النقلة النوعية في الخليج
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تخوض دول الخليج العربي اليوم أهم مرحلة في تاريخها، وهي مرحلة تشكيل الهوية المنشودة التي لطالما دأب حكّام الخليج لتحقيقها في ظل غياب لتاريخ سياسي وتراكم حضاري كانا ليُساهما في وضع حجر الأساس الذي لم يُفقَد بكل الأحوال. فالمهمّة لم تبدُ مستحيلة كما لطالما توقَّعَها منظّرو الجيل القديم. هؤلاء المُنظّرون الذين احتكموا لتقييمهم بمحاولة النظر من ثقب التاريخ وما أسموه المسار الطبيعي للتطور، وليس من فتحة الانفتاح التي غيّرَتْ تسلسل المسارات أصلاً. فكان البعض يقع في سقطة فكرية ونظرة قاصرة تستحيل بناء دولة ومستقبل من دون إرث حضاري يمتد لآلاف أو مئات السنين، وهذا لم يكن صحيحاً، والتغيير يحدث وحدثَ بتغيُّر أدواته.
اليوم يتمّ صناعة هذا الإرث الحضاري، يتم صناعة مجتمع وثقافة جديدة. ففي ظل التطور العلمي والتكنولوجي والثقافي في العالم، ليس بالضرورة أن تمرّ المجتمعات بمراحل طويلة وتتعاقب عليها الحضارات حتى تتطوّر كتَراكُم حضاري، بل ما حدث في الأربعين سنة الأخيرة دحض هذه النظرية، حيث بلدان كثيرة حاملة إرث حضاري يمتد لآلاف السنين وكان وما زال لها بصمات في المعرفة والعلم، كانت في طور التطوير في سبعينيات القرن الماضي، تراجعت ثقافياً وحضارياً واقتصادياً رغم هذا الإرث.
وبهذا، فلا بأس من صناعة حضارة ومستقبل من دون تاريخ خاص حصري بالبلد، ومَن يقول الخليج صحراء بلا تاريخ ولا حضارة، هو كلام كلاسيكي يتبع نفس النظرة الكلاسيكية للأمور.
أولاً، عربياً، هناك توجّه اليوم يبدأ من الخليج للتخلّي عن الإسلام السياسي في المنطقة. نعم الخليج بما فيهم قطر داعمة الإسلام السياسي في المنطقة لسنوات. اليوم تغيّرَتْ البوصلة، ومَن كانوا أعداء الأمس سيصبحون أصدقاء الغد إلى حين تتغيّر المصالح مرة أخرى.
ثانياً، هذا التوجّه هو بتوافق دولي، أي التغيير الخليجي الذاتي للتوافقات الدولية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً لأجل تحقيق الاستقرار المستدام وهو إحدى أدوات منع الإرهاب وعدم الفرصة لاستمرار تنامي ظاهرة الإسلام الراديكالي المتطرف كما حصل بالسابق. فالتطور والازدهار الاقتصادي والتغيير المجتمعي كفيلان بتغيير تلك المجتمعات وهذا يصب في مصلحة خليجية غربية. ومثال ذلك النموذج الامارتي الناجح والذي حقق السلام الداخلي والأمن وباتت الإمارات محطة استقطاب عالمية، واليوم السعودية تتجه نحو ذلك أيضاً وحتى قطر، وبدأنا نرى مظاهر التغيير حتى لو كان بقرار من أفراد من السلطة، على أمل أن يؤثّر هذا على الثقافة الشعبية ويمتد هذا التغيير للتغيير السياسي والحرية السياسية في الخليج وليس فقط التغيير الاقتصادي والمجتمعي.
وهنا يقول البعض، "لا ينجح التغيير بقرار من أفراد؛ التغيير حُكماً نتيجة تراكم حضاري فقط،" ناسفاً بهذا أدوات التغيير الجديدة وأنّ لكل مرحلة أدواتها وكل شيء مُتغيِّر حتى المبادئ في علم الاجتماع.
لكن للتوضيح، ألم يكن الانغلاق في هذه البلدان نفسها بقرار من أفراد؟ هل الشعوب هي مَن أرادت هذا أم فُرِض عليها؟ وهل تغيّر شيء في أيّ دولة إلاّ بقرار من أفراد، من النُّخَب أو مَن هم في السطلة يحتكمون لهذا التغيير؟
حتى في الغرب، رغم الفارق الحضاري الكبير، مَن طالب بالتغيير ومَن غيّر فعلاً هم "أفراد" النخب ومَن بيدهم القرار من السياسيين، والشعب كان غالباً يتبع هذا التغيير والقرارات الجديدة ما يُنتِج مرحلة وثقافة جديدة.
في ظل أنظمة ملكية أو عائلية كما في الخليج، ومنظومة ثقافية كانت شبه منغلقة ولا تملك ذاك الإرث الثقافي، تحتاج المسألة قراراً جريئاً من صاحب القرار كالملك أو الحاكم ينقل البلاد إلى مستوى آخر ويؤسّس لثقافة مجتمعية جديدة قد نرى نتائجها على الصعيد السياسي أيضاً قريباً.
ثالثاً والأهم، الشعوب اليوم مستعدة دائماً للتطوير ليس كما السابق رغم مظاهر التشدّد في بعض البلدان والثقافات، لكن الانفتاح المعرفي والتكنولوجي الحاصل كان له آثاره المهمة في تهيئة الشعوب للتغيير.
الحاضر المعرفي الذي وصلنا له وأدواته بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت وما زالت منصّة حاضنة لأفكار الملايين وتطلّعاتهم ومنفَذ لكسر التابوهات التي أثقلَتْ كاهل الشعوب، هذا الحاضر المعرفي هو الأداة الأهم والأكثر فعالية للتغيير اليوم مع قرارات تغييرية جريئة.
فنعود لسؤال البعض، هل يُصنَع مستقبل من دون تاريخ سياسي وحضاري؟
نعم، لأنّ التاريخ الحضاري لهذا العالم أصبح مشتَرَكاً والمعرفة بمتناول يد الجميع. فهل نرى انحساراً للتطرف في كل مكان بما فيهم حزب الإخوان المسلمين بعد التخلّي عن الوهابية في السعودية التي صدّرَتْ التشدد لبلدان مجاورة وغيرها كانت في طور التطوير فأعادتها للوراء ولكنها اليوم تتخلّى عنها وترتدي ثوب الانفتاح؟ وهل سيكون التخلّي عن الإسلام السياسي في المنطقة فقط أم سيمتد لتركيا وإيران وتُصيب هذه المرة الثورة الإيرانية الحالية بإسقاط ولاية الفقيه مرتع الإسلام السياسي الشيعي؟ هذا هو السؤال..
ليس لنا كمثقّفين إلاّ أن نبارك لخطوات التغيير الإيجابية في الخليج مُتطلّعين لثقافة جديدة للعالم كله هي ثقافة الانفتاح والتعايش والسلام.
التعليقات
من التاريخ
فول على طول -ليس من المهم ان يكون لاى دوله تاريخ حضارى كى تتقدم وتلحق بالتطور ...امريكا على سبيل المثال عمرها حوالى 400 عام فقط وهى فى طليعة العالم وبالعكس هناك دول كانت ذات حضاره 7000 عام مثل مصر والشام والعراق وهى الان فى ذيل الامم . التقدم والتطور يفرض على الشعوب المتخلفه والمتقدمه ويفرض بقرار فردى ومن اعلى السلطه وهذا تاريخ معروف ...ايضا التخلف يفرض من اعلى الهرم وبقرار فردى ..الشعوب لا تفعل شيئا من نفسها . يتبع
تابع ما قبله
فول على طول -الحبيب بورقيبه فرض الدستور الفرنسي على تونس ..وعندما سألوه لماذا لا تأخذ رأى الشعب ؟ كانت اجابته واضحه وهى أن التقدم يفرض فرضا على الشعوب المتخلفه ..وقد نهضت تونس بعد ذلك ..ولكن عندما تخلت تونس عن تعاليم بوريقيبه تخلفت . ديجول كان السبب فى نهضة فرنسا ..لينكولن وواشنطن وغيرهما كانوا السبب فى نهضة امريكا ...وهكذا . أى أفراد هم الذين يقودون القاطره وليس الشعب . تحيه للامارات وللسعوديه تحت قيادة أفراد يسفرضون التقدم على الشعب ..وبئس القيادات فى مصر والكويت ومن يماثلهما ..يتبع
تابع ما قبله
فول على طول -مصر - والكويت أيضا ومن يشبههما - سوف تصبح أفغانستان الجديده ...والسعوديه والامارات سوف تصبحان مثل البلاد الغربيه بفضل أفراد وأقصد قادتهما . وبدون مواربات عندما تزداد مساحه الدين الحنيف فى الشارع وفى مراكز القياده فالمصير معروف والمستقبل سيكون صومال أو أفانستان على أكثر تقدير . انتهى
اي نقلة نوعية ؟!
متسائل -الاسلام الصحيح خطر على الاستبداد والعلمانية الحقيقية خطر على الاستبداد أيضاً ولذلك أنتج المستبد توليفة تلفيقية لا هي بالإسلام الصحيح ولا هي ب العلمانية الحقيقية لذلك ترين ان المستبد الشرقي لا يتوانى عن قمع معارضيه من اي جهة جاؤوا ويضرب هؤلاء بهؤلاء ويمزق النسيج الاجتماعي بالفساد والارهاب ليبقى وحده ممسكاً بخيوط اللعبة لا بأس ان يرتدي قناع الدين فيحتفل بالمولد النبوي و يحتفي بحفاظ القرآن الكريم يسجن بعض المتطاولين على الاسلام ليعطي انطباعاً انه حارس للدين والوضع سيستمر طويلاً فالدور الوظيفي الذي يقوم به المستبد الشرقي يعجب الغرب الديمقراطي فلا غرو انه يدعمه ويؤيده ويرفده باحدث اجهزة التعذيب والاستنطاق والتعقب .
انفتاح
دبزات محمد -الشيء الوحيد الثابت في الحياة هو التغيير المستمر. - هرقليطسلكل مرحلة من حياة الشعوب أدواتها..فما كان ينطبق ويلائم في حقبة ما، لا ينطبق بالضرورة في حقبة لاحقة، وبالتالي وقت ما جاءت رياح التغيير يجب العض عليها بالنواجد..أوافقك دكتورة على أفكارك الواردة في المقال ،وكعادتك دائما ما تحطين الأصبع على مكامن الداء لتستخرجي وصفة الدواء..هناك من يرغب في التغيير وهناك من يستلذ في العتمة. تحياتي دكتورة
أؤيد وحزين على حال بلادنا العريقة
Omar Badawy -أنرت ما يدور في خلجاتي بدقة شديدةمع تأييدي التام معك ومع هذا التحرك نحو صناعة حضارة وهوية لدول الخليج العربي، مع حزني على بلادنا ذوات الحضارات العريقة وحالها الآني. كان يجدر بمصر وسوريا ولبنان والعراق أن تكون صاحبة الريادة في هذا التوجه.
تحياتي دكتورة ريم
bassem -التاريخ الحضاري لهذا العالم أصبح مشتَرَكاً جملة عظيمة جدا وتدل علي عمق الانسانيةتحياتي لحضرتك
السياسات المفروضة غير ناجحة
مراقب -السياسات المفروضة غير ناجحة ، ولدينا امثلة على ذلك الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية و كوبا ومصر وليبيا واليمن الكنيسة القبطية والكنيسة المارونية وعموم كنايس المشرق ، ودول أمريكا اللاتينية التي لم تتقدم الا بعد اخذها بالنهج الديموقراطي وسقوط الديكتاتورية ورواندا بعد حرب اهلية طاحنة ،،
احمد الله
اغلى من الذهب -إذا عافاك الله من رؤية الحرام، وسماع المحرم، والقول البذيء، وحب الشهوات، والتجول في أماكن الفتن، والحديث عن الناس بالسوء، وأعطاك حب الخير، وسماع الطيب، والقول الحسن، ورؤية المفيد، فقد رزقك بأمور؛ هي أغلى من الذهب والفضة، وأعز من الدرهم، وأجلّ من كنوز الدنيا كلها، فاحمد الله.
اي نقلة يا استاذه والخليجي يعتمد على الاسيوي في كل شئونه !
كناري خليجي -اي نقلة يا استاذه والخليجي يعتمد على الاسيوي في كل شئونه !، يخيط له دشداشته ويغسلها ويكويها ويستورد قماشها منه ويحضر له طعامه وشرابه و يدير له مصانعه ومواصلاته ومنشآته كل ما يستخدمه الخليجي مستورد من الابرة الى الصاروخ ، الشعوب في الكيانات الخليجية ريعية تعتاش على فتات عائدات النفط ولا تنتج شيء يذكر ولو غادرها من يخدمها لأي سبب لوقعت في حيص بيص ،،
نقلة الخراب ،،
وسيم -يعني بعد هذه النقلة سنجد الخلايجة في المختبرات وفي المصانع وهم عاكفون على انتاج احدث ما تتوصل اليه البشرية من صناعات الهاي تك والامصال التي تنقذ البشرية و يغزون المريخ ويخططون لغزو درب التبانة ؟! وليس في الملاهي والمهرجانات ؟