لماذا يطرق أردوغان باب دمشق؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
في شهر مايو الماضي كنت قد كتبت مقالا بعنوان : "تركيا تتصالح مع العرب وتسقط ورقة الإخوان"، تطرقت فيه عن تطور الموقف التركي اتجاه العديد من القضايا الإقليمية خاصة مع عودة المياه إلى مجاريها بين الرياض وأنقرة بعد أن أثمرت الوساطة الإماراتية بـ الصلح بين المملكة والجمهورية وتوقعت أيضا أن يتجه أردوغان إلى نسج عهد جديد في العلاقات مع القاهرة والاقتراب من النظام السوري، وربما لم تتضح الصورة للبعض حينها لعدم وجود مؤشرات تذهب في الاتجاه الذي توقعته، حيث لم تبادر تركيا بأي موقف إيجابي نحو جارتها سوريا ولم يكن هنالك ما يدعوا إلى الحديث أصلا عن عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة لأن مستوى التوتر على الحدود كان مقلقا نوعا ما، ولكن الحقيقة في الأمر هو أن سوريا حينها لم تكن في سلم أولويات بالنسبة لأردوغان بل كان الأهم هو التركيز على عودة القنوات الديبلوماسية مع دول الخليج في أسرع وقت ممكن، ذلك لأن التقارب السياسي سيعود بالأثر الاقتصادي على تركيا التي تبحث عن أسواق في الشرق الأوسط تعوض نكسة كورونا، ثم جاء دور ملف عودة العلاقات مع تل أبيب لأن تركيا أصبحت ترى أنه لافائدة من معاداة إسرائيل مادامت إسرائيل قد نجحت في تفكيك قيود العزلة الإقليمية ومادامت حماس وإيران قد فشلتا في تحقيق معادلة جديدة في صراع الشرق الأوسط.
جاء الآن دور الملف السوري خاصة الذي كان أردوغان يطبخه على نار هادئة : أردوغان لم يستبق الأحداث وأنتظر حتى تتضح الرؤية حول مصير سوريا في الجامعة العربية والموقف العربي منها، وربما كانت زيارة الرئيس الجزائري إلى تركيا فرصة مناسبة لأردوغان لبناء تصور واضح عما يجري في الملف السوري، وفهم أين وصلت الجزائر في جهودها الديبلوماسية لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، ومن يتفق ومن يعارض خفية على عودة التطبيع مع نظام بشار الأسد...وهل ستتجه دول الخليج إلى فتح صفحة جديدة مع الأسد أم ان التوقيت لايزال مبكرا لفتح ملف سوريا.
وخلافا على ما يظهره الموقف العربي من ضبابية حول سوريا، يبدو الموقف الدولي واضحا ومشجعا لأردوغان للمضي في فتح صفحة جديدة مع دمشق، فدول أوروبا تريد التخلص من اللاجئين السوريين واعادة السواد الأعظم منهم إلى بلدانهم ويحتاج هذا لهدوء داخل سوريا واعتراف بوجود نظام قائم بغض النظر عن شرعيته ليتم التحضير لإبعادهم، بعد أن امتلأت أوروبا بالأوكرانيين، أما الموقف الأمريكي فهو يذهب في نفس الاتجاه الإسرائيلي : على الصعيد الأمني، إسرائيل تنظر بقلق لما يجري في لبنان وتتخوف من انهيار الدولة اللبنانية وسقوطها في فراغ قد يملأه حزب الله وإيران أو حتى روسيا، وهي ترى أن لا فائدة من بقاء سوريا ضعيفة ومقسمة بل لابد من إعادة إحياء دور دمشق العسكري في لبنان تحضيرا لتفكك البلد ودخوله في حرب أهلية ستستفيد منها إيران بتعزيز جناحها وتشكيل خطر على الدولة العبرية، و باختصار يمكن القول أن وجود سوريا في لبنان يصب في مصلحة تل أبيب.
تركيا أيضا تلعب على الحبلين، فهي تستشعر الخطر الذي تشكله روسيا في المشهد السوري وتحاول أن لا تكون على تماس مباشر مع الوجود الروسي شمال سوريا وهي من خلال التهدئة مع بشار الأسد توجه رسالة إلى بوتين بأنها تريد حدودا بعيدة عن الصراع الروسي الغربي ولا ترغب في مواجهة قد تخلط أوراقها وتدفعها إلى ما يريده بايدن لا ما تقتضيه مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية في المنطقة، اردوغان يمسك العصا من الوسط وينتظر ان تتضح الرؤية في مصير الحرب بين الغرب وروسيا وهو يحاول أن يظهر تقارب وجهات النظر مع روسيا في الملف السوري ليتجنب الزج به في عملية عسكرية داخل الأراضي السورية هو في غنى عنها.
لا شك في أن التصريحات الأخيرة فيما يخص استعداد أنقرة لإجراء حوار مع دمشق، تمثل تحولا كبيرا في الموقف التركي من نظام الأسد وهي تعبر عن رغبة تركيا في تعزيز أمنها القومي في ظل المتغيرات التي تحدث، وتأكيدا منها بأن مرحلة العمل على إسقاط الأسد هي مرحلة تجاوزها الزمن وأن الأهم بالنسبة لتركيا الآن هو مصالحها الاقتصادية وتحالفاتها الإقليمية التي تأتي قبل الحديث عن الحرية للشعب السوري وتكريس ودعم الديمقراطية في سوريا : ماتقتضيه المصلحة لدى أردوغان يمكنه أن يجعل عدو الأمس صديق اليوم ويمكنه أن يقلب المواقف من النقيض إلى النقيض.