منصة مقالات ايلاف ؟! فلايكاد مقال يمر دون تعليقات اقل ما يقال عنها انها نتاج احقاد نفسية سرطانية دفينة نتاج تربية خبيثة تندرج تحت بند تنميط الناس وهذا توجه عنصري لئيم ، او قلة تربية او تربية خاطئة ، الكاتب يتكلم من وجهة نظرة التي قد لا تكون بالضرورة صحيحة عن سلبيات بالمجتمع العربي والمسلم ، والعربي في الغالب يقصد بالعربي الاقليات غير المسلمة الا عند الفئات الانعزالية والشعوبية الكارهة للإنتماء للعروبة ، وما علينا منها ، ولكن هي جزء اصيل من المجتمع الشرقي. بمسلميه وعربه واذا كانت هناك سلبيات وظواهر غير جيدة في مجتمع او بلد ما فهم جزء من هذا الواقع ولديهم نفس الامراض والسلبيات الاجتماعية السائدة ، ام انهم يعتبرون انفسهم من صنف الملائكة و ينظرون علي الناس وينتقدون المسلمين او العرب ، فإذا لم لم يرغبوا في الانتماء وانتموا الى الغرب كهوية فإن الغرب المسيحي العلماني ملىء من وأقع الإحصاءات بالمظاهر السلبية على كافة انواعها وانه عندما يغيب القانون او الوعي تحت تأثير الكحوليات والمخدرات تظهر هذه السلبيات بأبشع صورها الفساد والتحرش والجريمة بل وان هناك من يمارسها بكامل وعيه مثل راهب الدير الذي اغتصب يتيمات واغتصب بنت اخته و ترفض حكومة بلاده تسليمه للعدالة .. وكما يقولون من كان بيته من زجاج فلا يحدف غيره بالحجارة مش هيك …