معضلة الشاب المعاصر

لا شيء يشبه سابقه، ولا مرحلة تبقى على ما هي عليه، فمرحلة الشباب من أهم المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان، وفيها يكون متمتعًا بالصحة والعافية والقوة البدنية والحماسة لإنجاز الأعمال، وتحصيل الأموال، وبناء الأسرة.

تحوم في وجه الشاب المعاصر معضلات كثيرة تجعله يختلف عن سابقه - أي الشاب في العصور المنقضية - وقد وضع الأنثروبولوجي &"لويس مرجان 1818-1881م&" سياقًا للتطور الحضاري الإنساني إذ يوضح الأخير: أن الإنسان مر بمراحل تطورية خمسة هي: 1-الإنسان البدائي. 2-الإنسان الزراعي.3-الإنسان الصناعي. 4-الإنساني المعرفي. 5-الإنسان التكنولوجي.

وفي كل مرحلة من المراحل كان يتسم بسمات مختلفة عن تاليتها، فلإنسان الزراعي مختلف عن الإنسان الصناعي في نمط حياته ومعيشته والأعمال التي يقوم بها.

مقارنة تاريخية
وإذا نظرنا إلى الشاب المعاصر نجده يقضي ما يقرب الأربعة وعشرين ربيعًا داخل أروقة التعليم والمدارس، ما بين مرحلة: ابتدائية ومتوسطة وثانوية وصولًا إلى التعليم الجامعي.

وأما الشاب في العصور المنقضية كان يكتفي بتعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب - على أحسن تقدير- ولا يصل عمره إلى خمسة عشر عامًا إلا وقد أخذ نصيبه الوافر من المعرفة التي كانت متاحة آنذاك في عصره، ودخل سوق العمل فعمل في التجارة أو الزراعة أو المهن المتوفرة، كما أن متطلبات سوق العمل في العصور المنقضية كانت؛ بسيطة ومتواضعة.

أما متطلبات وشروط سوق العمل في عصرنا الحالي؛ بغيضة ومهلكة، وتتزايد بإستمرار دون توقف.

ولا تفوتني الإشارة بأن الظروف العالمية التعليمية للشباب في عصرنا الحالي متشابهةً إلى حد ما فالتعليم: الإبتدائي والمتوسط والثانوي، إلزامي في كثير من الدول؛ المتقدمة و المتأخرة على حد سواء. بإستثناء الإختلاف في النظم السياسية والاجتماعية. وهذا يعني وجود قلق عالمي مشترك بين طائفة الشباب المعاصرين، نظرًا لتشابه الظروف التعليمية.

كما أن الشاب في العصور المنقضية يتحمل المسؤولية في باكورة شبابه، فيتزوج وينجب ويعمل ولم يبلغ العشرين ربيعًا. أما الشاب المعاصر فقد أثقلت كاهله الحضارة المادية وما أتت به من تطورات، فأصبح الجامعي بالكاد يحصل على الوظيفة، ولا يتفرغ لممارسة الحياة العملية بما فيها من خبرات إلا بعد الخامسة والعشرين &- على أقل تقدير &- مع وجود استثناءات؛ بسيطة ونادرة.

والشاب المعاصر يفوق في المعرفة أنداده في العصور المنقضية بلا مراء، ولكنه لا يفوقهم في الخبرة، ولا في المسؤولية.

وبالتأكيد أن المعرفة التي كان يتحصلها الشاب في العصور المنقضية كافية لأن المسائل التي كانت تشغله بسيطة جدًا، ولا تتطلب كمًا معرفيًا هائلًا، فهمومه لا تتعدى قريته أو حدود وطنه.

أما الشاب المعاصر يعيش في قلق دائم خوفًا من أي يفوته أي جديد، فها نحن نجد ثورة الذكاء الاصطناعي تعصف بنا، والجميع يحاول مواكبتها وفهمها. لم يكن شيء كهذا يرهق كاهل الشاب في العصور المنقضية، ناهيك عن التطور والتحديث المستمر للأنظمة والقوانين وما يتبعه من تغييرات.

المعضلة
إن معضلة الشاب المعاصر تكمن في عدم تحميله المسؤولية مبكرًا. بالإضافة لإثقال كاهله بالعلوم النظرية داخل المباني التعليمية، وحرمانه من أي فرصة يستطيع فيها أن يثبت جدارته خارج تلك المباني التي لطالما خَرْجَّت عقولًا متشابه وكأنها مصنع للقوارير لا يُخرج إلا منتجًا واحدًا.

خلاصة القول: أن الشباب المعاصر؛ متعلم ومثقل ومهموم، والبعض منهم بائس، ولا يشعر بقيمته وذاته نظرًا لإنشغاله فترة طويلة بالتعليم الرسمي، وإهماله ممارسة التجارب الحياتية الأخرى التي قد تصقله بجانب التعليم الرسمي. ما نحتاجه هو استيعاب الآباء والمربين أن التعليم الرسمي مهم لا مراء، ولكن التجارب الحياتية الأخرى لا تقل أهمية، فممارسة التجارة في سن مبكر تُؤتي أكلها وتصقل عددًا من المهارات، وغيرها من التجارب التي تكون خارج الرواق التعليمي الرسمي، الذي يشوبه الجمود نوعًا ما.