فضاء الرأي

"هيغل" عملاق الفلسفة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عندما اندلعت الثورة الفرنسية كان عمر "هيغل" لا يتجاوز التاسعة عشرة عاما، وكان لها تأثير كبير عليه وعلى رفاقه في كلية اللاهوت بجامعة توبنجين. وكانت الثورة حدثا فريدا من نوعه، وقد أدى إلى تغيير وجه أوروبا وليس فرنسا فقط. فقد كتب عنها يقول بأسلوبه الفلسفي الذي يتجاوز الشعر: "كانت إشراقة رائعة للشمس. كل العقول المفكرة رحبت بها، ورانت على الجميع أحاسيس بهيجة في ذلك الزمان. وراحت حماسة الروح تجعل العالم يرتعد قشعريرة. يحصل ذلك كما لو أننا في تلك اللحظة بالذات توصلنا إلى المصالحة الحقيقية بين الله والعالم".

في كتابه الشهير "فينومينولوجيا الروح"، والمقصود بالروح هنا "العقل" أو الفكر البشري وكيف يتجلى عبر العصور منذ أقدمها وحتى اليوم، الذي كتبه وهو لم يتجاوز عمره 37 عاما. استطاع "هيغل" أن يتجاوز "كانط" "وفيخته" عن طريق الأخذ بعين الاعتبار لبعد أساسي من أبعاد الفكر هو: العدم. لكأنه أراد أن يقول للجميع: ينبغي ان نأخذ مسألة العدم بعين الاعتبار. فالطبيعة بجوهرها عدم، ولكن هذا العدم بحد ذاته شيء كبير. إن العامل العدمي ينخر احشاء الطبيعة أو الكينونة وينقض ما هو راسخا. من هنا اكتشاف "هيغل" للديالكتيك أو بالأحرى للحظته الثانية: لحظة النقض، نقض الأطروحة. فالجدل الهيغلي مؤلف من ثلاث لحظات: لحظة الأطروحة، ونقض الأطروحة، والتركيبة التي تجمع بينهما وتتجاوزهما لكي تشكل أطروحة جديدة تنقض بدورها لاحقا، وهكذا دواليك".

ونفهم من كلامه أنه عانى طويلا قبل أن ينتقل من اللاهوت إلى الفلسفة. فقد درس في كلية اللاهوت البروتستانتي في البداية وكان موجها لأن يصبح كاهنا أو قسيسا بعد تخرجه. ولكن تأثير "كانط" "وجان جاك روسو" وكل فلاسفة التنوير عليه جعله يغير مشروعه كما حصل لزميليه الآخرين "شيلنغ" "وهولدرلين". عندما درس "هيغل" "كانط" كان يهتم أولا بكتابه الصادر عن المسألة اللاهوتية والذي يحمل العنوان التالي: "الدين مفهوما ضمن حدود العقل فقط"، وفي هذا الكتاب يقوم "كانط" بتفحص عميق لمفهوم الدين المسيحي منظورا إليه من خلال الفلسفة النقدية والتنويرية، "أي فلسفته هو بالذات". وقد فهم "هيغل" فورا أن هذا الكتاب يفتح آفاقا واسعة على العصر الكوني المقبل والجديد بالنسبة للبشرية الأوروبية.

ولأن "هيغل" كان نهما للمعرفة ومستعدا لأن يخاطر بنفسه من أجل أن يفهم شيئا ما، عندئذ انخرط في دراسات جريئة عن الدين، وألف كتابا عن حياة يسوع المسيح، وكتبا أخرى، ولكنه لم يتجرأ على نشرها وإنما بقيت مخطوطات في أدراجه طوال حياته كلها. وعلى الرغم من أنه لم يتخلى عن التلوين الديني لكتاباته فقد اعتمد وجهة نظر سوسيولوجية، أو على الأقل تاريخية لكي يتفحص الشروط الموضوعية لتجديد المسيحية. وكان هدفه الأخير هو التوصل إلى مسيحية معدلة بعمق، ومستعادة في براءتها الأصلية، ومخلصة تراكمات الزمن وشوائب القرون. كان يريد التوصل إلى صيغة جديدة للدين، صيغة قادرة على أن تدعم الدولة، وتشجع العاطفة المدنية والوطنية، وتلهم الأخلاق الاجتماعية للأفراد.

