فضاء الرأي

الفائدة السعودية من الحرب الأوكرانية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

وصف مقال لجريدة "كومسومولسكايا برافدا" الروسية الدولة السعودية بأنها ضمن حلقة الأبطال الثلاثة، مع روسيا والصين، في الأزمة الأوكرانية الحالية. يبرر كاتب المقال رأيه بسبب موقفها الرافض من زيادة صادراتها النفطية إلى الأسواق، ما يعني ضمنا مخالفتها لإرادة واشنطن. إنه قول بصوت صريح ان السعودية سيدة قرارها. اليوم، تريد أمريكا معاقبة روسيا. السعودية لا تشاركها الرغبة ذاتها. لست اعتقد ان الأمر موجه ضد البيت الأبيض بقدر ما هو يتفق مع المصلحة السعودية التي نأت عن أي خصومة مع روسيا الحديثة، خاصة في السنوات الأخيرة. لعله نوع من التقدير لروسيا التي كانت أول دولة في العالم تعترف بالدولة السعودية الحديثة عام 1926. لكن، بعيدا عن مسألة التقدير هذه، وبعيدا عن الحرب الروسية الاوكرانية والموقف الأمريكي منها، فقد شهدت العلاقات السعودية الروسية تطورا في الأعوام القليلة الماضية فاق ما شهدته منذ 100 عام.

في عام 2007 قام بوتين بأول زيارة لزعيم روسي الى السعودية في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله. وفي عهد الملك سلمان حدث لقاء انطاليا مع بوتين على هامش قمة العشرين 2015. ثم أتت زيارة العاهل السعودي الى موسكو عام 2017. وفي العالم الذي يليه لقاء الأمير محمد بن سلمان والرئيس بوتين على هامش قمة العشرين في بوينس آيرس.

إذا فالموقف السعودي من الحكومة الروسية ليس وليد عتب على الغرب وواشنطن، بل هو خطة استراتيجية سعودية تتفق ومصالحها. أولى تلك المصالح توثيق العلاقة مع ثقل سياسي واقتصادي مثل روسيا والصين التي تشكل وحدها أكبر سوق للنفط السعودي.

لقد خرجت السعودية من شرنقة الأيديولوجية الغربية القائلة بأن روسيا الملحدة والصين الشيوعية خصمان للبشرية والأديان. ربما، وبشكل كبير ربما، غاب عن الغرب ان السعودية اليوم ما عادت هي سعودية الأمس.

لا يمكن اخفاء الإحباط السعودي من السياسة الخارجية الأمريكية في عهد بايدن، خاصة ما يتعلق بالملف النووي الإيراني. لكن حتى هذا الإحباط ما كان وحده ليدفع السعودية لاتخاذ موقف حازم بعيدا عن سطوة الرأي الأمريكي لما ينبغي ان يكون عليه العالم. فأمريكا تريد ان يشاركها الجميع مواقفها خاطئة كانت ام صائبة. ان غضبت على المكسيك فعلينا ان نغضب نحن ايضا. ان غضبت على جزر القمر، صببنا كل غضبنا على جزر القمر. اما واشنطن فما شاركتنا حتى مخاوفنا من ايران نووية.

الغرب بأغلبه، كان شديدا في وطأته على السعودية خلال الأعوام الماضية. ويقيني ان لو كانت مصالح الغرب تسمو حد الكمال مع السعودية، لانطوت صفحات كثيرة منذ زمن. مع هذا، يبقى الغرب اكثر اتزانا من واشنطن في نظرته الى الاصدقاء والخصوم، والعلاقات الدولية بصفة عامة.

السعودية، كأكبر حليف لأمريكا في المنطقة، عليها ان تستفيد مما يحدث بين روسيا وأوكرانيا اليوم. فهي حرب مع الإرادة الأمريكية اكثر منها حرب مع اوكرانيا.

أولا، ترسيخ قناعة بأن الأمن الوطني السعودي داخليا وخارجيا ليس رهنا بالإرادة الأمريكية، بل بالوعي الوطني وبالتنمية التي تخطوها السعودية بشكل متسارع ومنظم.

ثانيا، ان القوة الحقيقية لا تسكن رؤوس الصواريخ او فوهات المدافع، بل في النفط تحديدا. فقد أثبت هذا الأخير حجم الدمار الذي يمكن أن يحدثه في مجتمع ما. فهو كما يغني يفقر. وكما يشبع فهو يجيع ويوجع. ما يعني ان السعودية تتربع على ذات عرش القوى العظمى ندا بند.

ثالثا، كما هو البيت الأبيض يبحث عن مصالحه هو، ومصالحه فقط، فمن حق السعودية وأي دولة أخرى ان تبحث عن مصالحها، ومصالحها فقط. فواشنطن التي تهرول إلى مساعدة حلفائها بقوة وسرعة، هي نفسها التي تدير لها ظهورهم ان ارادت بنفس القوة والسرعة.

رابعا، الإدعاء بحرية الصحافة في واشنطن موضع شك كبير. فلم تكتف وسائل التواصل الاجتماعي الذي تدار مفاتحه من امريكا بالحيادية في الحرب بين روسيا واوكرانيا، بل بات بعضها يدعو الى القتل الصريح ايضا.

أخيرا اقول إن السعودية تحتاج دوما الى حلفاء أقوياء. وما زلنا نحتاج الى علاقة قوية مع واشنطن، ولندن وباريس وبرلين. لكننا نحتاج ايضا الى علاقات مع موسكو وبكين وحتى نيودلهي.

سيبقى للغرب تأثيره العالمي، ومن السذاجة القول إنه يضمحل، ذلك انه يستند على نظام مؤسساتي قوي وعريق، لكن ما قد يكون الغرب غافلا عنه، وحتى نحن، ان العالم يتغير ويتطور. وما كان محدود التأثير بالأمس، اصبح مؤثرا اليوم. فالهند وحدها تكاد تسيطر على صناعة التكنولوجيا والبرمجيات اكثر مما تفعله اي دولة أوروبية.

عاشت امريكا دوما على مبدأ القوة. سنبقى في حاجة إليها. العالم كله سيقى في حاجة الى الغرب بأكمله، لكن على انظارنا الى الشرق أن تصبح اكثر انفتاحا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف