النظام الأردني وشرعية الحكم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يرى العديد من المحللين الغربيين وبعض العرب المحسوبين على الإعلام الصادر في عواصم غربية أن الاهتمام الأردني بالقدس نابع من كون الوصاية الهاشمية على المقدسات تمثل مصدراً لشرعية النظام الأردني، وأن أي مساس بهذا الأمر هو تهديد مباشر لكينونة النظام بحد ذاته.
ويعيد المحللون سبب التشدد الأردني بشأن القدس ضمن نظرية مفادها أن النظام في الأردن بحاجة للشرعية الدينية لضمان استمراريته وأنه يشتق شرعية حكمه في الأساس من وصايته على القدس والمقدسات.
نظرية الشرعية التي تربط النظام الأردني بالوصاية الهاشمية على القدس نظرية تستند إلى مفهوم أعور يلغي في جوهره وقائع تاريخية ويتجاوز ذلك إلى إلغاء البيعة للملك عبدالله الأول بن الحسين ملكاً على الأردن، فمن معان إلى عمان بايع الأردنيون الأمير الهاشمي (عند قدومه إلى شرق الأردن) دون ترهيب أو قوة جبرية، وبعدها تأسست الدولة وأصبح لها نظاماً اساسياً ثم دستوراً يُنظم العلاقة بين الشعب والملك.
ما لا يختلف عليه اثنان هو أن القدس والمقدسات ثابت من ثوابت الدولة الأردنية بكافة مؤسساتها بدء من مؤسسة العرش وحتى الموطن العادي، إلا أن ما تتجاهله التحليلات عند تناولها قضية الوصاية الهاشمية هو أن هذه الوصاية تنبع من بُعد أخلاقي مبدئي مرتبط بالعائلة الهاشمية التي تؤمن بدورها التاريخي في الدفاع عن المقدسات باعتبار ذلك جزء من إرثها وعقيدتها الإسلامية والقومية، وأن الدفاع عن القدس واجب شرعي ورسالة تبنتها الهاشميون ودافعوا عنها بكل الإمكانيات التي توفرت لهم.
كما لا يختلف أحد على أن القضية الفلسطينية بالمجمل مرتبطة بشكل عضوي مع الأردن لعدة أسباب أبرزها البُعد الجغرافي والديمغرافي فضلاً عن البُعد التاريخي، وهذه الأسباب جميعها إذا ما أضيفت إلى البُعد الأخلاقي والديني الذي تتبناه العائلة الهاشمية فمن الطبيعي أن تكون القضية الفلسطينية بشكل عام والقدس بشكل خاص أولوية سياسية للنظام الأردني وموضوع غير قابل لحسابات السياسة البرغماتية ومدى الضغط الذي يتحمله الأردن نتيجة هذا الأمر.
الأردنيون بايعوا النظام بيعة واحدة ولم يتراجعوا عنها منذ قرن من الزمان، وهم يرون في العائلة الهاشمية عامل الاستقرار الأول للدولة الأردنية، إذ لم يشهد التاريخ الأردني عبر العقود الماضية أي طروحات تتعلق بشرعية النظام، فهي محل أجماع من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، حتى أن أدبيات المعارضة الأردنية جميعها تتحدث عن الحكومات وأدائها دون أن تتطرق من قريب أو بعيد لمعارضة النظام، فالكل مدرك لأهمية رسوخ العرش كعامل استقرار وضامن لمستقبل المملكة، ولعل بعض المفاصل والأحداث التي مرت بها العائلة المالكة ومن أبرزها تغيير ولاية العهد لمرتين متتاليتين وما أعقبها من قضية الفتنة يثبت أن الأردنيين متمسكين بالنظام والدستور وغير معنيين تماماً بكل ما يقال في تحليلات عادة ما تخضع لتوجهات سياسية وأهواء شخصية ناهيك عن تخلي البعض عن مهنيتهم ومصداقيتهم نتيجة إغراءات مالية من المعروف أنها لها حضورها في العديد من قنوات الإعلام في مختلف دول العالم.
