إيران الحقيقية هي إيران الشعوبية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لا يختلف اثنان في أن السياسة في إيران ترتكز حالياً على بعدين رئيسين هما البعد القومي والبعد المذهبي، فالمتتبع لسياسة نظام ولاية الفقيه في إيران منذ بالثورة الإيرانية عام 1979 وحتى وقتنا الراهن، يلحظ سيطرة هذين البعدين على توجهات هذا النظام واستراتيجيته، سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي، بحيث يتم استخدام هذين البعدين لتفادي الاستحقاقات الداخلية من خلال الترويج لنظرية المؤامرة الخارجية الحاضرة بقوة في أي استحقاق داخلي، كالاحتجاجات الحالية التي نتجت عن مقتل مهسا أميني، وكذلك في التحركات الخارجية التي تقوم على المذهبية كعنصر التزام حزبي لتحقيق غايات وأهداف من خلال استخدام الفتن والحروب الطائفية.
طبعاً في إطار هذين البعدين تظهر الشعوبية الإيرانية بأجلى صورها، وتعد بذلك امتداداً للشعوبية القديمة التي ظهرت في وقت مبكر من تاريخ الدولة الإسلامية، وتحديداً في العصر العباسي الأول وعرفت الشعوبية آنذاك كنزعة عنصرية عرقية جمعها العداء للعرب والإسلام وهدفت إلى بلورة تجمّع فارسي مرتبط بجذور فارس القديمة وإعادة إحياء الديانات القديمة كالزرادشتية والمانوية والمزدكية، ومن بعد العصر العباسي استمرت الشعوبية تتناقل أفكارها جيلاً بعد جيل، حتى وصلت إلى الصفويين الذين ألبسوها ثوباً جديداً وهو الطائفية والمذهبية وصولاً إلى اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979وقيام الجمهورية الإسلامية التي نصب قادتها أنفسهم أوصياء وحماة للمذهب الشيعي واتباعه ورموزه ومقدساته وتم جعل آياتها وملاليها مراجع دينية وسياسية لشيعة العالم قاطبة بغض النظر عن أوطان هؤلاء الشيعة وهوياتهم الوطنية المختلفة، آملين التمدد بتصدير ثورتهم إلى الخارج وتخليق ولاء عابر للحدود الوطنية، وما نشهده اليوم من قيام النظام في إيران ومؤسساته الدينية بمساعي مستميتة لنشر التشيع الصفوي في العالم العربي والإسلامي إلا استجابة لمخطط الشعوبية القديمة التي تحاول تحقيق هدفها المتمثل في حلم إقامة الإمبراطورية الفارسية عبر بوابة التشيع، وفي هذا الجانب يظهر البعد القومي الممزوج بالبعد المذهبي بشكلٍ جلي، فاحتلال إيران لأربع عواصم عربية ومحاولة تبرير احتلالها لهذه العواصم بحماية الأقليات الشيعية وحماية مراقدها المقدسة وأمنها القومي، يدخل بشكل واضح في صلب إدراك نظام ولاية الفقيه أهمية مخاطبة المخيلة الفارسية الناتجة عن قوة النزعة القومية في الهوية الإيرانية، والتي ترجع بدورها إلى النزعة القومية الفارسية لدى الشعوبية القديمة.
وبالتالي، فإذا ما أردنا أن نفهم حالياً سبب الهجمة الشرسة للنظام في إيران على البلاد العربية، علينا أن ندرك أولاً أن هذه الهجمة المعاصرة ما هي إلا استنساخ تاريخي لهجمات شعوبية سابقة اتخذت مظهرين اثنين الأول مظهر عنصري يقوم على تفضيل غير العربي على العربي والحط من شأن العربي وتحقيره، وهذا يظهر حالياً بشكل جلي في الأدبيات القومية الإيرانية ذات النزعة القومية الفارسية، والتي تُظهر العربي بصورة سلبية تطغى عليه الهمجية والبعد عن المدنية مع تحميل العرب وزر سقوط وانهيار الإمبراطورية الفارسية، والثاني مظهر عقائدي يُخفي أهداف سياسية تًمثّل قديماً بحركتي الغلو والزندقة وحركات التمرد، في حين يظهر حالياً من خلال الفتن الطائفية والمذهبية التي تغذيها إيران في العديد من الدول العربية، وبالتالي ما تقوم به إيران حالياً هو نفس ما قامت به الشعوبية الفارسية قديماً، فشعار "الوحدة الإسلامية" الذي يرفعه نظام الولي الفقيه في إيران اليوم هو نفس شعار "التسوية" الذي رفعه الشعوبيين قديماً، كما أن مساعي نظام الولي الفقيه الهادف إلى تصدير الثورة الخمينية حالياً، هو بحد ذاته يشبه مساعي الشعوبية القديمة لتصدير الشعوبية ضد العنصر العربي والقضاء على الدولة الإسلامية، فميليشيا حزب الله في لبنان وميليشيا الحوثي في اليمن وميليشيا الحشد الشعبي في العراق والميليشيا الطائفية في سورية التي تخدم مشروع الولي الفقيه وتخدم المشروع الفارسي في المنطقة من خلال تمجيد الفرس وكره العرب، تعتبر امتداد لحركات التمرد التي قادها الشعوبيين في العصر العباسي كحركة سنباذ وبابك الخرمي والبرامكة وغيرها من الحركات التي كان هدفها إعادة إحياء الإمبراطورية الفارسية والقضاء على الدولة الإسلامية والعنصر العربي.
وعليه، هو التاريخ يتكرّر، وتتشابه الحقب الزمنية مع تعاقبها، حتى تكاد تكون مستنسخة عن بعضها لشدة تطابقها، فما أشبه اليوم بالأمس، فالشعوبيين في إيران حالياً هم نسخة عن أسلافهم من الشعوبيين القدماء، فالدراس لتاريخ الشعوبية والمتتبع لسياسة نظام الولي الفقيه في إيران يدرك مدى التشابه بين الشعوبية القديمة وشعوبية نظام الولي الفقيه سواء في المظاهر أو الأساليب أو حتى في المواقف والخطابات، فالخميني في أحد وصاياه السياسية التي ضمنها كتابه "الوصية السياسية الإلهية" رأى أن الشعب الإيراني بجماهيره المليونية في العصر الراهن، أفضل من أهل الحجاز في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا خطاب شعوبي ذو مظهر عنصري قومي يحاكي خطاب الشعوبية القديمة زمن الدولة العباسية، ومواقف الخامنئي من ثورات الربيع العربي التي أشادت بالثورتين التونسية والمصرية واعتبارهما بوادر ليقظة إسلامية في العالم مستوحاة من الثورة الإيرانية عام 1979، وشيطنت الثورة السورية ضد النظام السوري المتوافق معه عقائدياً واعتبارها انحراف ونسخة مزيفة عن الثورات في تونس ومصر وليبيا، تعبّر عن شعوبية ذات مظهر عقائدي.