كتَّاب إيلاف

زيارة أردوغان للإمارات: قراءة سياسية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لم يعد هناك شك في أن الشرق الأوسط يتغير، وأن هذه التغييرات تمضي باتجاه إيجابي لولا بعض المعضلات التي تقف حائلاً دون الوصول إلى سلام واستقرار وتعاون اقليمي كامل. والمؤكد أن الزيارة التي قام بها مؤخراً الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى دولة الإمارات حيث التقى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، تمثل تعزيزاً لحراك اقليمي نوعي باتجاه بناء الجسور وردم الفجوات وانهاء التوترات، فالزيارة تؤسس فعلياً لمرحلة جديدة من السلام الاقليمي وتفتح باباً واسعاً للتعاون من أجل مصالح الدول والشعوب.

الزيارات المتبادلة بين الإمارات وتركيا تأتي ترجمة لهذا الواقع الجيواستراتيجي الجديد ليس في علاقات البلدين فحسب بل على الصعيد الإقليمي والدولي، وطي صفحة قطيعة سياسية وسنوات عشر عجاف شهدتها العلاقات البينية وانعكست على مجمل أجواء المنطقة.

في الواقع فإن هذه الزيارة قد رسخت مفاهيم جديدة في العلاقات بين تركيا ودول مجلس التعاون، في مقدمتها نظرة تركيا لأمن الخليج، حيث اعتبر الرئيس أردوغان أن أمن الإمارات وكل دول الخليج هو جزء من أمن بلاده واستقرارها، وهذا التأكيد لا يكتسب أهميته من رغبة هذه الدول في بناء مظلات أمنية لحمايتها، حيث باتت تمتلك من قوة الردع ما يحفظ لها أمنها ويصون إستقرارها، ولكن لأنه يعني إعادة تموضع القوى الاقليمية مجدداً وفق معطيات إستراتيجية جديدة بما يسهم في بناء توازنات قوى جديدة ربما تسهم في ردع التغولات ووقف الأطماع التي لعبت الدور الأكثر تأثيراً في إرباك المشهد الشرق أوسطي طيلة العقد الفائت.

زيارة الرئيس أردوغان اشتملت على نتائج مثمرة للبلدين، حيث تم التوقيع على 12 إتفاقية تشمل مجالات الإستثمار والدفاع والنقل والصحة والزراعة، ومذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجالات النقل البري والبحري، والتوقيع كذلك على بيان مشترك حول بدء المفاوضات بشأن إتفاقية الشراكة الإقتصادية الشاملة، وجميعها محاور تصب في سلة إقتصاديات البلدين، ويتوقع لها أن تعود بالنفع المشترك على الجميع، بما يعكس الحراك الايجابي المتسارع الذي تشهده العلاقات الإماراتية التركية منذ زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لتركيا في الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي.

هذه التحركات الايجابية الإقليمية التي تلعب الدبلوماسية الإماراتية دوراً بارزاً فيها، بما تمتلك من ديناميكة ومرونة وثقة بالذات تدفعها للتعاطي بانفتاح وهدوء وفاعلية مع مختلف الملفات والقضايا، تقوم على تعزيز المشتركات والوقوف على أرضية واحدة مع الجميع، ارتكازاً على مصالح الشعوب وأمنها واستقرارها، ولذا فإن الأمر كله لا يتعلق بالجمع بين المتناقضات كما يحلوا للبعض أن يفسر، ولا نكاية في أحد ولا استقواء بهذا ضد ذاك، فجميعها سيناريوهات واهية لا تسكن سوى خيالات مروجيها، بل يجسد رغبة عميقة في كسب الوقت والتركيز على التنمية وتوفير البيئة الإقليمية التي تحتاجها، والتعاون مع الأطراف كافة من دون استثناء.

الواقع يقول أن هناك إرادة سياسية قوية لدى دولة الإمارات للمضي في ترسيخ السلام والإستقرار الاقليمي، وهو توجه ليس جديداً كما يتصور البعض، فالإمارات منذ تاسيسها تتمسك بمبادىء وقيم غرسها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وهي قيم جعلت منها داعية سلام واستقرار ورمز للتسامح والتعايش والتلاقي بين البشر من دون تفرقة بين جنس ولون وعرق ودين، والقول بغير ذلك ينطوي على تجاهل لتأثير الظروف والمتغيرات الإستراتيجية التي تملي في بعض الأحيان سياسة خارجية تحمي مصالح الشعوب وتدافع عن الأصدقاء، فالدول كالأفراد لا تعيش في فضاء خال ولا معزولة عن سياقاتها التاريخية والثقافية والهوياتية، وتجد نفسها أحيانا في مواجهة إلتزامات بالاستجابة لاستغاثة أشقاء أو غير ذلك.

لا مبالغة في القول بأن صفحة الخلافات العابرة بين الإمارات وتركيا قد طويت تماماً، ولم يعد هناك مجال للقطع بذلك أو انتظار مؤشرات جديدة على هذا الصعيد، وما يحدث الآن يفتح نافذة فرص جديدة للجميع في منطقتنا، ويحمل رسالة مفادها أنه لا خلاف يستعصي على الحل طالما توافرت الإرادة السياسية الجادة وتلاقت النوايا الحسنة والاحترام المتبادل بين الدول، لأن هذه العوامل تسهم في بناء أرضية مشتركة مهما كان حجم التباينات في الرؤى ووجهات النظر.

الأمر الجيد أن التحركات المتسارعة على قطعة الشطرنج الشرق أوسطية تمضي بإرادة لاعبين اقليميين فاعلين، في مقدمتهم دولة الإمارات، وتحمي دول المنطقة من أنواء التغيير وارهاصاته التي يشهدها النظام العالمي، وتفرض معطيات استراتيجية تتماهى مع مصالح هذه الدول ولا تنتظر أن يفرض عليها واقع مغاير، بل تضمن للجميع في منطقتنا أن تكون لهم كلمة فيما يدور عالمياً من حولنا.

العالم كله يتغير، والشرق الأوسط ليس استثناء من هذا التغيير، والأفضل أن يحدث التغيير وفق قواعد تضمن مصالح الأطراف جميعها، وهذا مايوفره السلام الاقليمي الذي تسعى إليه الدبلوماسية الإماراتية التي تفتح ذراعيها للجميع، ويبقى أن يلحق المراهنون على مقاومة التغيير والتسلح بأفكار الماضي بقطار المستقبل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف