قوّة الإعتذار بين الخطأ .. والخطيئة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لقد جُبلت النفس البشرية على الزلل، وعلى الوقوع في الخطأ.. والعثرة تلو الأخرى، فما من إنسانٍ كاملٍ لا يخطئ أو لا يتعثّر ولا عصمة لأحدٍ على أحد سوى من اصطفاه ربّ العزّة..
إنّ الأخطاء هي الطرق التي تكشف للإنسان ما كان خافيًا عليه، ومبهمًا بالنسبة إليه، والأخطاء ليست كلها متساوية أو متشابهة.. بل تتفاوت بحسب الظرف والطبيعة والأشخاص، ثمة أخطاءٌ بريئة، أخطاء لا تكسر كرامةً ولا تنقصُ عزيزًا ولا تخدش مروءة ولا تجرح قلبًا …
وهناك ( خطايا ) لا يمكن السكوت عنها أو حتى الصفح عليها وإلا أصبحت شرعةً بين الناس وأساءت لما تبقّى من مكرمات بينهم.
ولكن ثمة ما ينقص المشهد وبوجوده تكتمل كل الحكاية..
الأمر الذي من شأنه أن يزيد المخطئ رفعةً ومكانة، ويزيده محلةً وقربًا على ما كان عليه من خطأ ألا وهو ( الاعتذار ).
يقال إنّ الاعتذار من شيم الكبار، وأنا أُضيف إلى ذلك أنه من شيم الشجعان لأن الاعتذار هو في الأصل اعترافٌ بالذنب والتقصير، وإنّ النفس البشرية تأنف أن تكون في هذا الموضع أو تُقِرّ به،
أرى أن الاعتذار لا يحتاج إلى مروءةٍ فحسب بل أيضاً إلى شجاعة..
والشجاعة هنا تقتضي أن تقدّم بين يدي من أخطأت في حقه إقرارًا كاملًا بالزلل، وتقديرًا كبيرًا لمكانته ومحبته..
يحتاج الاعتذار إلى تربية النفس على التواضع، وتعويدها على مكارم الأخلاق منذ طفولة الإنسان وبداية نشأته، والاعتذار نوعٌ نبيل من معرفة الذات الخطّاءة التي تتعلّم من تجاربها...
صحيح أنّه لا يمكن للاعتذار أن يعود بالزمن إلى ما قبل وقوع الخطأ، ولكنه يبلسم النفوس الحزينة ويربّت على خواطرها ويندي جبينها بنقاء القرب والمحبة والصحبة.
إنه يرفع المرء ولا يدنيه، يعزّه ولا يذِلّه، يقرّبه ولا يبعده ويلبسه تاج المروءة والكرامة والوقار.
إنّ فلسفة الاعتذار لا تقف فقط عند جبر خاطر المجروح وتقريب البعيد وإعطاء كلّ ذي حقٍّ حقّه، بل تتعدّى ذلك إلى تهذيب النفس الخطاءة أيضًا، وتعويدها على الحرص وعدم التسرّع، والمداراة والانتباه الى الحركات والسكنات،
أمّا الخطيئة أو التّجنّي على الآخرين بقولٍ أو فعلٍ أو فهمٍ خاطيء ،
فلست بحاجة لانتظار أو ابداء العذر .
وإياك أن تخضع لأي ابتزازٍ عاطفي بل المجابهة أو الإعراض أو المداراة كلًّا بحسب وضعه ومكانته وظروفه …
لذا أكرّر وأذكّر وأوضّح بأن فلسفة الإعتذار تعلّمنا ضبط اللسان وتعين المجتمع على مكارم الأخلاق،و تربّي فينا حسّ المداراة والالتفات الى الذات بدلًا من تتبّع أخطاء الآخرين
"كلّ بني آدم خطّاء..وخيرُ الخطّائين التوّابون"