في الواقع إن مثالية "هيغل" كانت عالية ورائعة، ولهذا السبب كان تلامذته يستمعون إليه بكل خشوع في جامعات "يينا" أو "هايدلبرغ" أو "برلين". وعندما ألقى درسه الافتتاحي عام 1818م في جامعة برلين هز الصالة هزا وارتفع بالحضور إلى مستويات عليا. يقول معرفا الفلسفة: "إن التصميم على التفلسف يلقي بنفسه في أحضان الفكر المحض، هناك حيث يكون الفكر وحيدا مع ذاته. إنه يلقي بنفسه في بحر لا ضفاف له. كل الألوان المبرقشة، وكل نقاط الدعم اختفت. كل الأضواء التي تكون ودودة عادة انطفأت، ولم تبقى إلا نجمة واحدة مشعة: إنها النجمة الداخلية للروح، إنها النجمة القطبية. ولكن من الطبيعي أن تشعر الروح المتوحدة مع ذاتها بقشعريرة الرعب، وذلك لأن الروح عندما تتنطح للتفلسف لا تعرف إلى أين تصل، ولا في أي اتجاه تذهب. هذه هي الفلسفة، إنها حالة من التردد، من انعدام الأمان، من ترنح كل شيء.

ولد "هيغل" في 27 أغسطس 1770م وتوفي في 14 نوفمبر 1831م حيث أصيب بوباء الكوليرا، عن عمر ناهز 61 عاما.

يقول المفكر والكاتب "هاشم صالح": إن نزع الطابع التاريخي الحي عن الفكر الفلسفي أساء كثيرا لصورة الفلسفة في العالم العربي، وجعلها تبدو وكأنها شيء يستغلق على الفهم أو ينبغي أن يستغلق بالضرورة. فلكي تكون فيلسوفا حقيقيا ينبغي ان تقول كلاما غامضا وعموميا لا يفهمه أحد. وكلما زاد غموض كلامك أصبحت فيلسوفا أكبر من سواك. هذه الصورة عن الفلسفة ينبغي أن تنتهي ليس فقط لأنها تعرقل مسيرة الفكر العربي، وإنما لأنها ليست صحيحة بكل بساطة. فالفيلسوف كائن من لحم ودم، وكل مصطلحاته وأفكاره التي تبدو تجريدية للوهلة الأولى هي في الواقع وليدة تجربته الشخصية ومسار حياته المتعرج والمعقد.

المصدر: كتاب "معارك التنويريين والأصوليين في أوروبا"، للمفكر والكاتب السوري "هاشم صالح" المقيم في فرنسا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
يا حسن
كاميران محمود -

الانخراط في دراسات جريئة عن الدين والذي وردفي المقال هوالذي يمكنه ان يرفع الصدا عن المخ الاسلامي.

إن التصميم على التفلسف يلقي بنفسه في أحضان الفكر المحض : هل احد فهم هذه العبارة؟
سليم الحائري -

انا اؤمن بما اشار اليه المفكر و الكاتب هاشم صالح مين قال ( فلكي تكون فيلسوفا حقيقيا ينبغي ان تقول كلاما غامضا وعموميا لا يفهمه أحد. وكلما ) و انا هنا استشهد بهذه الفقر ( هناك حيث يكون الفكر وحيدا مع ذاته. إنه يلقي بنفسه في بحر لا ضفاف له. كل الألوان المبرقشة، وكل نقاط الدعم اختفت. كل الأضواء التي تكون ودودة عادة انطفأت، ولم تبقى إلا نجمة واحدة مشعة: إنها النجمة الداخلية للروح، إنها النجمة القطبية. ولكن من الطبيعي أن تشعر الروح المتوحدة مع ذاتها بقشعريرة الرعب، وذلك لأن الروح عندما تتنطح للتفلسف لا تعرف إلى أين تصل، ولا في أي اتجاه تذهب. هذه هي الفلسفة، إنها حالة من التردد، من انعدام الأمان، من ترنح كل شيء.) ، ها … !!! بربكم هل احد منكم افتهم شيء من هذا الكلام ؟ انها تذكرني بالناس الذي يبدون اعجابهم بالرسومات التي يرسمها بيكاسو و يعتبرونه اعظم رسام في العالم … !!!

يا تنوير ؟!!
متابع -

النازية والفاشية التي قتلت وحرقت ملايين البشر ودمرت حضارتهم بقسوة لا تمت للإنسانية بصلة، وارتكبت أكثر المذابح وحشية، لم تكونا وليدة فكر ديني ، ولكنها وليدة فكر علماني، الحادي ، وفلسفة مادية ، ومرجعياتها الملهمة رموز من عصر التنوير ، حتى لا ننسى ، لأن البعض في بلاد العرب احترف خلط الأوراق

الى أذكى اخواته - متابع
فول على طول -

هتلر كان يردد دائما : أتحسس مسدسي كلما أرى مثقفا ..أى كان يخشى التنويريين والمثقفين . ثم أن هتلر وجد من يقف أمامه ويحاربه ويهزمه ولم يتكلم باسم أحد الالهه ..هتلر كان ديكتاتورا باجماع الكل على ذلك ..لكن عندما يأتى أتباع الدين الأعلى ويغزون البلاد ويدمرون ويقتلون فخهذه وصمة عار عليهم وعلى ربهم الذى أباح لهم ذلك ..هل فهمت الفرق ؟ لا تنسي أن حروبكم وغزواتكم قتلت أكثر مما قتله هتلر ..يتبع

تابع ما قبله
فول على طول -

نعم ما فعله هتلر لا يمت الى الانسانيه بصله ...ولكن أتباع الدين الأعلى وأولهم مؤسس الدعوه فعلوا نفس الشئ ..هل تقدر أن تقول عنهم أنهم جميعا " هتلر " ؟ وهل ممكن حذف نصوصكم الارهابيه التى أنجبت ملايين " هتلر " ؟ انتهى -

.............
فؤاد الاول -

بصراحة لقد فجعت من حجم الكراهية التي يكنها هذا التيار المسيحي الصليبي الارثوذكسي الانعزالي في مصر والمهجر لرسول الإسلام محمد عليه الصلاة و السلام مع انه ما ضرهم بشيء فهاهم المسيحيون بالمشرق بالملايين خاصة في مصر ولهم آلاف الكنايس والاديرة وعايشيين متنغنغين اكثر من الاغلبية المسلمة ؟! فلما كراهيتهم له وقد نُهُوا عنها وامروا بمحبة اعداءهم لماذا كراهيتهم لمحمد عليه الصلاة والسلام فهو المؤسس للحضارة الإسلامية و التي منحت السلام للعالم لمدة عشرة قرون فيما يعرف باسم Pax Islamica.لماذا إذن يكره المسيحيون محمداً ؟! و الأولى بهم أن يحبوه و يوقروه لعدة أسباب: ١- محمد عليه الصلاةو السلام ظهر في زمن انهيار الكنيسة المسيحية و تفاقم الصراع بين أبناء الدين المسيحي و الذي كان على وشك التحول إلى حروب دينية عظمى (مثل تلك التي شهدتها أوروبا لاحقا) تهلك الحرث و النسل. و لكن ظهورمحمداً قد ساهم بشكل مباشر في وأد ذلك الصراع عن طريق نشر الإسلام و الذي عزل جغرافيا المذاهب المتناحرة و قلل من فرص تقاتلها. فشكرا لمحمد2. التسامح الديني الذي علمه محمد عليه الصلاة و السلام كان كفيلا بحماية الأقليات المذهبية المسيحية من بطش الأغلبيات المخالفة لها في المذهب (مثل حماية الأورثودوكس في مصر من بطش الكاثوليك الرومان). و لولا محمد عليه الصلاة والسلام لاندثر المذهب الارثوذوكسي كما اندثرت الكثير من المذاهب تحت بطش سيوف الرومان..فلماذا يكره الأرثوذوكس محمداً و قد أنقذ مذهبهم و أنقذ أرواحهم من الهلاك؟! 3. المفترض أن المسيحية هي دين الحب بين كل البشر. و المسيح يدعو إلى حب الجميع بلا تفرقة (أحبوا مبغضيكم..باركوا لاعنيكم).فلماذا لا يطبق المسيحيون تعاليم ربهم تجاه محمد عليه الصلاة السلام؟ فمحمد عليه الصلاة السلام أظهر كل الإحترام للمسيح و أمه. بل و أظهر الإحترام للمسيحين من معاصريه (ذلك بأن منهم قسيسين و رهبانا و أنهم لا يستكبرون)فلماذا كل هذا الحقد و الكره لرجل أظهر لكم كل هذا الود و الإحترام؟!لماذا كل هذا الكره لرجل.لولا وجوده لاندثرت كثير من مذاهب المسيحية (و منها كنيسة الأورثودكس).وكان الأولى بهم أن يشكروه..أليس كذلك؟ لقد اعترف المسيحيون الغربيون الذين غزو المشرق وأطلق صلاح الدين سراحهم بفضله عليهم فأقاموا له أيقونات وضعوها في كنايسهم وضموه الى قديسيهم فلماذا لا يقدس المسيحيون المشارقة ويوقرون محمدا ..

وشهد شاهد من اهلها على فضل الاسلام والمسلمين على مسيحيي مصر
رد -

يقول الكاتب الصليبي يعقوب نخلة روفيلة :في كتابه تاريخ الأمة القبطية ؛-كان أينما حل الحاكم الروماني "دقلديانوس" يوقع بالمسيحيين ويقتلهم ويهدم كنائسهم ويخرب معابدهم ويعذب رؤسائهم ويسبي نساءهم وأولادهم .وممن قتل في هذا الإضطهاد "البابا بطرس" وكان معه امرأة وبنتان قتلن معه .وقد شارك بابا القسطنطينية مع الحاكم الروماني في الإيقاع بــ بابا المسيحيين بمصر الأنبا بنيامين الأول قبل دخول الإسلام مصر بقليل .فهرب بنيامين إلى صعيد مصر وعمل خادما في حظيرة حيوانات عند أحد الأهالي وهو متنكرا . فحرض بابا القسطنطينية الحاكم الروماني بالقبض على شقيق البابا بنيامين وكان اسمه "مينا" وقام بتعذيبه ليعترف على مكان شقيقه ثم حرقه بالنار ورماه في النيل ليموت غريقا محروقا في نفس الوقت .وُلد بنيامين في قرية بيرشوط (كفر مساعد التابعة لإيتاي البارود بالبحيرة) كل هذه الأفاعيل في تاريخ المسيحيين المصريين ولا نراهم يهاجمون إلا رسول الاسلام و صحابته رضي الله عنهم ويسمون فتحهم لمصر إحتلال مع انه خلصهم من العبودية . كان مسيحيو مصر قبل الفتح الإسلامي كلهم عبيد حتى بابا الكنيسة .وهم يعلمون أن الإسلام هو دين الرحمة والعدل ويعلمون ان الصحابة والفاتحين كانوا خير الناس ولكنه الحقد الأعمى والتعصب لضلالهم ؟.المرجع :كتاب تاريخ الأمة القبطية - يعقوب نخلة روفيلة