الهدف الأخطر للحوثي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
رغم أن الحوثي وأبواقه وممثليه يجاهرون في ادعاءاتهم المتكررة بأن هجمات الصواريخ والمسيرّات تهدف إلى النيل من سمعة دولة الإمارات وصورتها الذهنية التي رسختها طيلة عقود وسنوات طويلة، كواحة للأمن والأمان والاستقرار، فإن الدافع لحقيقي الذي يغيب عن الأنظار، ويتخفى بخبث وراء الأهداف المعلنة، أعلنته الدبلوماسية الإماراتية بوضوح وصراحة، حين لفتت انتباه المجتمع الدولي مؤخراً إلى هدف خبيث آخر يفوق في خطورته وإجرامه ما يروج له الحوثي وأبواقه الإعلامية، التي تشن حملة ضارية مستمرة ضد دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية.
الهدف الذي أراه بالغ الخطورة والأهمية للعالم أجمع وليس لمنطقة الشرق الأوسط فقط، نبه إليه المقال الذي نشره مؤخراً بصحيفة "وول ستريت جورنال" يوسف العتيبة سفير دولة الإمارات بواشنطن ولانا نسبية المندوبة الدائمة للدولة لدى الأمم المتحدة، حيث طرحا وجهة نظر دولة الإمارات ورؤيتها الاستراتيجية لطبيعة التهديد الذي تمثله ميلشيا الحوثي وبقية الأذرع الفوضوية المنتشرة بدول عربية عدة في منطقة الشرق الأوسط؛ كون الخطر الذي تنطوي عليه الصواريخ والطائرات المسيرّة الحوثية لا يقتصر على الأهداف الحوثية المعلنة، بل تستهدف بالأساس تقويض المشروع الإستراتيجي الذي لاحت ملامحه في الأفق منذ توقيع اتفاقات السلام بين الإمارات وإسرائيل، ويترسخ تدريجياً على أرض الواقع، حيث ترسم هذه الإتفاقيات مساراً بديلاً للصراعات والأزمات في واحدة من أكثر مناطق العالم توتراً، وتطرح التعاون التنموي والتعايش والسلام بديلاً مضاداً للعنف والحروب التي تكبل الكثير من دول المنطقة وتحول بينها وبين اللحاق بركب التقدم والتطور في المجالات كافة.
لا أحد يشكك في أن الشرق الأوسط يشهد تغيرات نوعية وهيكلية كبرى بالتوجه نحو نشر ثقافة السلام والتعايش وطي صفحة الصراع بين العرب وإسرائيل، وهذه الرؤية لا تتناسب مع أطراف اقليمية تتبنى مشروعاً يتناقض تماماً مع البيئة الجديدة التي تلوح في الأفق، فهو مشروع يقتات ويرتكز على الفوضى والإنقسامات الدينية والمذهبية والصراعات الطائفية لأن دعاته لا يمتلكون رؤى تنموية ولا ينتصرون لثقافة التعايش والسلام، بل حصروا أنفسهم داخل شرنقة ضيقة من الفوضى والشعارات التي تتاجر بالدين وتتخذ من البشر وقوداً لحروب عبثية من دون أدنى مراعاة لكل ما تدعيه وما تتحدث عنه ليل نهار بشأن الدفاع عن المظلومين وغير ذلك!
هناك بالفعل صدام مؤكد وتناقض عميق وهائل بين رؤية مستقبلية جديدة تتبلور في المنطقة تدريجياً وتقوم على السلام والتعايش والتعاون التنموي والتركيز على الاقتصاديات وايجاد فرص العمل للأجيال الجديدة التي تتطلع لغد أفضل، وبين رؤية متهالكة لا تصمد أمام أي نقاش موضوعي، وتقوم على العنف وسفك الدماء والارهاب بدعوى الدفاع عن الأوطان والدين وادعاء المقاومة وغير ذلك من شعارات خادعة تتلاعب بالعواطف والعقول!
الإمارات تمثل النموذج المثالي الذي يستهدفه دعاة الظلامية والحروب والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، ولاسيما منذ أن إخترقت الدبلوماسية الإماراتية جدار الصمت في قضية الصراع العربي الإسرائيلي وألقت بحجر كبير حرك الكثير من المياه الراكدة وكشف عن أهمية التفكير خارج الصندوق والبحث عن حلول مبتكرة للقضايا والأزمات المزمنة في منطقتنا، واستهدافها هو استهداف للنموذج ومحاولة فاشلة لوأد آمال التعايش والسلام التي لاحت في الأفق، لذا فإن صواريخ الحوثي ليست فعلاً عشوائياً بل خطة ممنهجة تستهدف تقويض :"النموذج" وترهيب كل من يفكر بالطريقة ذاتها في مستقبل الشرق الأوسط؛ فالإرهاب ورعاته لا يستطيعون العيش وسط أجواء السلام والأمل والتنمية والعيش المشترك، لأنهم ـ ببساطة ـ ليسوا دعاة سلام ولا يعترفون بالحوار من الأساس، بل يجدون في الحروب والصراعات غايتهم ومبتغاهم الذي يغطي على كل اخفاقاتهم وجرائمهم والكوارث التي يرتكبونها في حق الشعوب التي يزعمون العمل من أجلها!
لذا يخطيء من يظن أن الحوثيين وبقية الميلشيات التي تنفخ في نار الفتن وتغذي الفوضى في منطقة الشرق الأوسط، يدافعون عن الشعب اليمني أو الفلسطيني أو اللبناني أو غيرهم من شعوب المنطقة، ومن يشكك في ذلك عليه أن يقرأ بموضوعية أحداث الحاضر والماضي القريب، ليعرف كيف يرتهن هؤلاء مصائر شعوبهم ومصالحها لأطراف وقوى أجنبية وكيف يجاهرون بالولاء والانتماء العابر للوطنية بما جعل منهم مجرد أدوات ودمي تُنفذ ما تؤمر به حتى وإن جلبت الكوارث للدول التي تحمل هويتها والشعوب التي يفترض انتمائها إليها!
هجمات الحوثي ضد الإمارات تحديداً تؤكد أن مايحدث ليس سوى أحد تجليات الصراع الذي اشتعل تحديداً منذ توقيع اتفاق السلام بني الإمارات وإسرائيل بين مشروعي الإرهاب والتعايش في منطقة الشرق الأوسط، والإمارات التي تؤمن برسالتها ومبادئها ودورها تتحمل مسؤوليتها في الدفاع عن القيم والمبادىء الإنسانية والحضارية التي تعد جزءاً لا يتجزأ من هويتها، ستواصل الدفع باتجاه نشر السلام وثقافة الحوار والتعايش في منطقة هي أحوج ماتكون لصناعة الأمل في مستقبل أفضل.