كتَّاب إيلاف

تصادم الهويات في الشرق الاوسط

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لقد كان وما يزال الشرق الأوسط نقطة ارتكاز عالمية قلقة تتنافس وتتصارع وتتوازن فيها وعليها القوى الدولية الكبيرة اقتصادياً وعسكرياً، ليس اليوم بل عبر حقب التاريخ تعرضت هذه المنطقة من العالم إلى صراعات بين الأقوام والكيانات حتى احتضن ترابها ملايين المتصارعين في حروبٍ قاسية، سادت فيها أقوام ثمّ بادت، واختلطت الأعراق فيها والأنساب حتى تشابهت السحن والعادات، ورغم ذلك لم تنجح معظم تلك الكيانات في أن تضع خارطة طريق لتنظيم تلك الهويات على أساس التفاعل وملاقحة الحضارات بديلاً للتصادم والإقصاء الذي أنتج عشرات الحروب وأضاع مئات الفرص الذهبية للتطور والتقدم.

إن اتفاقية سايكس بيكو السرية بين بريطانيا وفرنسا عام 1916م، وموافقة إيطاليا وروسيا على تقسيم قلب الشرق الأوسط وتوزيع غنائمه بينهم عقدت أوضاع المكونات الأصغر لولا أن اتفاقية سيفر في عام 1920م منحتهم بارقة أمل لتحقيق مطالبهم في إنشاء دولة كردية، إلا أن معادة الصلح في لوزان بعد ثلاث سنوات -أي في عام 1923م- ألغت اتفاقية سيفر ونسفت تلك الأحلام التي وعدت الكرد بتحقيق حلمهم في إقامة دولتهم كبقية الشعوب التي نالت استحقاقاتها كجزء من مخرجات تلك الاتفاقيات، و أعطت إشارة البدء لحقبة من الصراعات الدموية التي وصفها أحد الدبلوماسيين الأمريكان في حفل توقيع معاهدة الصلح بأن الموقعين عليها إنما وقعوا على حقبة من الحروب والمآسي!

ولم تلبث سنوات قليلة حتى تحققت نبوءة الدبلوماسي الأمريكي، حيث مزّقت تلك الاتفاقية في لوزان العيش المشترك بين المكونات المختلفة عرقياً وثقافياً، دينياً ومذهبياً، وكانت بداية لاشتعال الحروب وحقبة التصادم بعد سنوات ليست طويلة وبالذات بعد قيام دولة تركيا الحديثة التي وضع أسسها كمال أتاتورك وما تلاها من أنظمة الانقلابات في كلّ من العراق وسوريا وإيران بمختلف توجهاتها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لكنها كانت تشترك تماماً في معالجاتها لقضية المكونات وبالذات المكون الأكبر في الشرق الأوسط الذي أهمل في اتفاقيات سايكس بيكو ولوزان، وأقصد هنا الكرد في أجزاء وطنهم المجزئ إلى أربعة أقسام في كلّ من تركيا وإيران والعراق وسوريا، حيث فشلت تلك الأنظمة في إيقاف عجلة التصادم وإقامة دولة المواطنة التي يرتقي فيها الانتماء على كلّ الهويات والثقافات، لأنها اختزلت المواطنة في الانتماء إلى القومية الأكبر والانصهار فيها، واستخدمت عمليات التتريك والتفريس والتعريب سيئة الصيت مع الكرد وغيرهم.

إن المنطقة اليوم تدفع ثمن تلك السياسات الفاشلة والشمولية في إقصاء المكونات القومية والعرقية، وما يحصل الآن في كلّ من تركيا وايران والعراق ولبنان وسوريا واليمن، ومتوقع أن يحصل في المغرب والجزائر وليبيا والسودان، إنما يؤكد فشل وانهيار الأنظمة الشمولية القومية والمذهبية المتشددة، التي ما تزال تصرُّ على نهج إلغاء الآخر المختلف قومياً أو دينياً أو مذهبياً، وفرض إرادة المكون الأكبر دون الأخذ بحقوق الآخرين الشركاء في الأرض والمال، مما يرفع وتيرة التصادم بين الهويات القومية والعرقية والمذهبية، وخير دليل على استمرار هذا النهج هو النزف الدائم في فلسطين وتركيا وإيران وسوريا واليمن، التي خسرت فرصاً ذهبية للتطور والتقدم لما حباها الله بثروات وإمكانيات تتفرد بها في المنطقة.

ما يجري اليوم من دوامة العنف والعنف المضاد وما يتعرض له إقليم كردستان العراق من هجمات صاروخية ومدفعية تركية وإيرانية لملاحقة معارضيهما الهاربين إلى العراق منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي يؤكد وبعد قرن من الزمان على فشل تلك الاتفاقيات القديمة، وفشل الأنظمة والكيانات التي تستمد قوتها وتطيل بقائها في السلطة على هذا التصادم الدموي بين الهويات القومية والثقافية، وقد آن الأوان لوضع حلول جذرية لأخطاء فظيعة وقعت فيها الدول العظمى وتسببت في إنتاج مآسي وكوارث بين الشعوب، وحريٌ بها اليوم وتحديداً الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا التي كانت تتقاسم العالم، وما تزال تهيمن على مقدراته ومستقبله، أن تعمل مع ممثلي المكونات المتضررة في هذه الدول، لوضع أسس خارطة طريق جديدة لاتفاقية دولية ضامنة، ترسم حدوداً للتعايش السلمي والحضاري بين المكونات، بما يضمن حقوقها السياسية والثقافية من خلال تشريع قوانين لحمايتها وإتاحة فرصة لإنشاء نظام جديد في المنطقة بعيداً عن ذلك الإرث الفاشل من سياسة الشراكة القسرية والاحتواء، وتطوير نظم الإدارة السياسية والثقافية والاقتصادية بما يمنح تلك المكونات حقوقها أما بنظام فيدرالي كالنموذج العراقي في حلّ القضية الكردية أو باستفتاء على حق تقرير المصير كما حصل في كلّ من جيكوسلوفاكيا وتيمور الشرقية وجنوب السودان والعديد من الأقاليم والدول الفيدرالية المتعددة الهويات كما في بلجيكا وسويسرا والولايات المتحدة وروسيا الاتحادية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
إطلالة مهمة
د. طه حامد الدليمي -

إطلالة مهمة لرسم صورة مختصرة لجذور مشكلة يعاني منها الجميع. يظهر فيها الماضي الممهد والخلل المهدد للوضع السيئ الذي تعاني منه كل الأطراف المشتركة!ثم انتهت ببيان الحل الأنسب: الفيدرالية أو الاستفتاء على حق تقرير المصير.ملاحظة/ حبذا لو يكتب مقال لاحق يوضح معاهدتَي لوزان وسيڤر: من حيث الظرف المحيط، والدوافع التي أدت إليهما، وما الفرق بينهما؟وما يراه الكاتب من إضافات؛ فإن أكثر القراء - ومن بينهم المعلق - ربما ليس لديهم فكرة واضحة عن المعاهدتين.شكري وتقديري ودعائي

تصادم الهويات في الشرق الاوسط
بطرس اندريوس ياقو يوسف -

كفيت وفيت اخي كفاح. لهذا الشرح المفصل وكلنا كنا نتمنى ولو بذرة مثقال لهذه المرحله الاليمه التي نمر بها ان تطبق ماده واحده في حياة العراق وهي العداله والمساواة كي تسير السفينه نحو الاتجاه الصحيح وبعكسه سوف نرجع الئ الصفر والضريبه يدفعها ابن الخايبه فقط لانه الضحيه ويقع تحت الاقدام من كثرة هذه الفئات الداخله والخارجه بالمنطقه دون اذن او احتساب ولو حساب ١+١ كي يعلم الجميع بانه هناك كيان يحكم هذه البلد التي كل واحد ياخذ جزء من جسدها. وان كل الاتفاقات التي ابرمت كانت لصالح كاتبيها حصرا وهي بالاصل ضد اوطاننا للاستفاده من خيراتها فقط. تحياتي وتقديري العميق موفق دوم.

المصالح لغة الجميع
محمد سيف المفتي -

استاذنا العزيز! كل ما تقوله منطقي وعقلاني، إلا ان لغة المصالح لا علاقة لها بما طرحت. ومن ناحية ثانية كل الجهات السياسية تنتقد الحكومات التي سبقتها لتقترف اخطاء جديدة وعلى مسار من سبقها. يسلكون نفس السلوكيات ويتعجبون من ان النتائج متشابهة.. لا الانسانية تعني شيء ولا الأمان يعني شيء ولا حياة الانسان تعني شيء في ميزان المصالح الداخلية، الاقليمية والعالمية. مع الاسف وشكرا لمنطقك وانسانية طرروحاتك

ربما ستلوح
يوسف سرحوكى -

بعد أن أيقنت الدول الكبرى فشل لتلك الاتفاقيات وتضارب مصالحها مع الأنظمة الشمولية العرقية كانت او المذهبية في الشرق الأوسط قامت تفكر بتغير خارطة الشرق الأوسط أما هذا التغير ستكون حسب مصالحهم وبدراسة عميقة عن الوضع الحالي و ما سيؤل إليه بعد التغيير حسب ايدلوجية العرق والمذهب الموجود في الشرق الأوسط وانفتاحهما نحو أوربا وامريكا سياسا واقتصاديا، وفي هذا السياق يعتبر الكورد أكثر الأعراق انفتاحا وتسامحا من بقية الأعراق .. ترك فرس عرب .. مع الآخرين وموقع أرض الكورد موقع استراتيجي مهم لأوربا وامريكا كحلقة وصل بين الغرب والشرق اقتصاديا لهذا إقامة الدولة الكوردية تصب في مصلحتهم الطويلة الآمد لكن هناك دولتين محوريتين ضمن حدود المنطقة ..تركيا وايران.. تقفان ضد هذه الفكرة جملة وتفصيلا إذ ليس من مصالحهم إقامة دولة كوردية وأن صدقت الدول الكبرى في إقامتها ستكون هناك دولة للكورد أن لم تحصل تغير في ميزان القوى بين الدول الكبرى.. أمريكا وروسيا والصين و أوربا.. بعد حرب روسيا مع اوكرانيا .دمت متألقة أستاذ كفاح

مقال رائع
برجس شويش -

بدون حل القضية الوطنية والقومية لشعب كوردستان جذريا وعلى اساس حق تقرير المصير في كل من تركيا وايران والعراق وسوريا لن يستقر الاوضاع في تلك الدول ومنطقة شرق الاوسط برمتها ولن ينعم شعوبهم بالامن والاستقرار, فالحكمة ومصلحة الشعوب الاعتراف بالاخر وحقوقه وارضه وهويته وترك الامور للتطور التطبيعي في التفاعل والاندماج بين كل المكونات المختلفة. حتى الان لم تستطع تلك الدول التي تتقاسم كوردستان ان تكسر او تخمد ارادة شعب كوردستان في التحرر تحقيق حقوقه رغم الوسائل الوحشية التي انتهجتها لانهاء قضية شعبنا, ان انظمة تلك الدول كالنعامة تضع رأسها في الرمال.

منطقة صراع الاديان والحضارات
حسن صالح الشنكالي -

مقال واقعي ورائع لا استطيع اضافة المزيد انا باعتقادي ان السبب الحقيقي لمشاكل دولنا ليست بالتقسيم والغرب فحسب بل بسبب صراع الحضارات والاديان والاقوام التي مرت عبر التاريخ على هذه البقعة من الارض، فكل حضارة مرت قد بنيت على ركام حضارة كانت مزدهرة قد سبقتها. وكل دين جاء لنشر دينه انما اباد اتباع العبادات الاخرى ، فطبيعة مناطقنا هي من فرضت واقع التقسيم وكل قوم قد اعطي له ماراد الا الكرد والامازيغ وبقية الاقليات وانا ارى ان مصالح الغرب ليست مع الاقليات فهي تنصر دائما الاغلبية وان ظلمت تحت حكم غيرها فهم لا يبالون بالتعاطف المجرد من الحلول والاجراءات.

تصادم الهويات
د.سفيان عباس -

احسنت ،،،، نعم مائة عاما خلت وخيمت على ظلال الشرق الاوسط بغيومها الكأداء لا لمصلحة شعوبها بل ضامنة للمصالح الاستعمارية ونهب خيراتها كما هو ثابت منذ مطلع القرن العشرين الى يومنا هذا… الدول الاستعمارية بعد الحرب العالمية الأولى وجدت شعوب الشرق الاوسط مرتعها الخصب من حيث التخلف والجهل يصاحبها المتاهات في بوصلة المواطنة الحقة. لقد عمدت على توسيع هذا الشرخ المدمر في الجدار المجتمعي بعد ان اذكت الصراعات القومية والمذهبية والعرقية وجسدتها مع الزمن حتى باتت اشبه بالمعتقدات المنزلة .. وكان الكورد الخاسر الاكبر بهذه المخططات الاستعمارية ،،، ومازالت تدس سمومها داخل البيت الكوردستاني لكي لا يتحد في اجزائه الاربعة ..كورد ايران والعراق وتركيا وسوريا البالغ عديدهم اكثر من خمسين مليونا… هذه الدول الغاشمة منحت حق تقرير المصر لبعض الدول في الشرق الاوسط لا يزيد تعداد سكنها على المائتي الف نسمة فقط .. في الوقت الذي صادرت حقوق الكورد بعديدهم الخمسين مليونا… وإن كانت معاهدة سيفر تعتبر سابقة في القانون الدولي التي ارست حق تقرير مصير الكورد في تركيا والعراق وسوريا وسريانها ثلاثة سنوات حين اجهضت بلوزان ولكنها تبقى ضمن مصادر التشريع في القانون الدولي بأعتبارها سابقة في العلاقات الدولية وان اجهاضها بلوزان لم ولن يغير من مبدأ حق تقرير المصير للكورد في الدول الاربعة .

الهوية القومية
Akram -

حسب ظني أن جميع الهويات القومية أو الدينية وغيرها من الهويات المختلفة لم يعد لهم دور في ظل تقاطع مصالح أصحاب الثروات الاقتصادية القوية في العالم... تقديري لمقالكم الكريم..