سكان مخيم الشاطئ بغزة.. لم تكفهم النكبة فزادهم الهدم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"لم يكفهم الحصار والاحتلال، فأرادوا تشريدنا "بهذه الكلمات وصف لي صديقي الذي رفض ذكر اسمه المعاناة التي ألمت بسكان حي الرشيد، الذين يقفون على عتبة مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة ليشاهدوا منازلهم تتساقط شيئا فشيئا، ويراقبون الهدم الذي تقوم به الحكومة التي تقودها حماس في غزة، ضمن مشروع يعرف باسم "عنق الزجاجة" وهو أحد المشاريع التي تهدف إلى هدم منازل في مناطق مزدحمة قرب الطريق الساحلي للمخيم، من أجل توسيع الشارع. وهو ما قوبل بغضب واحتجاج من قبل سكان المنطقة. قبل أشهر من الآن، إلى أن عمليات الهدم بدأت بالفعل قبل أيام قليلة، انتقلت بعدها بعض العائلات إلى مساكن مؤقتة للإيجار، لكنهم يواصلون العودة لإلقاء نظرة أخيرة قبل أن تمحى ذكرياتهم إلى الأبد.
مخيم الشاطئ هو ثالث أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة، وواحد من أكثر المناطق ازدحامًا في قطاع غزة بأكمله. بني على مساحة 0.52 كيلومتر مربع فقط، وهو موطن لأكثر من 85628 لاجئً فلسطيني، أجبروا على ترك منازلهم خلال النكبة عام 1948، أما اليوم فيعيش سكانه معاناة من نوع آخر، والذين وجدوا أنفسهم خارج منازلهم، فبالنسبة للعديد من الذين عاشوا في هذه المنازل المطلة على البحر، والتي تمكنهم من الاستمتاع بمنظر البحر، لا يمكن الاستغناء عنها، خاصة وأن العديد منهم يعيش فيها منذ سنوات طويلة، والآن لن تتمكن معظم العائلات من العثور على منازل تناسب جميع أفراد الأسرة، إذا كانوا سيستخدمون التعويضات الحكومية، والتي يتم دفعها على أقساط شهرية من خمسة إلى ستة أقساط، في استئجار منازل إلى حين إكمال الأقساط المتبقية، مما يعني أن الكثيرين غير قادرين على العثور على منازل جديدة من خلال استخدام النقود، في الجهة المقابلة رفضت احكومة حماس كل الطعون التي تقدم بها أهالي الحي سواء تمحورت حول مبلغ السداد أو قرار الهدم نفسه.
عمليات الهدم بدأت قبل أن يستلم أصحاب المنازل المتضررة سوى القسط الأول وقدره 6000 دولار، إلى حين استلام أربعة شيكات بنفس المبلغ على أن يتم دفعها خلال الأشهر الأربعة المقبلة، غير أن أغلب العائلات المعنية بمشروع "عنق الزجاجة" تشك في وعود حكومة حماس والتي لطالما أخلت بوعودها سابقا، خاصة أن أغلبها طلبت تأمين شقق أخرى وهو ما تم رفضه، في حين تقوم الجهات المعنية بالتعويض وفقًا للمساحة، وليس وفقًا للعائلات الموجودة داخل تلك المساحة. فالشخص الذي يعيش في منزل مساحته 60 مترًا مربعًا سيحصل على ما يكفي من المال لشراء 60 مترًا مربعً.
أزمة عنق الزجاجة تشكلت بفعل الكثافة السكانية، حيث يحوي القطاع أكثر من 70٪ من اللاجئين الذين استقروا في الشريط الساحلي بعد نزوحهم بعد النكبة، وسكان مخيم الشاطئ، مثل مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الآخرين في غزة، وصلوا الآن إلى الجيل الثالث والرابع وحتى الخامس دون العودة إلى منازلهم التي هُجروا منها.
مثل العشرات من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الأخرى في أنحاء غزة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا يبدو المخيم كما كان عليه عندما تم إنشاؤه لأول مرة، حيث استقر اللاجئون في خيام وملاجئ مؤقتة. عندما تأسست الأونروا في عام 1949، بدأت الوكالة في تقديم الإغاثة الإنسانية والخدمات الأخرى للناس وأنشأت مخيمات اللاجئين رسميًا.
ووفقا لوكالة "الأونروا"، فإن قطع الأرض التي أقيمت عليها المخيمات كانت إما أراضي دولة أو في معظم الحالات، أراض استأجرتها الحكومة المضيفة من ملاك الأراضي المحليين. وهذا يعني أن اللاجئين أنفسهم لم "يمتلكوا" الأرض التي بنيت عليها مساكنهم، ولكن تم منحهم الحق في "استخدام" الأرض للسكن.
تختلف ملامح الحياة في مخيمات اللجوء داخل قطاع غزة عن باقي المُدن، حيث تتميز بكثافة السكان والبيوت المتجاورة، في ظلّ ظروف معيشية غير مُستقرة، إذ كان قصد السكان تلك المخيمات كمحطة مؤقتة، إلى حين عودتهم لأراضيهم المحتلة، ومع استمرار إسرائيل في حرمان اللاجئين من حقهم في العودة إلى منازلهم، أصبحت الخيام والملاجئ المؤقتة مبانٍ دائمة، وفي بعض مناطق الشاطئ، تمكن اللاجئون من شراء الأرض التي بنيت عليها منازلهم. في أجزاء أخرى من المخيم، واصل السكان، مثل الغالبية العظمى من اللاجئين الفلسطينيين، البناء والإقامة على الأرض التي استأجرتها الأونروا، والتي لا "تخصهم" رسميًا.
وبصفتهم سكانًا في مخيم للاجئين معترف به، لهم الحق في العيش هناك حتى بدون سند ملكية للأرض - تقول سلطات حماس في غزة إنها تمنح الحكومة الحق في تدمير، منازل بناها السكان من جيوبهم الخاصة على مدى عدة أجيال، وهو انتهاك صارخ لحقوقهم المحمية كلاجئين ومهجرين، وهنا يمكن أن نضع فرضية أنه ما طبق على مخيم الشاطئ يمكن يطبق على مخيمات اللاجئين الأخرى في غزة.
وعلى الرغم من مرور عدة عقود على أحداث النكبة الفلسطينية، إلا أنّ ذاكرة سكان مخيم الشاطئ ما زالت مزدحمة بذكريات الأرض، التي كانوا يحلمون بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والعودة إليها ليصطدموا بواقع آخر لا تختلف قساوته عن مرارة النكبة والتهجير لكن هذه المرة ليس من المحتل بل من حكومة حماس.