كتَّاب إيلاف

حرب أوكرانيا: جدلية الأهداف المتغيرة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

سؤال المليون دولار فيما يحدث في الأزمة الأوكرانية يتعلق بدوافع تحول الموقف الغربي وانتقاله من الإكتفاء بالدعم السياسي و تقديم دعم عسكري محدود ـ شكلي ـ لأوكرانيا، إلى السعي بقوة لحشد الجهود والموارد الحربية لتقديم دعم عسكري كبير ومباشر للجانب الأوكراني، وما يعزز أهمية هذ التساؤل أن التحول في الموقف الغربي يتزامن مع حديث ورد على لسان وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن بشان إمكانية هزيمة روسيا في أوكرانيا في حال توافر للأخيرة الأسلحة والعتاد المناسبين، والأمر لم يقتصر على ذلك بل لاحظنا أن جيمس هيبي وزير القوات المسلحة البريطانية يقول إنه "ليس بالضرورة مشكلة" بالنسبة لأوكرانيا في حال استخدام الأسلحة التي قدمتها المملكة المتحدة ضد أهداف عسكرية في روسيا، وقال هيبي إنه لأمر مشروع تماما أن تضرب أوكرانيا خطوط الإمداد وإمدادات الوقود الروسية، واعترف بأن الأسلحة التي يقدمها المجتمع الدولي الآن يسمح مداها باستخدامها في روسيا، وقال: "هذا ليس مشكلة بالضرورة. هناك الكثير من الدول حول العالم التي تشغل عتادا استوردته من دول أخرى وعندما يتم استخدام هذه القطع من المعدات يجب ألا تلوم الدولة التي صنعتها، الق باللائمة على الدولة التي أطلقتها".

ورغم محاولة رئيس الوزراء البريطاني التخفيف من حدة هذا التصريح بالتأكيد على ان بلاده لا لا تريد خروج النزاع في أوكرانيا عن حدودها، فإن روسيا قد أتهمت لندن بالتحريض على شن هجمات على أراضيها، وحذرت من"ضرب مواقع صنع القرار في كييف"، رغم وجود مستشارين أجانب فيه،. بينما قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن حكومتها قد تعطي الضوء الأخضر لضرب أعضاء في حلف الأطلسي يزودون أوكرانيا بالأسلحة وأضافت أن بريطانيا واحدة من تلك الدول.

وقد اعتبر مراقبون وأوساط برلمانية وسياسية غربية أن هذه التصريحات تعكس تورطاً غربياً أكبر في خوض حرب بالوكالة ضد روسيا في أوكرانيا، بينما يقول خبراء غربيون أن التحول ياتي رداً على تغير النهج الروسي في القتال، حيث أتجهت روسيا في الآونة الأخيرة إلى إستهداف المناطق الحدودية بين أوكرانيا وعدد من الدول المجاورة مثل رومانيا، حيث اصاب صاروخ روسي جسراً استراتيجياً للسكك الحديدية يربط منطقة أوديسا الأوكرانية برومانيا المجاورة، كما بات الساحل الجنوبي لأوكرانيا ومولدوفا في حالة توتر، منذ أن قال ضابط عسكري روسي رفيع المستوى إن هدف الكرملين ليس فقط تأمين شرق أوكرانيا بل الجنوب بأكمله،

أعتقد أن إحدى المعضلات التي تواجه الأزمة الأوكرانية وتحول دون ظهور أي ضوء في نهاية نفق البحث عن تسوية سياسية حتى الآن، تتمثل في عدم وضوح ماتريده روسيا، وأيضاً عدم وضوح مايريده الغرب، فروسيا التي بدأت بأهداف ربما تبدو تكتيكية محدودة، باتت تمتلك طموحاً لتحقيق أهداف استراتيجية أكبر وأوسع في أوكرانيا، وهذا التغير يرتبط أساساً بما حدث على الأرض في العملية العسكرية التي كشفت عن سوء تقدير لقوة اوكرانيا والعوائق المحتملة هناك، وموقف الدول الغربية من العملية العسكرية الروسية، ولاسيما ما يتعلق بالعقوبات الشديدة ضد روسيا. وعلى الجانب الآخر فقد تطور موقف الغرب من الدعم العسكري واللوجستي الحذر والمحسوب لأوكرانيا إلى تزويدها بالأسلحة والعتاد المتطور بشكل علني، وبات النقاش يتمحور ليس حول الدفاع عن أوكرانيا بل العمل على الحاق الهزيمة بالجيش الروسي ومساعدة أوكرانيا على تحقيق إنتصار عسكري رغم صعوبة الأمر من الناحية النظرية، لاسيما في ظل وضعية روسيا كقوة نووية كبرى يمكن أن تلجأ في الأخير إلى استخدام سلاح نووي تكتيكي.

حسبما أرى فقد إنتقل الصراع في أوكرانيا من إنهاء سيناريو إقتراب حلف الأطلسي من الحدود الروسية، وردع دول اخرى تفكر في الإنضمام للحلف، إلى تغيير قواعد اللعبة تماماً ووضع قواعد جديدة تحكم العلاقة بين روسيا والغرب عموماً، وحلف الأطلسي بشكل خاص، وأخذ الصراع بعداً أيديولوجياً لا يمكن انكاره، حيث لا يمكن تجاهل النقاشات الدائرة عن إستهداف الكرملين للديمقراطيات الغربية، والعكس صحيح كذلك. وبغض النظر عن صواب هذه الأفكار فإن الصراع بات صفرياً ولا يقبل المساومة أو التوصل إلى تقاسم للمصالح والمكاسب في أزمة أوكرانيا، أو هكذا تبدو الأمور حتى الآن على الأٌقل، حيث يتذكر الجميع ماوصف بـ"زلات لسان" الرئيس الأمريكي جو بايدن التي تحدث فيها عن ضرورة إطاحة الرئيس بوتين من السلطة، حيث قال في وارسو إن بوتين "لا يمكن أن يبقى في السلطة"، ورغم "التصحيح" الرسمي الأمريكي لمقصد الرئيس بايدن، فإن حديث وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن عن إمكانية إلحاق الهزيمة بروسيا لو توافر العتاد والأسلحة لأوكرانيا ليس سوى الوجه الآخر لتصريحات بايدن، باعتبار أن هزيمة بوتين عسكرياً تعني ـ واقعياً ـ نهاية حكمه، أو تحجيمه تماماً ومحاصرته داخل حدود روسيا بكل ما يعنيه ذلك من نهاية روسيا كخصم إستراتيجي قوي للولايات المتحدة.

اوستن الذي تحدث عن مرحلة جديدة في الحرب الأوكرانية لم يشر إلى مرحلة جديدة في الموقف الأمريكي أيضاً، حيث بات يتحدث كثيراً عن هزيمة روسيا، حيث قال بعدما التقى وبلينكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "الخطوة الأولى للانتصار هي الثقة بإمكانية الفوز"، مضيفا "نرى أن بإمكانهم الفوز. يمكنهم الإنتصار إذا كانت لديهم المعدات المناسبة"، وتابع أوستن أن الولايات المتحدة تأمل في إنهاك الجيش الروسي في أوكرانيا، لمنعه من القيام بعمليات غزو أخرى في المستقبل. وقال "نريد أن نرى روسيا ضعيفة إلى حد لا تستطيع معه القيام بالأشياء التي قامت بها مثل غزو أوكرانيا"، مضيفا "لقد خسرت الكثير من القدرات العسكرية والكثير من الجنود ولا نريد أن تتمكن سريعا من إعادة تكوين قدراتها".

التصريح السابق يعني أن هزيمة روسيا ـ من وجهة نظر الوزير الأمريكي ـ تعني فعلياً إنهاك الجيش الروسي تماماً، ومنعه من التفكير مجدداً في خوض حرب خارج حدود بلاده، لاسيما في دول الجوار من جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق، وهذا هو المكسب الأهم للولايات المتحدة، التي لا تريد بالتأكيد مجرد هزيمة روسيا عسكرياً فحسب، بل تسعى إلى إلحاق هزيمة شاملة ومهينة بالدولة الروسية، بما يؤدي إلى إنكفائها على الذات لفترة زمنية طويلة، وهذا كله لن يمر مرور الكرام على المستقبل السياسي للرئيس بوتين، والأرجح أنه قد يكتب نهاية لحقبته الرئاسية. والتوجه الأمريكي يجد صدى له في تصريح بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني ضمن حديثه أمام مجلس العموم حين قال "علينا ببساطة أن نفعل كل ما بوسعنا، وبشكل جماعي، لضمان اخفاق خطط فلاديمير بوتين، وفشله الشامل"، ورغم أن جونسون يرفض فكرة الضغط من أجل تغيير النظام في روسيا، فإنه يلتقى مع فكرة لويد اوستن ومفادها ""نريد أن نرى روسيا وقد ضعفت لدرجة أنها لا تستطيع القيام بما قامت به عند غزوها لأوكرانيا".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف