مستقبل الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في أعقاب حرب الخليج عام 1991، تم فرض منطقة حظر طيران لحماية كورد العراق ومحافظات شمال العراق الثلاث من أي عدوان محتمل من قبل نظام البعث العراقي السابق. مكن هذا من ظهور إقليم كوردستان العراق (KRI). بعد ذلك بوقت قصير في عام 1992، تم إنشاء أول حكومة لإقليم كوردستان (KRG) من قبل الجمعية الوطنية الكوردستانية. إن الإطاحة بصدام ونظامه الوحشي في عام 2003 من قبل تحالف تقوده الولايات المتحدة سمح للكورد وقادتهم من تعزيز حكمهم الذاتي وتمكين نمو امكانياتهم السياسية والاقتصادية.
استفاد إقليم كردستان العراق منذ نشأته وعلى وجه الخصوص بعد عام 2003 من علاقاته الجيدة مع الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى ونجح، على الرغم من بعض النكسات، في أن يصبح "ملاذًا أمنا" للعراقيين مقارنة بعدم الاستقرار الذي شهدته أجزاء أخرى من العراق. وبالتالي، استقطب إقليم كوردستان العديد من الشركات الدولية والمحلية التي نفذت مشاريع، خاصة في قطاعي النفط والبناء. كما استقبلت كوردستان ملايين النازحين العراقيين الذين فروا من فظائع داعش في عام 2014 وما بعده أضافة الى العديد من العراقيين الذين سعوا للحصول على ملاذ أمن لعوائلهم في فترة الاقتتال الطائفي في وسط وجنوب العراق.
العلاقات بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني وبغداد وأربيل منذ 2003
منذ الإطاحة بنظام صدام عام 2003، مرت العلاقات بين الحكومة الفيدرالية والأحزاب السياسية المهيمنة في بغداد من ناحية وحكومة إقليم كوردستان والأحزاب السياسية الكوردية من ناحية أخرى بمراحل متعددة من التقلبات. ولم تلعب العلاقات بين الحزبين الرئيسيين الكورديين الديمقراطي والاتحاد الوطني دورًا مهمًا في رسم السياسة داخل الإقليم فحسب، بل أثرت أيضًا على علاقات إقليم كوردستان مع بغداد.
في السنوات الأولى بعد عام 2003، أظهرت الأحزاب الكوردية موقفا متقاربا انعكس إيجابيا على علاقاتها مع بغداد ومكنها من وضع بصماتها على الدستور العراقي الذي اعترف بإقليم كوردستان كإقليم اتحادي ضمن العراق. تمكن الأكراد أيضًا من الحصول على مناصب رفيعة في الحكومات العراقية المتعاقبة وهذه المناصب أثبتت فاعليتها في العديد من المناسبات في الدفاع عن بعض حقوق وامتيازات حكومة إقليم كوردستان. إلا أن الخلافات بين الحزبين الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني تعمقت، خاصة بعد أحداث 16 تشرين الأول 2017، حيث دخلت القوات العراقية كركوك وسيطرت على المدينة وأجزاء من المحافظة التي كانت حتى ذلك الحين تحت سيطرة البيشمركة. بالإضافة إلى أزمة كركوك في 2017، تفاقمت الخلافات بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني بسبب الخلافات حول إدارة ملف نفط إقليم كوردستان وترتيبات الإيرادات المالية وإصلاحات مؤسسات البيشمركة.
خلفية تاريخية لقطاع الطاقة في إقليم كوردستان
منذ عام 1986، تبنى نظام البعث في العراق سياسات التعريب والتطهير العرقي والترحيل والإبادة الجماعية، وسياسة عامة بعدم تطوير البنى التحتية الاستراتيجية في المحافظات الكوردية الثلاث فيما يعرف اليوم بإقليم كوردستان العراق لا سيما في قطاعي الصناعة والطاقة. كان الهدف بعيد المدى لهذه السياسة هو حرمان سكان هذه المحافظات من الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، وحرمانهم من فرص عمل مستدامة لإجبارهم (وبالذات الكورد) على الانتقال إلى مناطق أخرى من العراق للبحث عن فرص إنمائية أفضل.
في القطاع النفطي وعلى الرغم من احتياطيات النفط في إقليم كوردستان والتي تقدر بنحو 45 مليار برميل وفقًا لوزارة الموارد الطبيعية لإقليم كوردستان (MNR)، واكتشاف عدد من الحقول النفطية في أوائل القرن العشرين في عدة مواقع في إقليم كوردستان، لم تكن هناك منشئات بنى تحتية لإنتاج أو معالجة النفط أو الغاز قبل عام 1991.
بدأت عمليات استخراج النفط في إقليم كوردستان في أعقاب إنشاء ملاذ آمن وفرض منطقة حظر طيران في عام 1991 حيث تم تطوير بئري نفط للاستهلاك المحلي في طق طق بين عامي 1994 و1996، لكن لم يكن بالإمكان تطوير قطاع النفط بشكل جدي في إقليم كوردستان العراق حينذاك لأنه لم يكن بإمكان أي شركة دولية العمل بشكل واقعي في المنطقة بسبب العقوبات المفروضة من قبل الأمم المتحدة، والوضع السياسي غير الواضح، والظروف الأمنية الغير مستقرة بشكل عام.
اليوم وفي أقل من 20 عامًا منذ الإطاحة بنظام البعث، تم تطوير البنى التحتية النفطية في إقليم كوردستان لتصل الطاقة الإنتاجية للنفط الخام الى حوالي 450،000 برميل في اليوم وهو ما يعادل عُشر الإجمالي الوطني.
لقد تم تطوير البنية التحتية للنفط والقدرة الإنتاجية لإقليم كوردستان من خلال عقود مشاركة الإنتاج بين حكومة إقليم كوردستان وشركات النفط استنادا لقانون النفط والغاز لإقليم كوردستان رقم 28 2007 والفقرة 112 من الدستور العراقي، الذي يعطي حكومة إقليم كوردستان الحق في إبرام عقود نفطية مع شركات النفط العالمية. تعتبر عقود المشاركة في الإنتاج أكثر سخاء بالنسبة لشركات النفط العالمية ولكنها لا تحمل الحكومة أي مخاطر أو أعباء مالية.
الاتفاق النفطي بين بغداد - أربيل
حكمت محكمة تحكيم في باريس بأن تركيا انتهكت في الفترة ما بين 2014 و2018، اتفاقً 1973 المشترك مع العراق بسماحها تصدير النفط من اقليم كوردستان العراق دون موافقة بغداد. كما قضت المحكمة بأن على تركيا أن تدفع للعراق حوالي 1.5 مليار دولار كتعويضات. نتيجة لهذا الحكم اوقفت تركيا صادرات النفط الخام من حقول نفط إقليم كوردستان وكركوك إلى ميناء جيهان في 25 مارس 2023.
لتجاوز هذه العقبة، توصل بغداد وأربيل في 4 أبريل 2023 لاتفاق مؤقت لتصدير النفط حيث ستقوم شركة التسويق الحكومية العراقية سومو بتسويق وتصدير نفط حكومة إقليم كوردستان وسيتم إيداع الإيرادات في حساب مصرفي في البنك المركزي العراقي تحت سيطرة حكومة إقليم كوردستان على ان يكون لبغداد حق الوصول إلى الحساب بغرض التدقيق.
من الجدير بالذكر ان إجمالي الصادرات النفطية قبل وقفها عبر خط الأنابيب إلى جيهان، كان حوالي 440 ألف برميل يوميًا (370 ألف برميل يوميًا من خام حكومة إقليم كوردستان و75 ألف برميل يوميًا من خام كركوك).
هل يمكن لهذا الاتفاق النفطي أن يدوم؟
لاستئناف ضخ النفط الخام عبر خط جيهان، يتعين على العراق بدء محادثات مع تركيا حول شروط التسوية الخاصة بدفع غرامة التعويضات التي حكمت بها محكمة التحكيم في باريس. لم يتضح بعد ما إذا كانت تركيا تسعى لتقليل التعويض أو تحديد آلية لكيفية سداد المدفوعات، لكنها
قد تطرح ايضا للنقاش مواضيع أخرى تعتبرها مهمة مثل وجود ميليشيات حزب العمال الكوردستاني داخل الأراضي العراقية وإقليم كوردستان وربما مسائل تتعلق بالتجارة الثنائية.
لقد ذكر رئيس الوزراء السوداني في تصريح صحفي "على الجميع الالتزام بهذا الاتفاق وتنفيذه". ولكي يحدث هذا، يتوجب بناء إجماع وطني حول الاتفاق النفطي لتجاوز الخلافات التي تراكمت على مر السنين بسبب انعدام الثقة بين بغداد وأربيل والخلافات حول المناطق المتنازع عليها واستياء بعض الكيانات السياسية من درجة الاستقلالية التي يتمتع بها إقليم كوردستان. سيكون من الضروري ايضا أن يصادق مجلس النواب العراقي على الاتفاق لتجنب أي اعتراضات قانونية محتملة، كما حدث عندما حكمت المحكمة الاتحادية العراقية العليا في فبراير 2022 بأن مبيعات النفط والغاز من قبل حكومة إقليم كوردستان بمعزل عن الحكومة المركزية في بغداد، غير دستورية.
داخليًا في إقليم كوردستان، سيتوجب تطبيع العلاقات الكوردية البينية وبشكل رئيسي بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني بغرض إعداد موقف كوردي موحد في المفاوضات الجارية لإقرار قانون الموازنة للثلاثة سنوات القادمة وأيضًا لمفاوضات اعداد قانون النفط والغاز الذي طال انتظاره. سيعطي الموقف الموحد المزيد من النفوذ للكورد في بغداد على غرار ما كان لديهم في الفترة التي سبقت وتلت عام 2010 مباشرة، عندما تمكن التحالف الكوردستاني حينها من طرح تطلعات الكورد أضافة الى تمكين الجهات السياسية الأخرى من تجاوز خلافاتهم والتوصل إلى تفاهمات مشتركة من خلال اتفاقية أربيل الشهيرة (فترة عاشها وشارك فيها المؤلف).
يتطلب تطبيع العلاقات بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني من كلا الطرفين تقديم تنازلات متبادلة، وربما التوصل إلى اتفاق استراتيجي بهذا الصدد (نيجيرفان برزاني: "هناك حاجة ماسة إلى اتفاق بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، والوحدة والتوافق بين جميع طوائف كوردستان لمنع المزيد من التشرذم")، والعمل على الاتفاق على خارطة طريق لإجراء إصلاحات في مؤسسات اقليم كوردستان في مجالات إدارة البيشمركة، وإجراءات مكافحة الفساد، والحوكمة بشكل عام وتقاسم الإيرادات. تم التأكيد على هذه الفكرة من قبل نائب رئيس حكومة إقليم كوردستان قوباد طالباني في منتدى سياسي افتراضي لمعهد واشنطن عندما صرح بأن "رؤية وتطبيق الإصلاحات ضرورية، بالإضافة إلى الشفافية في السياسة والاقتصاد".
خاتمة
ان الاتفاق النفطي الأخير بين بغداد وأربيل، والذي رحبت به الولايات المتحدة الأمريكية ودول اخرى، يعد علامة فارقة مهمة لإقليم كوردستان وللعراق بأسره، ومن المحتمل أن يمكن هذا الاتفاق من دفع عجلة المصالحة والاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي وتعزيز مبدأ الفيدرالية. وبغرض تحقيق مجمل الفوائد المستقبلية المتوقعة للاتفاق، لا يزال يتعين على جميع الأطراف المعنية القيام بالكثير. لا يجب يكون الاتفاق بحد ذاته هدفاً نهائياً، بل يجب أن يكون "عملاً قيد التنفيذ".
بالإضافة إلى محاولة إصلاح العلاقات الكوردية - الكوردية، يتعين على القادة الكورد الدخول (يفضل ان يكونوا موحدين) في مفاوضات مع الأحزاب والكتل السياسية في بغداد وممثلي المحافظات المحلية، وخاصة تلك المحافظات المنتجة للنفط، لتمهيد الطريق لتشريع قانوني النفط والغاز وتقاسم الواردات.
أن كلاً من إقليم كوردستان والعراق ككل يعتمدان اعتمادًا كبيرًا على النفط لأنهما لم ينجحا لحد الان في تنويع اقتصاداتهما نحو قطاعات إنتاجية الأخرى غير النفط، لهذا فإن الاتفاق النفطي الذي يمكن أن ينظم إنتاج وتصدير هذه السلعة الثمينة وبالتالي يساهم في خلق بيئة ملائمة للشركات للعمل والاستثمار وتوجيه الاقتصاد نحو مجالات انتاجية غير نفطية، مما سينعكس إيجابًا على الآفاق الاقتصادية للمواطنين.
إن الاتفاق النفطي اضافة لأهميته في طريق تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية بين بغداد وأربيل، فإنه، لو تم استثماره بشكل صحيح، سيساهم أيضًا في تعزيز العلاقات مع الجارة تركيا ودعم الاستقرار الإقليمي والتعاون في مجالات أخرى مثل الأمن والمياه والتجارة.
التعليقات
احسنت
حارث المزوري -كلام واقعي جدا بوركت استاذ شوان و كوردستان وشعبها محظوظين فيك
مقال ثمين
ابو تارا -كل الشعوب والامم التى تحررت واستقلت ورفرفت اعلامها على سارية الامم المتحدة جمعت صفوفها ووحدت كلمتها وتركت خلافاتها وصلراعاتها الداخلية جانبا وخاصة فى الاوقات الصعبة والمنعطفات التأريخية الدقيقة والمصيرية واختارت رمزا من رموزها الوطنية ليقودهم الى بر الامان وشاطىْ النجاة فيا ترى متى يتعظ زعماء الكورد ويستخلصوا العبر والدروس من ماضيهم الدامى والمجيد الجواب عند ساسة الكورد وقادتهم المختلفين والمتهالكين على السلطة والمراكز والمناصب والنفوذ تحية للكاتب