فضاء الرأي

الوداع لدى الشعراء

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

للشعراء طريقتهم الخاصة في الوداع
إنهم يصنعون من القصائد معاطف للوداع، يتدثر بها كل الذين أحبابهم رحلوا
إنهم يكتبونها لا ليلملموا أوجاعهم، بل لأولئك الذين يتألمون دون أن يكون بمقدورهم مواساة أرواحهم

فمثلا عنترة العبسي حين أراد أن يودع عبلة قال

كأَن فـؤادي يـوم قمت مودعًا
عُبـيـْلة مني هاربٌ يـتمعّجُ
أتخيل كم موجوعًا ارتدى هذا المعطف العظيم وأخذ يمشي به بين الناس دون أن يلفت انتباه أحد

وهنا جميلُ بثينة أجزم أنه كان أول غرافيتي عرفته البشرية حين ألتقط صورةً خالدةً للحظة وداع، دون أن تعرف البشرية حينها اختراع الكاميرا بعد حين قال مودعًا بثينة

وآخر عهدٍ لي بها يوم ودّعـت
ولاح لها خـدّ مليـحٌ ومحجـر


الشعراء المجانين يزخرفون الأوجاع بقصائدهم، يجعلونها جميلةً جدًا لتعيش لحظات الوداع عمرًا أطولاً،
الخنساء ومن لا يعرف منارة الشعر والإخلاص والوجع
حين فقدت أخيها صخرًا لم تفقده بمفردها بل جعلت البشرية تعيش فقدها إلى الأبد، قالت فيه مرثيتها ما قالت لتمضي الحياة بعدها بكل هذه السنين ثم يلتقط شابٌ مرثيتها ليقرأها فيتمثل صخرًا ليعيش لحظته الأخيرة ثم ينهمر حزن الخنساء العظيم :

وما يبكون مثل أخي ولكن
أعزي النفس عنه بالتأسي
فلا والله لا أنساك حتى
أفارق مهجتي ويشق رمسي

إلى أن تقول :
فيا لهفي عليه ولهف نفسي
أيصبح في الضريح وفيه يمسي

أي لوعة نقلتها لنا وأي حسرة عشناها برثآئها لقد أرادت أن يبقى صخرًا على لسان العرب

وَإِنَّ صَخراً لَتَأتَمَّ الهُداةُ بِهِ
كَأَنَّهُ عَلَمٌ في رَأسِهِ نارُ

وهنا تميم الفاطمي يصف الفراق فيقول على لسان حبيبته

قالت وقد نالها للبين أوجعه
والبين صعب على الأحباب موقعه
اجعل يديك على قلبي فقد ضعفت
قواه عن حمل ماتحويه أضلعه

واعطف على المطايا ساعةً فعسى
من شتّ شملَ الهوى بالوصل يجمعه
كأنني يوم ولت حسرة وأسى
غريقُ بحرٍ يرى الشاطي ويمنعه

يقول المنفلوطي : " وما تفجرتْ ينابيعُ الخيالاتِ الشعرية ، والتصوراتِ الفنية ، إلا من صدوعِ القلوب الكسيرة ، والأفئدة الحزينة " .

تثيرني قرائح الشعراء في تصوير لحظات الفقد أو الفراق أو الوداع سألت صديقي عن ذلك فقال لي :

أما أنا فطريقتي الوحيدة يا خالد هي أن احتضن أحبتي وأبكي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف