عودة الآثم على عِلاّته
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بدلاً من توجيه رسائل العتب والملامة للدول التي كانت في الأمس خطوة بخطوة مع طلاب الحرية في سورية بينما نراها اليوم وهي تسارع الخطى نحو الذي أعلن الحرب عليهم، أليس على مَن يتألم مِن عواقب هذا التخلي، ويشعر بأن المجتمع الدولي والعربي خذلهم أن يعقد ورشات وجلسات مراجعة الذات، وأن يقر بالأسباب الذاتية التي كانت وراء تقهقر مواقف الدول، وذلك حتى يبدأ بتصويب تلك المنعرجات بناءً على نتائج المراجعة؛ أما حينما لا يجرؤون على خوض غمار تجربة الاعتراف بالخطايا، ولا الوقوف على العلل التي أصابتهم خلال السنوات الفائتة، ولا ثمة رغبة حقيقية لمعالجة أي واحدة منها، فكيف سيُقنعون الدول بالعدول عن توجهها الجديد؟ وكيف ستعود الدول إلى ما كانت عليه إذا كان السوري الثائر نفسه في ساعات الجلوس مع الذات بعيداً عن حشد المطبلين والمزاودين يكشف بأنه فقد كامل أمانيه السابقة في إصلاح الحال أو تغييره.
وكفرد من أفراد المجتمع المحتاج للتغيير نحو الأفضل لم ينتابني أي شعور يوماً بالندم على مناهضة عسف الجلاوزة وطغيان الأجهزة الأمنية للدولة، ولكن انكبابي على تتبع آثار الألماني إريش كستنر والروسي ميخائيل زوشينكو في هذه المرحلة، مع الإدراك التام بأن الكاتبين المذكورين كانا يبغضان واقعهما آنذاك وعبروا عن ذلك من خلال اللغة المشبعة بالسخرية لكليهما حيال المرحلة التي كانوا يعيشونها وكتبوا أوانها، لدليل على عدم تلمس أي أمل فيمن يتصدرون المشاهد على أرض الواقع ويدّعون بأنهم مع تغيير البلد نحو الأفضل، طالما أن اللاحق يتتبع بشكلٍ كاريكاتوري هزيل خطى السابق، لأنه إن كانت روائح السلطة البعثية بعد 12 سنة من الخراب والدمار ما تزال مقرفة إلى حد التقيؤ في كل مناطق سيطرة النظام، ففي الشمال السوري روائح الخارجين من كهوف التاريخ الثيوقراطي تثير أيضاً الاشمئزاز أينما أدرتَ أنفك أو يممت وجهك.
إذ من جهة النظام السوري فهو ما يزال كما كان منذ سنوات يُطلق يد عشرات الميليشيات المذهبية والشبيحة والأجهزة الأمنية على اختلاف فروعها لتمارس كل الموبقات بحق المواطن السوري، وطبعاً كل تلك الانقضاضات اليومية على المواطن تتم باسم الوطن، والدفاع عن الوطن؛ كما أنه بدعوى السيادة الوطنية تم ويتم محاربة كل مَن يعارض جور وعسف الأجهزة الأمنية وملحقاتها من الميليشيات المستقدمة من الخارج كرمى الحفاظ على السلطة، وإن عظمت مقابح عناصر تلك الميليشيات فيقوم النظام بمعاقبة أصغر خلية فيهم، بينما تُبقي السلطة على زعاماتها بل وترقيهم كما كان حافظ الأسد يرقي المسؤول كلما عظم طغيانه وازدادت مساحة فساده.
وبناءً على تلك الممارسات كان من المفترض أن تكون تلك السلوكيات منبوذة ومستحقرة لدى كل من انتفضوا بوجه قوات النظام وأجهزته الأمنية، وأن يتم التبرؤ من ثقافة النظام التعسفية في التعامل اليومي مع الموالين أو المعارضين أو الحياديين الذين لا تعنيهم بقاء السلطات المحلية أو فناءها سواء من خلال قوى دولية أو عبر الكوارث الطبيعية.
ولكن يبدو أن العسكر من أجهزة الحكم في الشمال السوري حريصون على بقاء ذات القيم السلطوية المتعجرفة والفاسدة، لذا يقوم الكثير منهم بنفس السلوكيات القميئة التي رفضوها عندما كانوا من أشبال النظام أو من رعاياه، وحيث أنهم باسم الثورة والتحرير تم إطلاق يد آلاف الأوباش المتمرغين بروث الفساد في منطقة جغرافية ضيقة وإضافة إلى سلطة المستحوذين وواضعي اليد على الممتلكات أبيحت ثقافة السلب والنهب والابتزاز.
كما أن المفسدون الكبار المدعومون بقوات عسكرية وأمنية ضخمة على الأرض مع الدعم الخارجي لهم، لا تجرؤ حتى الحكومة السورية المؤقتة على الاقتراب منهم أو تجاوز مجالهم الحيوي، وكحال النظام تراهم من حين لآخر يتفاخرون في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء بإلقاء القبض على شخص واحد أو مجموعة أشخاص صغار القدرة والتأثير، كما كان يفعل النظام بالضبط فيترك الوزراء وأعضاء القيادة القومية والقطرية والمحافظين ورؤساء الفروع الأمنية يعيثون في الأرض فسادا من دون أي مساءلة عما يقترفون، في الوقت الذي كان يتم الإعلان عن سراق أو غشاشين صغار ممن لا يشكلون أيّ فارق في موضوع الفساد المنتشر كالطاعون، كما أن عملية محاسبة اللصوص الصغار في الشمال السوري أشبه بانتشال كيسٍ نتنٍ صغير من بين مكباتٍ ضخمة.
والمواطن السوري في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بعد أن شاهد جرائم الحرب الفظيعة التي ارتكبتها قوات النظام على مدار السنوات الماضية، والتي قتل فيها حوالي مليون سوري وتهجير نصف أبناء سورية، وتدمير البنية التحتية للبلاد، ناهيك عن استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، قد اعتراه الفتور وتلاشت لديه رويداً رويدا مشاعر الأمل في التغيير المنشود، هذا بالرغم من أن أغلب الناس في المناطق المحررة ربما لم يسمعوا بالاستطلاع الذي أجرته صحيفة الغارديان في 2020 والتي رصدت فيه نسبة الندم على الثورة لدى الشعوب العربية، وحيث بيّن الاستطلاع آنذاك أعداد النادمين وغير النادمين، وظهر أن من بين الذين جاوبوا على أسئلة الجهة المستطلعة 27% منهم غير نادمين على الخروج بالثورة ضد النظام السوري، بينما كشف الاستطلاع أن نسبة 73% منهم كانوا نادمين، وبتصوري أن أهم أسباب الندم ليس لأن النظام غيّر سلوكه أو أنه لم يعد نظاماً قمعياً كما كان في السابق، إنما هو عدم قدرة من يعارض النظام ومؤسساته على تقديم بديل أفضل من النظام ولو في أصغر بقعة جغرافية خاضعة لسيطرته.
لذا تجاوز المواطن السوري حتى طرح الأسئلة الاعتيادية مثل: ما الذي جنيناه من الثورة على النظام البعثي بعد كل هذه التضحيات؟ هل قل الفساد أم ازداد أضعاف ما كان عليه من قبل؟ وهل انخفض عدد اللصوص والمجرمين أم تضاعف؟ وهل القبضة الأمنية تراخت عما كانت عليه أم بدلاً من الأفرع الأمنية المعتادة صار لكل فصيل أمنية خاصة به وسجن خاص به؟ وهل بعد 12 سنة توسعت مساحة الحرية أم تقلصت إلى أدنى مستوياتها؟ إنما صار السؤال الجوهري المطروح هو إلى أين تذهبون بنا وبالبلد؟ وهل سيسعى بعضهم جاهداً للوصول إلى مناطق نفوذكم كما ادعيتم يوماً بأن السوري في مناطق النظام سيحلم بالوصول للشمال؟ أم أن الفوضى والفساد والفلتان الفصائلي في الشمال والغياب التام للمؤسسات والقانون سيجعل الكثير من المواطنين الذين أنهكتهم الحرب وتبعاتها يتمنون عودة النظام الآثم على كل علاته؟
ويبقى التساؤل الأخير أكثر وجعاً ألا وهو يا ترى هل كل هذا الفلتان والفوضى والفساد المستشري كالطاعون جاء عفوَ الخاطر؟ أم أنه جزء من مخطط الجهات المعنية بنشر ذلك الخراب؟ والهدف منه إيصال خطابٍ للعالم مفاده بأن هذه الفئات البشرية غير قادرة على إدارة شؤونها، لذا ينبغي عودة الدولة السورية إلى سابق عهدها، أم أن المسؤولين عن كل هذه اللعنان الحاصلة في الشمال هم أصلاً يُنفذون توصيات نظام دمشق والنظم الاقليمية المتفقة معه؟ فيحققون بذلك أهدافه الاستراتيجية، ويمهدون لدفع الناس بذلك الاتجاه، ولكن تحت اسم مناهضة النظام، وبرقع الثورة، واستمرار نغمة الحرب الكلامية الجوفاء على النظام وأعوانه.
التعليقات
عودة الآثم على علاته
Diler Koreky -كاتب المقال السيد ماجد وضع اليد تماما على أسباب فشل الثورة السورية التي كانت تطالب بالحرية والكرامة لكنها تحولت رويدا رويدا إلى ثورة للصوص والحرامية نتيجة تبوأ حثالات المجتمع السوري دفة القيادة وبالتالي انفض المجتمع الدولي عن دعم هذه الثورة بعد أن أدرك أن هؤلاء لم يأتوا بجديد للسوريين بل كانوا أسوأ بكثير في ممارساتهم من النظام نفسه وهذا ما أثبتته ذاك الاستطلاع المنوه عنه هنا .السيد ماجد من الكتاب القلائل الذين يتناولون إنحراف الثورة بجرأة ويحدد أسباب الإخفاق .
كلهم عجينه واحده
قول على طول -سيدى الكاتب وبعد التحيه : كلهم عجينه واحده ..أو صور مختلفه لعمله واحده ..لا فرق بين الحاكم الجالس فى القصر أو حاكم الميليشيات أو الارهابى الداعشى الصريح أو المستتر ..كلهم من نفس الفكر ونفس النبع ومعون واحد ينهلون منه ...لا أمل فى أى تغيير الا للأسوأ ..انتهى