عملية الربط العضوي بين شرعية النظام الأردني ودفاعه عن القدس والمقدسات عملية يعتريها الكثير من الشك، فهي أقرب إلى محاولة إضعاف النظام وإظهاره بلا شرعية شعبية يستند إليها في حكمه، وفي ذات الوقت فيها تقليل للأردنيين وبيعتهم للعائلة الهاشمية، كما أن فيها إغفال متعمد لمدنية الدولة الأردنية ومؤسساتها ونظامها الملكي النيابي الوراثي الذي لا يستطيع وفقاً له أن يتولى الملك سلطاته الدستورية إلا بعد أداء القسم أمام مجلس الأمة.
وحتى لا يوضع الحديث في غير موضعه فأن ما نطرحه هنا يس موضوع أهمية الوصاية الهاشمية على القدس والمقدسات بل المبدأ الذي تنطلق منه هذه الوصاية، فهي تنبع من الإرث والرسالة والدور الذي تبنته العائلة الهاشمية باعتبار وصايتها قضية دينية وأخلاقية بجانب ما يفرضه الواقع الجغرافي والديمغرافي بعيداً عن اعتبارها أداة ووسيلة لتبرير الحكم واشتقاقاً للشرعية.
في السياسة يتغلب دائماً الشك على اليقين، فعندما يتم طرح قضية بشكل عارض قد يُفهم ذلك ضمن حدود التحليل الذي قد يخطئ أو يصيب ولكن عندما يتم استدعاء موضوع شرعية النظام مع كل حدث مرتبط بموضوع الوصاية الهاشمية، فلا بُد من وقفة تأمل في خلفيات هذا الاستدعاء والذي للأسف يتم تداوله من قبل كثير من المحليين والكُتاب دون النظر بشكل عميق في تداعيات وآثار مثل هذا الربط العضوي غير البريء.
الأردن دولة ولدت في محيط مأزوم وسياج من النار لم يهدأ منذ 100 عام، وشهدت حروباً وصراعات إقليمية وحقبة كانت الانقلابات على الأنظمة العربية أقرب إلى "الوباء" وشهدت فوضى الربيع العربي وتداعياته، وبين هذه الأحداث عاصرت الدولة الأردنية العشرات من المؤامرات ومحاولات زعزعة الحكم فيها وإضعاف دورها الإقليمي، ولعل السؤال الأهم هل النظام الذي نجا من كل مآزق منطقتنا المضطربة وتمكن من مواجهة كل هذه الصعاب والتحديات نظام باحث عن شرعية، أو لديه مشكلة في شرعيته الشعبية؟ أو أن لديه قلقاً من عدم قبول الشعب بحكمه؟!، الإجابة على هذا السؤال ليست بذلك التعقيد فمنطقتنا التي لطالما كانت أرض خصبة لعدم الاستقرار ومهيأة للفوضى لا يمكن لأي نظام أن يستمر فيها دون قاعدة شعبية صلبة تؤمن به وترى فيه نظاماً شرعياً.
باختصار فإن الغمز من قناة أن كفاح ونضال الأردن وقيادته من أجل القدس والمقدسات ليس أكثر من وسيلة يتمسك بها النظام الأردني خوفاً من فقدانه شرعية الحكم ما هو سوى خُبث سياسي يراد من خلاله زيادة الضغط على المملكة وتكريس سرد يظهر انفصال النظام الأردني عن شعبه وأن بقائه مرتبط باستمرار وصايته على القدس في تجاهل متعمد للواقع والتاريخ الذي يقول أن الأردنيون جعلوا لخلافاتهم سقفاً وخطاً أحمر لم يتجاوزوه يوماً وهو خط البيعة للهاشميين، فالجميع يختلف من أجل الأردن لا عليه ولا على شرعية نظامه.