هل يضع الاتفاق النووي الإيراني المنطقة في مواجهة الحرب؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بين المد والجزر يستمر مسلسل إحياء الاتفاق النووي الإيراني وسط مفارقات عديدة واختلافات جوهرية، بين تعاملات الإدارة الأمريكية مع الاتفاق منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والذي كان يتعامل برؤية شاملة ومغايرة لطبيعة الخطر الإيراني بعد الانسحاب من اتفاق 2015، والذي لم يحصره في شقه النووي فقط، ولكنه وضع في الحسبان جميع تجليات سلوك طهران في المنطقة، وحاول تشكيل تحالف دولي بهدف مراقبة النظام الإيراني من خلال منظور أكثر واقعية، في حين فإن أقصى طموح لإدارة بايدن حاليا هو العودة لهذا الاتفاق في أسرع وقت ممكن وأيا كانت النتائج التي ستفضي إليها، خاصة في ظل التوترات الإقليمية التي قد تنجم عن إعادة العمل به.
تنازلات على مضض
وتبعا لمحاولات إحياء الاتفاق النووي الإيراني تضاربت في الآونة الأخيرة التصريحات المتعلقة بالتنازلات التي قدمها الطرفان في سبيل الوصول لتفاهم شامل وبعيد المدى، حيث نقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن مسؤول رفيع المستوى في إدارة بايدن قوله، إن إيران تخلت رسميًا عن مطلب وشرط رئيسي من أحد "الخطوط الحمراء"، والذي كان عقبة رئيسية في الجهود المبذولة لإحياء الاتفاق النووي".
وأشار إلى أن إيران لم تطلب في هذا النص شطب الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية لوزارة الخارجية الأمريكية، مع أن ذلك كان من شروطها المحورية.
وأوضح أنه "في النسخة الحالية من النص التي قدمها الاتحاد الأوروبي لإحياء الاتفاق النووي ورد طهران عليها، وجدنا أن الأخيرة تخلت عن رفع الحرس الثوري عن قائمة المنظمات الإرهابية"، لافتا إلى أن "الولايات المتحدة رفضت الطلب مرارًا وتكرارًا، ونحن أقرب إلى اتفاق لهذا السبب".
من جهتها كشفت تقارير إيرانية عن تنازلات أمريكية لصالح طهران، مقابل إحياء الاتفاق النووي حيث ذكرت قناة "إيران إنترناشيونال" أن واشنطن ستتعهد في مسودة الاتفاق النووي الجديد بأنها "لن تفرض عقوبات على الشركات التي تتعامل مع الحرس الثوري". وأشارت إلى أن إيران والولايات المتحدة "ستناقشان إزالة الحرس الثوري من قائمة الإرهاب عقب إحياء الاتفاق النووي".
وقالت نقلا عن تقرير مسرب لتصريحات كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري، أن واشنطن ستضمن "عدم تأثير عقوباتها ضد الحرس الثوري، على القطاعات والشركات الأخرى".
ولفت التقرير إلى أن واشنطن ستضمن "أن القوانين المحلية لديها، مثل كاتسا وباتريوت، لن تؤثر على تنفيذ التزاماتها تجاه الاتفاق النووي".
وفي وقت سابق، ذكرت القناة الإيرانية أن التنازلات الأمريكية تشمل رفع العقوبات عن 17 مصرفا إيرانيا، بالإضافة إلى تحرير فوري لحوالي 7 مليارات دولار محتجزة في كوريا الجنوبية.
إيران والغاية من الاتفاق النووي
وصول إيران لاتفاق وفق شروط معينة يعود على النظام الإيراني بالعديد من المكاسب، التي من شأنها أن ترفع الضغط على اقتصادها الذي يعاني من ركود وتضخم، حيث لم تتوقف مؤخراً الاحتجاجات في إيران من قبل مختلف فئات المجتمع وذلك بسبب الوضع المعيشي الصعب وتدني مستوى الرواتب والمستحقات في مقابل التضخم والغلاء، مما يجعل أصحاب الدخل المنخفض في عجز مستمر، حيث لا يستطيعون تغطية تكلفة المعيشة وهو ما وضع الحكومة الإيرانية في مواجهة ضرورة إحياء الاتفاق النووي، والذي سيمكنها من استرجاع اموالها واعادة بعث الاقتصاد من جديد.
وفي هذا الصدد يقول المحلل السياسي شرحبيل الغريب: العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني وتوفر ضمانات أميركية للاتفاق سينعكسان إيجاباً على طهران بالدرجة الأولى، التي ستتمكّن إزاءه من ضمان رفع العقوبات الأميركية عن 17 منظمة إيرانية، واسترداد 275 مليار دولار من أموالها المحتجزة في السنة الأولى من الاتفاق، ناهيك بحصولها على تريليون دولار في خزينتها بحلول عام 2030، وتمكّنها من تصدير 50 مليون برميل من النفط في الأشهر الستة الأولى من الاتفاق.
فالوصول إلى اتفاق حول النووي الإيراني سيمكن هذه الأخيرة من رفع العقوبات وهو ما يمكنها، من مضاعفة حجم صادراتها النفطية، والتي قد ترتفع بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا في غضون تسعة أشهر بعد الاتفاق، وستكون طهران قادرة على مضاعفة دخلها النفطي اليومي ثلاث مرات مقارنة بمستويات 2021.
بالإضافة إلى ذلك، سيسمح رفع العقوبات بتعزيز جهود إيران المستمرة والرامية إلى حيازة الأسلحة التقليدية مثل الصواريخ الباليستية. ويواصل الاتفاق النووي الحظر المفروض على بيع أنظمة الأسلحة الرئيسية لإيران. إلّا أنه أقلّ وضوحاً بشأن مسألة بيع طهران لأنظمة الأسلحة الرئيسية. وفي كلتا الحالتين، يُسمح لإيران بشراء أنظمة الأسلحة الخفيفة والصغيرة أو بيعها، وسوف تمتلك المزيد من المال للقيام بذلك في المستقبل.
تخوف إسرائيلي
في الوقت الذي بات فيه التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران شبه مؤكد، تتجه إسرائيل، التي فشلت حتى الآن في التأثير على موقف الإدارة الأميركية وثنيها عن التوقيع على الاتفاق المنتظر، لوضع خطط عسكرية لمواجهة الخطر النووي التي تتوقع أن يواجهها في حال الوصول إلى اتفاق قريب، حيث أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي أن تل أبيب تضع خططا عسكرية لهجوم يستهدف ما تصفه بالتهديد النووي الإيراني، وذلك في أعقاب تصريحات لمسؤول إيراني أكد فيها أن بلاده لديها القدرات الفنية لصناعة قنبلة نووية، وأنها أجرت مناورات لضرب العمق الإسرائيلي.
كما صرح رئيس الأركان الإسرائيلي بأن "إعداد الجبهة الداخلية للحرب يعتبر مهمة يجب تسريعها في السنوات المقبلة، خاصة أننا نحتاج للعمل ضد التهديد النووي الإيراني. يواصل جيش الدفاع الإسرائيلي الاستعداد للهجوم على إيران بشكل مكثف ويجب عليه الاستعداد لكل تطور وكل سيناريو".
ولطالما أعرب المسؤولون الإسرائيليون عن معارضتهم للعودة إلى الاتفاق النووي، قائلين إنه يمهد الطريق فقط لامتلاك إيران سلاحا نوويا ولأنه لا يعالج النشاط الإيراني في المنطقة، مثل دعم الجماعات المسلحة.
وكان لابيد قال أثناء ظهوره إلى جانب الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارته لإسرائيل الشهر الماضي: "الشيء الوحيد الذي سيوقف إيران هو معرفة أنه إذا استمروا في تطوير برنامجهم النووي، فإن العالم الحر سيستخدم القوة، الطريقة الوحيدة لمنعهم هي وضع تهديد عسكري ذي مصداقية على الطاولة".
وأضاف "الاتفاق سيضخ مليارات الدولارات إلى آلة الإرهاب الإيرانية - مما يعني المزيد من المسيرات والمزيد من الاعتداءات على السفن والمزيد من إطلاق الصواريخ على إسرائيل وعلى حلفائنا من خلال أذرع إيران في المنطقة".
وكان رئيس الحكومة السابق نفتالي بينت قد خرج عن صمته لأول مرة منذ سقوط الحكومة التي ترأسها، ونقل مقاليد رئاسة حكومة تصريف الأعمال ليئير لبيد، إذ أطلق أمس تغريدة قال فيها: "أدعو الرئيس بايدن والإدارة الأميركية، في هذه اللحظة، في الدقيقة التسعين، إلى الامتناع عن توقيع الاتفاق مع إيران. هذا الاتفاق سيسمح بتدفق نحو ربع ترليون دولار إلى خزينة نظام الإرهاب الإيراني وأذرعه الإقليمية، وسيمكن إيران من تركيب وتشغيل أجهزة للطرد المركزي بدون أي قيود تقريبا، بعد عامين من الآن فقط"، وفق تعبيره.
دول الخليج وسياسة الاحتواء
في وقت لجأت فيه إسرائيل إلى التهديدات العسكرية المباشرة تبنت دول الخليج سياسة مغايرة تجاه إيران والاتفاق المزعم إحياءه عن قريب حيث جددت دول الخليج مؤخرًا علاقاتها مع إيران في إطار سياسة كسب العدو.
فلسنوات كانت الجمهورية الإسلامية تُعتبر إحدى الدول المنبوذة في المنطقة على وجه الخصوص لكن الأحداث الأخيرة قد تشير إلى أنها تحرز تقدمًا في طريقها للعودة إلى حضن دول العالم، فبعد انقطاع دام عدة سنوات انضمت الإمارات العربية المتحدة إلى الكويت وأعلنت عودة السفير إلى طهران.
فالثلاثاء أعلنت وزارة خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة رسمياً، عودة السفير إلى طهران، بعد أكثر من ست سنوات لم يكن فيها سفير إماراتي في إيران، وأفادت في الإعلان الرسمي المنشور أن الإمارات العربية المتحدة تعمل على تعزيز العلاقات مع إيران من أجل تعزيز المصالح المشتركة للبلدين والمنطقة بأسرها.
الخطوات الدراماتيكية التي اتخذتها الكويت والإمارات العربية المتحدة لا تأتي من فراغ، بل مستوحاة من تجديد الاتصالات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، فعلى مدار العام الماضي أجرت طهران والرياض اتصالات سياسية وثيقة، وكانت في البداية سرية ولكن الآن أصبحت كأمر واقع بهدف إحياء العلاقات بينهما.
إيران تلوي ذراع أمريكا
في ظل التطورات وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والتي تسببت في تذبذب أسواق النفط العالمية يبدو أن إيران تتأهب للعب دور في سياسة الطاقة الأوروبية، حيث زاد موقع إيران كبلد منتج للنفط من تعقيد السياسات المتعلقة بالدفع لإعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، وهو ما فسره العديد من المحللين على أنه ورقة ضغط على أمريكا بهدف إحياء الاتفاق النووي مقابل تعويض النفط والغاز الروسي وهو ما من شأنه عزل روسيا حيث تعمل الدول الأوروبية منذ الأزمة الأوكرانية على مسارين الأول فرض عقوبات على روسيا، والثاني إيجاد بديل للغاز الروسي. ومن ثم فربما تعمل الدول الأوروبية على تسريع إتمام الاتفاق النووي مع إيران من أجل عزل روسيا وضمان مواصلة تدفق النفط والغاز، ومن ثم يجب رفع القيود المفروضة على مبيعات النفط الإيراني كجزء من الاتفاق النووي. لذا فإن التوصل إلى إحياء الاتفاق مع إيران وعودة النفط الإيراني إلى السوق، سيكونان إشارة لروسيا بأن الاعتماد العالمي على الطاقة الروسية يتضاءل. وهو ما يفسر مطالب روسيا في الخطوات النهائية للاتفاق النووي.
فقد أدت العقوبات التي يقودها الغرب على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية إلى ارتفاع أسعار النفط الخام، ويتطلب قرار الدول الأوروبية فرض حظر نفطي محتمل على روسيا البحث عن مصادر بديلة وإيران هي أحد الخيارات.
فالأزمة الأوكرانية وتداعياتها المتصلة بالنفط الروسي والبحث عن بدائل له وارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية تؤكد أن إيران تريد بقوة إتمام إحياء الاتفاق النووي أكثر من ذي قبل، لأن أسعار النفط المتزايدة قد تساهم بشكل كبير في تعافي الاقتصاد الإيراني المتضرر من العقوبات.
رئيس الموساد -المخابرات الإسرائيلية- السابق زوهار بالتي قال أن إيران اليوم “لا تشعر بضغط كبير لتقديم تنازلات. مع ارتفاع أسعار الطاقة إلى عنان السماء، بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية. وجدت إيران مشترين لنفطها الخاضع للعقوبات - حتى مع الخصومات - أنتج مكاسب غير متوقعة للمؤسسة الوحيدة المهمة حقًا في البلاد. الحرس الثوري الإسلامي، الذي يشرف على تجارة النفط السرية”.
في غضون ذلك، أوقفت إدارة بايدن معاقبة متلقي الصادرات الإيرانية غير القانونية. خوفًا من تفاقم أزمة الطاقة، التي دفعت بالفعل أسعار الغاز إلى مستويات غير مسبوقة. ربما هذا ما جعل طهران لا تشعر بضغوط كبيرة على برنامجها النووي أيضًا. “وانتهكت الالتزام تلو الالتزام بشأن التخصيب، وتطوير أجهزة الطرد المركزي. وإنتاج معادن اليورانيوم، دون أي تداعيات من المجتمع الدولي”، حسب رئيس الموساد السابق.