فضاء الرأي

مقامرة الملالي في قطر

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لو كانت مشاهد صمود المرأة الإيرانية بشجاعة ضد الظالمين المسلحين حتى الأسنان في شوارع المدن الإيرانية لم تكن كافية لإظهار نهاية حياة نظام الملالي.

إذا كان مشهد قتل المتظاهرين الشباب بالهراوات وبقيادة الدراجات النارية على أجسادهم نصف هامدة لم يظهر بما فيه الكفاي بأنه لم يبق شيء لنهاية حياة جمهورية خامنئي الإسلامية.

إذا كان قتل أكثر من 60 طفلاً، أحيانًا في أحضان الأسرة، من قبل عملاء القمع الأعمى، لا يزال يترك مجالًا للشك في الوصول إلى نهاية حياة النظام.

وإذا كان إطلاق النار الجماعي على المصلين في زاهدان وإطلاق الرشاشات الثقيلة على المتظاهرين في كامياران قد ترك أحدًا غير مقتنع بنهاية حياة النظام، المشاهد غير المسبوقة من الفرح الوطني في جميع أنحاء إيران بسبب هزيمة المنتخب الوطني واستبعاده من مونديال قطر دفعت كل المتشككين إلى استنتاج مفاده أن أيام حياة النظام في إيران هُزمت بشكل لا رجوع فيه. وکان الحدث في دولة تعتبر فيها كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية بين الناس، وبحسب أحد المحتفلين في شوارع طهران، كانت هذه هزيمة فريق خامنئي وانتصار الشعب الإيراني.

هذا المشهد الغريب والفريد من نوعه في العالم لا يُظهر سوى شراسة وشدة الصراع بين الشعب برمته، مع النظام الذي استنفد كل إمكانات القمع والخداع حتى النهاية ولم يعد یجد فی جعبته شیئًا.

كانت بداية القصة يوم الاثنين 14 تشرين الثاني / نوفمبر، عندما استقبل رئيس النظام، إبراهيم رئيسي، المنتخب الإيراني. إلى جانب الإيماءات التقليدية المتمثلة في إعطاء القميص رقم 12 لشخص معروف في إيران بأنه أحد الجناة الرئيسيين لمذبحة 30 ألف سجين سياسي في عام 1988 والمعروف باسم جزّار طهران، فإن كلمات رئيسي تشير إلى خطة الملالي لاستخدام كرة القدم کالسلاح، بالإضافة إلى كل الأسلحة الأخرى، ضد انتفاضة الشعب الإيراني. إنه أکد علی أن "أولئك الذين لا يريدون أن يروا انتصار ونجاح الشباب الإيراني يسعون لتعطيل تركيزكم"، وطلب منهم "بذل كل عزمهم وجهودهم لجعل البلاد فخورة (بالمعنى الذي یرده الملالي)".

بالطبع، لم يكن هذا النظام الأول الذي استخدم كرة القدم لترسيخ أسس حكومته. ففي عام 1978، استغل خورخي فيديلا، دكتاتور الأرجنتين، في ذروة القمع الذي خلف ما يقرب من 30 ألف ضحية خلال السنوات السبع من حكمه، كأس العالم في بلاده وانتصار المنتخب الأرجنتيني لتحويل مسار الانتباه من القمع و الاستمرار إلی کرة القدم. قبله بفترة طويلة، حقق الديكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني أقصى استفادة من انتصار المنتخب الإيطالي في بطولتي كأس العالم عامي 1934 و 1938 لتقوية أسس نظامه الفاشي. لكن إساءة استخدام كرة القدم من قبل الملالي الحاكمين في إيران، فضلاً عن قمعهم تحت اسم الدين ونفاقهم الذي لا حدود له، كان أمرًا غير مسبوق.

اعتبر النظام الدي یواجه عزّ انتفاضة الشعب انتصار يوم الجمعة الماضي على فريق ویلز نعمة سماوية يجب استخدامها خارج نطاق الواقع الوجودي من أجل رفع الروح المعنوية للقوى المترحّلة. وقال المرشد الأعلى علي خامنئي في اجتماع مع قوات الباسيج يوم 26 نوفمبر، والذي تم تنظيمه بشكل أساسي لمنحهم الروح المعنوية، والتي تزداد اهتزازها كل يوم بسبب استمرار قتل أبناء وطنهم. "یوم أمس أنار أبناء المنتخب عيون الأمة باركهم الله أن يسعدوا الوطن".

وذروة النفاق تجلّت في موقف غلام حسين محسني أجي، رئيس القضاء في الملالي، الذي أعلن في 29 نوفمبر، "تفضلا من الله والحمد لله، والسعادة، السرور الوطني الناتج عن انتصار الفریق الوطني لجمهورية إيران الإسلامية، "تم العفو عن إجمالي 1861 سجيناً في 20 محافظة من محافظات البلاد. وفي الوقت نفسه، قامت قوات الباسيج القمعية، أي مرتكبي القبض على عشرات الآلاف من الأشخاص منذ أن بدأت الانتفاضة الحالية، بزيها العسكري الخاص بمکافحة ‌الشغب، بالدوس في الشوارع لإظهار الانتصار الذي تحقق كرمز لـ "انسجام" الشعب مع الحكومة، وهو ما يكمل إنكار النظام لنطاق الانتفاضة.

خامنئي، الذي سُكر بالنصر، نسي أن حبيب خبيري، القائد الشاب والشعبي للمنتخب الوطني لكرة القدم، قد أعدم من قبل النظام نفسه عام 1983 لارتكابه جريمة كونه من أنصار مجاهدي خلق. وقد بذل خامنئي قصارى جهده من أجل أعطاء العالم صورة أن كرة القدم والمنتخب الوطني، وليس الانتفاضة وجرائم النظام، هي أهم ما ينتبه إليه الشعب الإيراني هذه الأيام. وفي هذا الصدد، قرر إرسال عدد كبير من المرتزقة إلى قطر تحت ستار المتفرجين الذين ترعاهم الحكومة لتحييد وجود وتصرفات المتفرجين الإيرانيين المناهضين للنظام الذين هتفوا بشعار"الموت لخامنئي" على منصة الملعب.

وبحسب ملف صوتي سُجِّل من الاجتماع الداخلي لقادة الحرس الثوري الإيراني والباسيج، فقد ذهب النظام إلى حد الحصول على تعاون الحكومة القطرية لمنع المعارضة من الحضور إلى الملعب عندما يلعب فريقهم.

لكن الهزيمة النهائية والإقصاء من مرحلة المنافسة، ومشاهد الفرحة الكبيرة للناس في شوارع مدن إيران المختلفة عند منتصف الليل، أظهرت أن جهود الملالي في تغطية حقائق قطر كانت أولاً محاولة لحجب الشمس بالغربال. وثانياً، الناس الذين ضاقوا ذرعاً من جريمة ونهب النظام والذين يضحون بدماء أبنائهم كل يوم من أجل إسقاط النظام، يعتبرون فريق كرة القدم الإيراني ليس فريق الشعب الإيراني بل فريق خامنئي، وهم یقولون بوضوح أن نظام الملالي فشل، لکن الشعب انتصر.

كان الملالي يعولون على الانتصار لإعطاء الروح المعنوية لقواتهم القمعية، لكن هزيمتهم تسببت في مزيد من وحدة الشعب ضدهم واستعراض غير مسبوق للوحدة الوطنية والتوافق على ضرورة إنهاء عمر النظام.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف