فضاء الرأي

معاهدة لوزان.. بين وأد الحلم وامال امة لا تنقهر

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بين اتفاقية لوزان (24 تموز 1923) وبين استفتاء الاستقلال في اقليم كوردستان العراق (25 ايلول 2017 )، توجد فترة زمنية طويلة لمدة 94 عام، اي حوالي قرن من وأد الحلم الكُردي للاستقلال .

عندما وضعت الحرب العالمية الاولى اوزارها وانتهت بانتصار دول الحلفاء على دول المحور، ابرمت في 10 اب عام 1920 "معاهدة سيفر" بين المنتصرين في الحرب المتمثل بدول الحلفاء والامبراطورية العثمانية المنهزمة توا من الحرب، تضمنت المعاهدة تخلي تركيا عن جميع الأراضي العثمانية التي يقطنها غير الناطقين باللغة التركية، إضافة إلى استيلاء قوات الحلفاء المنتصرة على أراض تركية واسعة، فقُسِّمت اثر هذه المعاهدة بلدان الشرق الأوسط، حيث أخضعت فلسطين للانتداب البريطاني ولبنان وسوريا للانتداب الفرنسي، وتم فصل العراق، الاردن، وازمير عن الدولة العثمانية، وقد ألهبت شروط المعاهدة حالة من العداء والشعور القومي لدى الأتراك، فجرّد البرلمان الذي يقوده مصطفى كمال أتاتورك موقّعي المعاهدة من جنسيتهم، ثم بدأت حرب الاستقلال التركية -التي أفرزت معاهدة لوزان والتي سناتي على ذكرها في هذا المقال- وتم تشكيل الجمهورية التركية الحديثة.

الامرالذي كان موضع الاهتمام المثير والاهم في معاهدة سيفر، هوما تضمنتها المعاهدة من بنود التي اعطت الحق للكورد من إجراء استفتاء لتقرير مصيرهم في الإقليم الذي كان يضم ولاية الموصل، فوفقا للبنود 62-63-64 من الفقرة الثالثة من المعاهدة كان من المفترض ان يقوم الكورد ومن خلال سنة من تصديق المعاهدة اجراء هذا الاستفتاء، ومن خلاله اذا ناشدت اغلبية سكان المنطقة بالاستقلال عن تركيا، فان عصبة الامم ومن خلال الاعتراف والتوصية بان سكان المنطقة مؤهلين واكفاء للعيش في حياة مستقلة، فيجب على تركيا الرضوخ والتعهد بهذه التوصية والتخلي عن كل حق في هذه المنطقة.

كان البند 62 من المعاهدة يؤكد على انه تقوم لجنة مؤلفة من ثلاثة أعضاء معينين من قِبل الحكومات البريطانية والفرنسية والإيطالية مركزها اسطنبول، خلال ستة أشهر من تاريخ تنفيذ مفعول هذه المعاهدة، بإعداد مشروع حكم ذاتي محلي للمناطق التي يشكل فيها الأكراد الأكثرية والتي تقع إلى الشرق من الفرات وإلى الجنوب من الحدود الجنوبية لأرمينيا، كما تحدد فيما بعد، وإلى الشمال من الحدود التركية مع سوريا و ميزوبوتاميا بشكل متوافق مع الوصف الوارد في الفقرة (2، 3، 11) من البند السابع والعشرين من المعاهدة، وفي حال حدوث اختلاف في الرأي حول موضوع ما، يعرض الاختلاف من قِبل أعضاء اللجنة على حكوماتهم المعنية ويجب أن تتضمن هذه الخطة الضمانات التامة لحماية الآشوريين- الكلدان وغيرهم من الأقليات العنصرية أو الدينية الداخلة في هذه المناطق، ومن أجل هذا الغرض تقوم لجنة مؤلفة من ممثلين (بريطاني وفرنسي وايطالي وايراني وكوردي) بزيارة الأماكن لدراسة التغيرات التي يجب إجراؤها، عند الحاجة في الحدود التركية حيثما تلتقي بالحدود الإيرانية، ولتقريرها، بحكم قرارات هذه المعاهدة.

واكد البند 63 من المعاهدة، بتعهد الحكومة التركية من الآن بالاعتراف بقرارات اللجنتين المذكورتين في البند 62 والقيام بتنفيذها خلال ثلاثة أشهر من تأريخ إبلاغها بها.

في حين ان البند 64 حسم الامر نهائيا، فيما إذا رجع الأكراد القاطنون في المناطق الواردة ضمن البند 62 مجلس عصبة الأمم خلال سنة من نفاذ هذه المعاهدة، مبينين أن أكثرية سكان هذه المناطق يرغبون في الاستقلال عن تركيا، وإذا وجد المجلس آنذاك أن هؤلاء جديرون بمثل ذلك الاستقلال وإذا أوصى -المجلس- بمنحهم إياه، فتتخلى تركيا عن كل ما لها من حقوق وحجج قانونية في هذه المناطق، وتصبح تفاصيل هذا التنازل موضوع اتفاق خاص بين الدول الحليفة الرئيسة وتركيا، وإذا وقع قبل هذا، وفي الوقت الذي يحدث فيه، فإن الدول الحليفة الرئيسة لن تضع أي عراقيل بوجه الانضمام الاختياري للأكراد القاطنين في ذلك الجزء من كردستان الذي ما زال حتى الآن ضمن ولاية الموصل، إلى هذه الدولة الكردية المستقلة.
غير ان معاهدة سيفر -ولسوء حظ الكورد- لم تنفذ، حتى ان دول الحلفاء لم تكن جادين في تطبيقها والتوقيع عليها باستثناء ايطاليا التي وقعت على المعاهدة طمعا في الحصول على جزء كبير من جنوب الأناضول مع (سميرن) و(آضاليا) و(قونيه)، غير انها حصلت في الاخير فقط على اضاليا واحتفظ بها.

