الكسر في المناقصات!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لا تزال مسألة الكسر في أسعار المناقصات العامة المعلنة في سوريا تُثير الكثير من الجدل بين كافة الجهات المعنية والرقابية.
فبمجرد أن تُعلن أي جهة رسمية من جهات القطاع العام على مناقصة لتنفيذ مشروع ما، سواء أكان خدمياً، أو ما يخص الطرقات والشوارع التي تُلامس حاجات الناس، حتى تنهال عليها العروض من كل حدب وصوب، والتي تتضمن في معظمها كسراً للأسعار المعلنة، وبنسب كبيرة، قد تصل في أحايين كثيرة إلى أكثر من 44% من أصل القيمة التقديرية للمناقصة أو العقد.
إنَّ كسر الأسعار من هذا النوع ـ بالتأكيد ـ يتمُّ على حساب المواصفات والجودة في ظل النقص العددي الكبير في عدد الفنيين لدى معظم الدوائر، ناهيك عن النفقات النثرية الأخرى، ومثالها: قيمة طابع العقد، وضرائب مالية، ومصاريف أخرى قد تصل نسبتها أحياناً إلى أكثر من 13% من قيمة العقد.
وهنا يتساءل البعض: كيف يمكن أن تُنجز هذه المشاريع في نهاية المطاف؟ وما هو دور لجان الإشراف حيال هذا الواقع الذي صار لا يُطاق؟
الكل متفقون على أن المقاول لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخسر شيئاً من جيبه الخاص، بل تراه دائماً في حالة اكتفاء وبحبوحة وربح مؤكد، ما يعني أنَّ في الأمر سرّاً ما يخفيه، والخاسر هو الجهة العامة المعنية بهذا المشروع أو ذاك، التي يقع على كاهلها مجمل العواقب التي ستكون في موقف حرج جداً حيال ما يجري، ناهيك عن الفروقات بين جهة وأخرى وقطاع وآخر، وهذا ما ينطبق وبشكلٍ خاص على مشاريع الأبنية المدرسية، الطرق، الصرف الصحي، واستصلاح الأراضي.
وإذا حاولنا الوقوف على ما هو منفذ على أرض الواقع فإن هناك بعض المشاريع لم يمضِ عليها عام أو أكثر حتى صارت تظهر عليها بعض العيوب الملفتة للنظر، وتبدأ معها رحلة الصيانة والترميم والتأهيل، وهذا بدوره يفتح المجال أمام أسئلة بحاجة لإجابات مقنعة، وكفيلة بأن تُبرّر ما انتهى عليه المشروع من نتائج لا يحسد عليها، أوقع المنفذين والمشرفين، وحتى الدارسين له في موقف المتهم.
فهل المشكلة تكمن في الدراسة الفنية؟ أم في الشروط المالية التي أعدتها الجهة صاحبة المشروع، والتي كانت بعيدة كل البعد عن الدقة في دراستها؟ أم العكس هو الصحيح؟.
وإذا كان الحال كذلك، فلماذا لم تُحدّد التكلفة الحقيقية للمشاريع المنفّذة، أو التي يجري العمل على تنفيذها قبل إعداد الدراسة الفنية للمشروع المراد القيام به؟ وإذا كانت الدراسة غير دقيقة، فهنا ـ بالتأكيد ـ ستكون المفارقة صارخة، لا سيما وأن جميع جهات القطاع العام متخمة بالمهندسين الذين يُفترض أنَّهم على علم ودراية بتكلفة الأعمال التي سوف يجري العمل على تنفيذها، وبدقة، في حين أنَّ الكثير من المهندسين أمضوا سنين طويلة في هذا الميدان، ولديهم خبراتهم الكافية.
وإذا كانت هذه الجهات تُنفّذ مشاريعها ومنذ سنين طويلة، ألم يَحنُ الوقت بعد لتتعلم من تجاربها المتكرّرة في تنفيذ هذه المشاريع، وتضع دراسة علمية مشروطة لكل مشروع على حدة كي لا يتم كسر الأسعار على حساب الجودة، ناهيك عن النقص في كميات المواد الداخلة في الأبنية المشادة من اسمنت وحديد، والتلاعب بالمواصفات..
أما حال البعض من المقاولين المخلصين، فهؤلاء بعيدون ـ بلا شك ـ عن الفوز بأية حصّة من الحصص المقرّرة لهذه المناقصات "الدسمة" باعتبار أنهم يعملون بإخلاص في عملهم، ويؤدون دورهم على أكمل وجه، بعيداً في ذلك عن الحسابات الأخرى.
ومن بين الصور السلبية التي أظهرتها المناقصات، هو أن هناك بعض المديريات الخدمية تضم عدداً من المهندسين موزعين على لجان الإشراف، وغيرها..
الغريب أنَّ البعض من المهندسين المعدودين على الأصابع، ومنهم أدنى من ذلك، ممن تربطهم بأصحاب الأضابير الثقيلة "المتعهدين" علاقات متينة طالما يُلحظون ـ وبشكلٍ دوري ـ في أغلب المشاريع، ويكلّفون في لجان الإشراف، والاستلام "ياعين الله عليهم"! وغيرهم كثيرين، ما زالوا مستبعدين عن أخذ دورهم أسوة بزملائهم!
يبدو أن هؤلاء المهندسين، وغيرهم من المعنيين بهذه المسألة، الذين يُكلفون بأوامر إدارية ـ وعلى ما يبدو ـ هم الأجدر من زملائهم البقية، وأكفأهم خبرةً ودراية ومعرفة!
ويبقى السؤال: أين دور صلاحيات لجان فضّ العروض؟
فالضرورة تقتضي العمل على إعادة النظر في نظام العقود والمناقصات، وإعطائهم المزيد من الصلاحيات ليتسنى لهم أخذ دورهم على أكمل وجه، و يُفضل الاستماع لوجهة نظرهم، التي بالكاد أن تصل، وتحقّق المرجو منها!
ويبقى أملنا هو الوصول إلى الهدف المنشود، والعمل وبكل جدية، في مشاريع يبقى لها أسسها وأهدافها، وهذا يعني أن نكون أكثر حرصاً في تنفيذ أمثال الكثير من المشاريع التي تهم المجتمع ككل، ويبقى لها طابعها الخدمي، التي من خلالها يمكن أن تُسهم في تطويره، وترفع من أهدافه، وقادرة في الوقت نفسه أن تُحقق أحلام الشباب، الجيل الناشئة، الذي يحلم بمستقبل واعد وآمن.
إنَّ المتابع لما يَحدث في إطار الأبنية المدرسية، والطرق، ومشاريع الاستصلاح، والأبنية الصحية، والخدمية، غيرها الكثير، وكذلك خطة تأهيل المدارس، التي طالما تدرج في صيانات مستمرة، وبوشر العمل في أغلبها الآن، وغيرها، يرى العجب العجاب، والمطلوب زيادة الاهتمام بها أكثر فأكثر، لأهميتها في حياة أطفالنا فلذة أكبادنا، ولأهمية غيرها في الحياة العامة، وأثر ذلك على المجتمع، ونسعى إلى إعطائها مزيداً من الجهد، والاهتمام ما دمنا نملك الإمكانية، والخبرة، واليد العاملة، والاعتمادات المالية المرصودة الكافية لإقامة أمثال هذه المشاريع الصغيرة، وغيرها من مشاريع عملاقة بانتظار التدقيق في سجلاتها وقيودها، وتتضمن الكثير من المواصفات المخالفة للدراسات والاشتراطات المقررة، وهنا يكمن السر في نشاط القطاع العام في سوريا والكسب المباشر من فوائد ما يجري على الساحة هناك في ظل الفوضى القائمة حالياً، وهذا ما كان يحدث أيضاً ما قبل الثورة التي صارت لعنة أكيدة حلت بالسوريين، والمستفيد الأكبر من كل ذلك كبار الموظفين العاملين في القطاع العام!