كاتب برتبة عالم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هناك مبدعين في مجال الكتابة - بأنواعها المختلفة - يستحقوا أن نطلق عليهم "علماء" ذلك لقدرتهم الفائقة في طرح أفكار وتساؤلات ليست فقط نابعة من روح عصرهم، إنما هي واقعيًا جزء من تطور بعض العلوم الاجتماعية.
صلاح جاهين واحد من أولئك المبدعين العلماء إنجاز التعبير، ولعلنا نذكر كتابته لسيناريو فيلم "خلى بالك من زوزو" عام 1972. بذلك الفيلم مشهد شهير، حيث تسأل فيه الطالبة الراقصة أبنه الراقصة ذلك المشهور الوسيم سؤال يبدو بسيط ألا وهو "من أنت؟" .
من هنا ومن ذلك السؤال يبدأ صراع الفيلم كله من حب أحيانًا ورفض ببعض الأحيان وقبول في القليل منه. ذلك السؤال الصعب جدًا العميق جدًا جدًا الأن في 2020 هو محور أوراق وكتب كثيرة لما يُسمى بـ "self help" أو التنمية الذاتية.
من أنت؟ ليست إجابته أسمك ومكان سكنك ومؤهلك الدراسي وطبيعة عملك وما تملك من أشياء أو أدوراك الاجتماعية كأب أو صديق أو أو، كما أنه لا يشمل مواصفاتك الجسدية وعضلاتك العاملة أو الخاملة.
من أنت ؟ أكبر من ذلك بكثير إنها تعني وجهك الداخلي وما تملكه من مواصفات عقلية وفكرية ونفسية. تلك الأمور لُندركها كاملة كبشر لا تتحقق في يوم أو شهر أو سنه بل هي عملية ممتدة معقدة وليست سهلة على الإطلاق .
تحتاج لتعرف من أنت؟ أولا للوعي بأن لك أصلا وجه داخلي نفسي وعقلي وفكري، وإنك كإنسان أكبر من ما تملك أو تعمل أو تُصادق أو تحب أو أو، ولعل أوقات تباعد وحظر "الكورونا" فيرس أوضح لغالبيتنا أن إنكارنا لأهمية الوعي بالذات ومعرفتها بالهروب والانشغال بأي شيء وكل شيء، أمر مؤلم أجلا أم عاجلاً ستضطر لسؤال ذاتك بوعي من أنا ؟ فلما تنتظر أن تفرغ الدائرة من حولك لتسأل وتعرف بوعي.
الحب يأتي بعد الوعي في إجابة من أنت ؟ والحب هنا لا يعني وفق مقاييس المجتمع الذي تحيا فيه أو الدين الذي تؤمن به، وإنما الحب الغير مشروط لذاتك الحقيقية لأنت الداخلي الذي لا يعلمه أحد غيرك بكل ما تُريد تغييره وكل ملا تود تغييره.
حقيقة لا أفهم المجتمع المصري وإشاعته لعبارة مكررة وكأنها شعار للقبول المجتمعي ألا وهى "اللى يحب نفسه يبقي أناني" في حين أن هناك فجوة بين حب النفس والأنانية كتلك التي بين السماء والأرض.
لو لم تحب ذاتك لن تطورها ومن ثم لن يتطور المجتمع، لن تُصنع الحضارة بمجموعة من الكارهين لأنفسهم الغير مُقدرين لذواتهم الدائرين في دوائر مغلقة من الاختيارات الخاطئة، وإيثار الأخرين دون سبب سوى الخوف من الوصم بـ "الأنانية" ومن ثم التعذيب المستمر للذات والفشل بأغلى منحة ألا وهى "الحياة".
حب الذات غير المشروط ضرورة لكل إنسان عندما تحب ستصنع فرقًا للأفضل بلا شك لنفسك أولاً ثم مجتمعك. المجتمع المصري يدعي أنه برفض مبدأ حب الذات يدعم محاربة "الأنانية" في حين أن هذا المجتمع الكاره أفراده لذواتهم، يمارس الأنانية في شكل فج وعلى كافة المستويات، مجتمعنا يرفض الأخر واختياراته الحرة وإبداعه وحياته وتلك أنانية مدعمة بالقوانين والمباركة المجتمعية. المجتمع والفرد الأناني لا يري سوى ذاته فكره هو فقط ولا يسمح للأخرين بالتنفس من حوله، يقتل المختلف عنه نفسيًا أولا ثم يلقفه للقوانين لتأتي على ما تبقي منه ثم يقف منتصرًا قائلا "أحمى خصوصيتي الثقافية" في حين أنه يحمي "أنانيته". أخيرًا وبعد أن تعي وتحب ذاتك ووجهك الداخلي يأتي "الإخلاص" لنفسك أن تُخلص لما قررته من خطوات لرفع تلك الذات، لما تراه أنت أعلى لك وفق من أنت ؟ وإن لم تخلص لذاتك وما قررته لها لن تكون مخلصًا لإنسان أو لوطن.
"شكة"
**مرور سنوات العمر تأكيد مستمر بأن الحياة ليست منحة دائمة.
**الحذر محفز للنجاة الخوف محفز للأخطاء.