التطبيع عالميا كمفهوم سياسي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
في سياق تحليل القضايا السياسية الدولية، يتم طرح مفهوم "التطبيع" لتقييم كيف أن القضايا السياسية التي كانت تعتبر ذات يوم غير مقبولة أو متوترة تصبح في نهاية المطاف موضوعات مشروعة للنقاش ومطروحة للتفاوض. وهكذا يعتبر مفهوم "التطبيع" اكاديميا مقياسا لتتبع استقرار واستمرار القضايا السياسية المصيرية بكل أنواعها حتى تلك التي كان يعتقد أنها عويصة.
ومن زاوية اخرى، يشير هذا الإطار المفاهيمي إلى أن الفرص السياسية قد تنشأ عندما تتداخل "الاعتبارات" السياسة والقضايا الحرجة، لخلق لحظات من تركيز الاهتمام وشحن الموارد على قضية معينة. تسمى مثل هذه الظرفيات مجيء أوقات فتح "نوافذ السياسة".
خلال هذه الأوقات، قد يكون القادة السياسيون وصناع القرار، أكثر استعدادا للنظر، في حلول بديلة للمشاكل التي كانت تعتبر سابقا، مستعصية على الحل أو غير مقبولة لأن ميزان القوى مختل فيها.
من جهة أخرى، تطبيق نظرية تعدد الأقطاب، لتقييم تطبيع العلاقات السياسية، مفيد في فهم التطورات التاريخية والاتجاهات الحالية والآفاق المستقبلية للعلاقات الأمريكية الصينية مثلا، وكذلك بين إسرائيل وبعض الدول العربية. يمكن أن تساعد هذه النظرية في تحديد متى تتلاقى و تتداخل التيارات السياسية والقضايا الدولية الشائكة، مع القرارات المصيرية، لخلق فرص للتطبيع والتعاون، فضلا عن العقبات التي يمكن أن تعرقل هذه العملية.
وللتذكير:
فمن حسنات نظرية تعدد الأقطاب (Multipolarity) انها تشير إلى أن العالم ليس متكاملا حول قوة واحدة فقط، بل يتألف من عدة قوى قيادية تتصارع فيما بينها.
فهي ترتكز على نواة فكرة جوهرية، أن نظام العلاقات الدولية، يمكن أن يكون أكثر استقرارا وأمنا، عندما تكون هناك قوى متعددة تتحكم في مسار النظام الدولي. وتنبه إلى أن الهيمنة الكاملة لقوة واحدة يمكن أن تؤدي إلى الاستقرار النسبي في المدى القصير، ولكنها في الطويل الأجل، يمكن أن تؤدي إلى الصراعات والتوترات المستمرة والمحتملة. فعندما تكون هناك عدة قوى قيادية تتحكم في النظام الدولي، فإن هذا يعزز التوازن والتوازن النسبي بين هذه القوى، مما يقلل من احتمالية الصراعات والنزاعات.
وعلى الرغم من أن هذا النظام المتعدد الأقطاب يمكن أن يؤدي إلى بعض الصعوبات والتحديات، فإنه يمكن، من خلال دراسة بعض حالاته ؛ والمحللون يحللونها بحثا عن العوامل الرئيسية والحقيقية خلف كل إجراء من إجراءات التطبيع على الصعيد الدولي، إما بفعل التغيير النظام السياسي، أو تقارب المصالح الاقتصادية، أو الاعتراف المتبادل بمجموع المصالح السيادية لكل دولة، أو حتى للاطمئنان و لنزع هالة الخوف عن قلق الرأي العام...إلخ
دور المفاهيم السياسية في شرح تطبيع العلاقات الدبلوماسية مهم، لأن هذه المفاهيم تؤطر كيفية تفاعل الدول مع بعضها البعض عبر التاريخ. وللاشارة، يمكن أن تشمل هذه المفاهيم السياسية، الأيديولوجيات وأساليب أنظمة الحكم وعلاقات القوة والتحالفات والاستراتيجيات إلخ. وقد تؤثر هذه المفاهيم، بشكل مباشر وغير مباشر، على القرارات التي يتخذها قادة الدول، في شؤون العلاقات الدولية والتفاعلات الدبلوماسية بين الدول.
على سبيل المثال، كانت الأيديولوجية الشيوعية عقبة رئيسية أمام تطبيع العلاقات بين أمريكا وكوبا لعقود. كما تعقدت العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران بسبب الاختلافات الأيديولوجية والدينية.
1-العلاقات بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية: شهد البلدان عدة محاولات لتطبيع العلاقات بينهما منذ نهاية الحرب الكورية عام 1953. أثرت عوامل مثل الضغط الدولي والاقتصاد والعلاقات مع الحلفاء على محاولات التطبيع هذه. ومع ذلك، فإن الخلافات الأيديولوجية ومسألة الصواريخ النووية حالت حتى الآن دون التطبيع الكامل.
2- تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران: توترت العلاقات بين البلدين منذ الثورة الإسلامية عام 1979 واحتجاز السفارة الأمريكية في طهران كرهائن. وتعرقل تطبيع العلاقات بين البلدين بسبب الخلافات الأيديولوجية والمخاوف الأمنية ومسألة البرنامج النووي الإيراني. لعبت عوامل مثل الضغط الدولي والاقتصاد دورا في محاولات تطبيع العلاقات، لكن لا تزال هناك عقبات كبيرة.
3- تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية: بعد عقود من الصراع، شهدت العلاقات بين إسرائيل والدول العربية عدة محاولات للتطبيع، مثل اتفاقيات أوسلو عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وسلام 1979 بين إسرائيل ومصر. ومع توقيع اتفاقيات جديدة في القرن 21 مع دول عربية اخرى، لا تزال العقبات قائمة بسبب الخلافات الأيديولوجية بخصوص فحوى عقيدة الصهيونية المتطرفة أولا ، ثم حقوق فلسطين ولبنان و سوريا في اراضيها، ثم المخاوف الأمنية المستقبلية من استخدام سلاح الدمار الشامل.
4- فيما يتعلق بالعلاقة بين الولايات المتحدة والصين، يمكن ملاحظة أن تطبيع العلاقات بين هاتين القوتين العالميتين كان عملية تدريجية ومعقدة. فمنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية في عام 1979، شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين تقلبات، مع فترات من التوتر والتعاون. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، ازدادت التوترات بسبب القضايا الاقتصادية وحقوق الإنسان والأمنية والجيوسياسية. على الرغم من ذلك، لطالما كان تطبيع العلاقات بين البلدين هدفا مهما للقادة من كلا الجانبين، في أوقات تقاربت فيها المقاربات السياسية لقضايا التوترات الدولية، لفتح نوافذ الانفراج.