كانت هناك اسباب وعوامل عدة في عدم نجاح المعاهدة منها:

اولا: الوضع الجيوالسياسي والديموغرافي لكوردستان، وعدم اتفاق عام بين الكورد على شكل الحدود بسبب التفاوت بين مناطق سكن الأكراد وحدود المنطقة السياسية والإدارية، فعلى الرغم من ان شريف باشا العضو في جمعية صعود كردستان قد اقترح في مؤتمر باريس للسلام عام 1919 خطوطا عريضة لحدود وكيان كوردستان، الا انها لم تلقى اذانا صاغية، حيث أوضح ان حدود كوردستان تبدأ - حسب وجهة النظرالعرقية - إلى الشمال من زيفان على حدود القوقاز ثم تتجه غربا إلى أرضروم وأرزينجان وكيماخ وأربغير وبسني ودفريقي، ثم جنوبا حيث يتبع خط حران جبل سنجار وتل الأصفر وأربيل والسليمانية ثم سنانداج، وشرق رافاندز وباشقلعة ووزير قلعة، وما يسمى بالحدود الفارسية حتى جبل أرارات.

ثانيا: ظهورالكم الهائل للنفط في المنطقة وخاصة ابار النفط في كركوك، الامرالذي ادى الى اطماح الدول العظمى للاستيلاء عليها وعلى راسها بريطانيا.

ثالثا: الصراع الدائر بين تلك الدول انفسهم على المنطقة ومستقبلها والذي ادى الى ابداء قلقهم للوعود التي اعطوها للكورد.

رابعا: عدم رضا الاتراك على مجمل بنود المعاهدة ورفضها.

خامسا: ادت المعاهدة إلى انفصال الحركة القومية التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك عن الباب العالي في اسطنبول، وتم تشكيل برلمان في أنقرة عام 1920، الذي جرّد موقّعي المعاهدة من جنسيتهم، وبدا اتاتورك باعلان حرب الاستقلال وخاض حروبا ضد القوات اليونانية والأرمنية والفرنسية وتمكن من الانتصار عليهم، وبعد تولي الحركة القومية التركية الحكم في 29 تشرين الأول 1923 بقيادته وتأسيس الجمهورية التركية، اعتبرت أن بنود هذه المعاهدة تمثل ظلماً بالدولة التركية بسبب خسارة تركيا لحجم هائل من المناطق التي كانت تابعة للدولة العثمانية، لذلك حاولت تركيا إقناع دول الحلفاء بتوقيع معاهدة جديدة هي معاهدة لوزان في 24 تموزعام 1923، التي خابت امال الكورد في تاسيس كيان خاص بهم ووأدت حلمهم لمئة عام حتى هذه اللحظة التي نعيش فيها.

لم ترد في اية فقرة من المواد ال 143 التي تالفت منها معاهدة لوزان ذكر حقوق للشعب الكوردي، بخلاف معاهدة سيفر التي بنيت عليها امال كثيرة من اجل حصول الكورد على حقوقه المشروعة.

حاولت تركيا كثيرا في ضم ولاية الموصل الى نطاق حدودها الجديدة، الا ان الحلفاء وعلى راسهم بريطانيا وقفت ضد هذه التطلعات التركية، ورفضت مطالب تركيا جملة وتفصيلا بهذا الخصوص لسببين اساسيين وهما:

اولا: وجود الكم الهائل من النفط والمعادن الثمينة في المنطقة، فكانت من المستحيل تسليم هذا الكنز الى تركيا على طبق من ذهب.

ثانيا: ان الحلفاء وبالاخص بريطانيا كانت تعرف جيدا ان المنطقة تعود بالاصل الى الكورد، وان غالبية سكانها من القومية الكوردية.

لذلك نرى انه عندما يصر عصمت اينونو رئيس مفاوضي الوفد التركي في معاهدة لوزان على ان تلحق ولاية الموصل بتركيا، وان الكورد يريدون ان ياخذوا دورهم ومكانتهم في تركيا الجديدة ويريدون البقاء فيها، وكذلك اكراد ولاية الموصل لا يريدون الانفصال عن اكراد الاقاليم الاخرى، يرد عليه اللورد جورج رامبولد المفوض السامي لبريطانيا في ابرام المعاهدة بالنفي القاطع رافضا الفكرة جملة وتفصيلا، وفي الاخير رسمت الحدود الجدية لتركيا اليوم، واصبح ولاية الموصل وكركوك تحت سيطرة بريطانيا، واتفقوا على تقسيم كوردستان، وهكذا ما الت اليه كوردستان من المعانات والماسي والويلات الى يومنا هذا كانت من نتائج هذه المعاهدة المشؤومة.

ان مرحلة سيفر &- لوزان تمثل ما يمكن نعته بالحدث المأساوي في تاريخ النضال الكوردي في سبيل الاستقلال، فالوعود المتكررة التي ظلت حبرا على ورق أفضـت بـالكورد إلى الاعتقاد بأنهم وكما كانوا فعلا ومرارا خلال تلك الفترة مجرد آلة مسخرة بيد القوى العظمى، مما زاد المأساة عمقا وحجما وفتح الجرح الكوردي فاغرا امام كل الاحتمالات.

ومن حيث الوضع القانوني للكورد في ظل هذه المعاهدات والاتفاقيات الدولية وخاصة بين عام 1916 و1923، وبالاخص معاهدة سيفر، يرى بعض الباحثين ان المعاهدة تعتبر أول عمل قانوني دولي في القرن العشرين، يعترف بالشخصية والهوية القومية الكوردية، وحق الشعب الكوردي بالاستقلال ضمن دولة خاصة به وفوق أرضه، وحتى إن ألغيت أو لم تنفذ فهذا شيء أخر ولا ينفي مبدأ الاعتراف، ففي العرف الدولي الاعتراف شيء وعدم التنفيذ المادي هو شيء أخر.

وهناك اخرون ذهبوا ابعد من هذا، فهم يرون بما ان المعاهدة لم تلغى بوجود اي عمل قانوني دولي وداخلي بصريح العبارة، فان الكورد اليوم يمكن الاستناد عليها والاستفادة منها، وذلك لكونها وثيقة قانونية ضمن وثائق القانون الدولي العام، ولا زالت سارية المفعول وذات أثر قانوني وهي ملزمة قانوناً، بل في الحقيقة إن ما حصل قد تم تعطيل تنفيذها بالنسبة لحق الكورد.

وفق هذا المنظور يمكن القول ان استفتاء الاستقلال الذي اجري في 25 ايلول 2017 لشعب كوردستان، والذي صوت فيه بادلاء الغالبية العظمى من الأصوات بنسبة 93% لصالح الاستقلال، حاول ان يعاد الحلم الكوردي الموعود لمأة سنة الماضية، فبعد ان اختبر الكورد جميع الطرق والسبل للعيش المشترك في العراق الجديد وفق مباديء الدستور، وبعد ان قطعت جميع السبل والمحاولات امامه حتى وصل الامر حدود الياس التام، اراد مسعود بارزاني - حامل راية استفتاء الاستقلال - ان يقول للعالم اجمع ان زمن لوزان قد انتهى، وانه الاوان للكورد ان يحدد تقرير مصيره بنفسه، وخاطب الجميع قائلا: الا يكفيكم مائة عام من العقاب الجائر لشعب اراد فقط ان يقول انه موجود!!؟

لقد اعاد الاستفتاء للكورد روح وجوده وكيانه الذي اغتصب طوال 100 عام، وخاض البارزاني المعركة - مستندا بقوة شعبه - من اجل الحرية، ومن اجل مستقبل الاجيال القادمة.


المصادر:
سيفر.. المعاهدة الدولية الاولى التي تعترف بحقوق الشعب الكردي، الموقع الالكتروني : المرصد تحليل السياسات في المنطقة والعالم، تقرير :فريق الرصد والمتابعة
معاهدة سيفر/كردستان
د. لقمان فاروق نانةكةلي، وضع الكورد في ضوء القانون الدولي العام،منشورات زين الحقوقية، بيروت-لبنان-الطبعة الاولى، 2019، ص 159
د. محمد احمد عزيز هماوندي، الكورد والدستور والدولة، مخطوطة غير مطبوعة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
امة مظلومة
ابو تارا -

اذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد لليل الكورد ان ينجلى ولقيدهم ان ينكسر مهما طال الزمن وكبرت التضحياة . المجد والخلود لشهداء الكورد الذين رووا بدمائهم الزكية الطاهرة ارض كوردستان من اجل قضية شعبهم العادلة والمشروعة وامتهم المظلومة . والخزى والعار لاعداء الانسانية والحرية والتعايش والسلام تحية للكاتب

ريفراندوم المشؤم
ناصر كركوكي -

بسبب سذاجة وقلة الوعي السياسية لقادة الاستفتاء ومن أولهم مسعود بارزاني خسر الشعب الكوردي٥١٪؜ من أراضي كوردستان للحكومة المركزية ،وانت تطبل لمسعود بارزاني ..!! دكتور في إدارة الأزمات ..!! انصح مسعود بارزاني لإظهار الطابو الأسود لإعلان الدولة الكورديه ..!!ولكن لاتنسى اولا التوافق لإعلان محافظ كوردي للمحافظة بدلا من المحافظ العربي حسب الاستحقاق الانتخابي بدلا من تعند بارزاني على المحافظ الكوردي لكركوك قلب كوردستان ..!!!!