فضاء الرأي

بعد طرد دبلوماسيين ألمان.. هل تتجه روسيا لنفس السياسة مع الدول المعادية؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لطالما سردت كتب التاريخ عن العلاقات المضطربة التي جمعت ألمانيا وروسيا، والظاهر للعيان أن العداء والحرب لطالما نشبت بين البلدين منذ بدية الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وحتى الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت أواخر فبراير من العام الفارط، لتمر بعدها هذه العلاقة بعدة محطات مترنحة بين التهديد وتراشق التصريحات الإعلامية بين البلدين، وصلت لحد طرد دبلوماسيين حيث أعلنت موسكو، السبت الماضي عن طرد أكثر من 20 دبلوماسيا ألمانيا، كرد انتقامي على خطوة مماثلة اتخذتها برلين.

لم يكن طرد الدبلوماسيين المتبادل بين روسيا وألمانيا مفاجئاً، فقد تضاربت المصالح بين البلدين العديد من المرات خلال الأشهر الماضية، فقد وجدت أوروبا نفسها من جديد في موقف مضطرب تجاه روسيا وألمانيا جزء من هذا الوجود. وعلى المدى القصير، فقد أدت الحرب الأوكرانية إلى تعزيز الشراكة بين دول أوروبا وأمريكا، عن طريق تقديم المساعدات لكييف، وفرض عقوبات على موسكو، وضخ حياة جديدة للاتحاد الأوروبي، كبداية جديدة في الوقت الذي بدأ فيه إعادة التوجه نحو التغير السريع للنظام الدولي بقيادة روسيا والصين، لتقع بعدها الأطراف المتصارعة في حرب من نوع آخر، يحاول كل ما فيها إثبات وجهة نظره بأي طريقة كانت، فمع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا وقفت ألمانيا كند لهذا التوغل مدفوعة بالأساس بالضغط الأمريكي الذي سخر كل السياسات المتاحة من قبل حلفائه لمحاربة روسيا على كافة الأصعدة.

وبالعودة إلى سنوات قليلة نجد أن العلاقات الألمانية الروسية مرت بفترة انفتاح اقتصادي وتعاون في مجالات مختلفة، وذلك في عهد المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، التي اتخذت إجراءات عديدة عززت من العلاقات بين البلدين، ولكن في الوقت نفسه كانت تمارس سياسة اللعب على الحبلين، فحتى قبل غزو أوكرانيا لطالما شكلت سياسة ألمانيا تجاه الأزمة الأوكرانية مصدر قلقٍ لروسيا، حيث راهنت برلين وبدعمٍ أمريكي على الانقلاب في كييف عام 2014، لدعم عودة كييف إلى المربع الأوروبي، وهو ما تحاول إتمامه بعض الدول الأوروبية اليوم عبر السعي لمنح أوكرانيا عضوية الاتحاد الأوروبي، على حساب التكامل الاقتصادي الذي تسعى له روسيا ويحقق منفعة متبادلة للطرفين، وحينها غيرت برلين رؤيتها لروسيا، وأدركت أن روسيا ليست الشريك الذي كانت تأمل فيه، وأن طموحات الكرملين قد تمتد إلى ما وراء أوكرانيا، ويأتي ذلك في وقت يدرك فيه الألمان أن آسيا والتعامل مع صعود الصين سيستهلكان مزيدا من الاهتمام والموارد والتركيز العسكري الأميركي.

وتتبعا لمسار التوتر القائم بين روسيا وألمانيا، فقد سخرت هذه الأخيرة كل جهودها لدعم أوكرانيا منذ بدء الحرب حيث قدمت برلين عشرات المليارات على شكل أسلحة متطورة ومساعدات مالية لكييف، وكان آخرها وأخطرها الموافقة على إرسال عشرات الدبابات من نوع ليوبارد، التي اتفق ممثلو الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وبريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية بمنع قيام جيش ألماني ومنع تصدير الأسلحة الألمانية خوفا من خطر بروز نزعة حربية وتوسعية لدى القيادة الألمانية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الدعم الألماني لأوكرانيا يختلف عن أي دولة آخرى باعتبار الأقوى اقتصاديا بين دول أوروبا كلها، وقيامها بهذه الخطوة يعتبر تصعيدا جديا تجاه روسيا، وهنا بدأ الروس يدقون ناقوس الخطر لهذه التوجهات الألمانية التي يعرفون إلى أين يمكن أن تصل، فألمانيا ورغم مرور العديد من السنوات إلا أنها لم تخلع ثوب النزعة الحربية، وتجلى ذلك بكل وضوح في تعاملها بحزم تجاه الأزمة الأوكرانية.

وعلى هامش الخلافات الروسية الألمانية تتواصل الصراعات بشكل بعيد نسبيا عن التدخلات العسكرية من خلال طرد الدبلوماسيين، وهي الوسيلة التي ترى فيها ألمانيا الطريق الأمثل للتعبير عن رفضها لكل ما هو روسي، أو حتى من يأمن بالنزعة الروسية، في وقت لم تخالف فيه روسيا القاعدة وردت بالمثل، وربما لا يبدو الأمر بتلك الأهمية غير مثل هذه المواقف تساهم بشكل كبير في تعميق الهوة بين روسيا والدول الأوروبية، وفي حال اتجهت هذه الأخيرة حدو ألمانيا فإن روسيا لن تكون بمعزل عن طرد كل دبلوماسي أوروبي موجود على أراضيها، وهو ما يعزز فرضية أن هذه الدول لا تسعى إلى طرح مبادرات سلام مع روسيا وإنما تحاول جاهدة لتأزيم الوضع أكثر، وهنا لا بد من التساؤل حول الدور الحقيقي لهذه الدول من الأزمة الأوكرانية؟.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف