تجاعيد وإيجار واتهام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حمل حقيبته وهم بالخروج ونظر الى الساعة الجدارية العتيقة في شقته، وكانت تشير إلى الساعة السابعة والربع صباحاً، خرج قاصداً عمله، ما ان فتح باب العمارة صادفته فتاة تدنو من العشرين، ذات قوام مبهر، وجمالها يسحر العقول، وعيونها تلونت بلون حجابها الأزرق الذي غطّى جزءاً من رأسها، نظرة اليه بعمق وتبسمت ثم قالت له: "صباح الخير"، ردَّ بابتسامة المرحب المنبهر: "صباح النور".
سألته: "هل توجد شقة هنا لسكن الطالبات"؟! كان سؤالاً غريباً وغير متوقع وعند بداية الصباح ومن كائن فاتن جداً. بقي صامتاً للحظة ينظر للجمال، ثم قال: لا... لا توجد... انزعجت جداً من إجابته، وقالت له بصوت جاف وبارد: "شكراً جدو"... لمح في عبارتها الأخيرة تجاعيد وشيباً وخيبة أمل... وكان يتمتم مع نفسه: "لكن لماذا انزعجت الفتاة من إجابتي؟ وهل يعقل أنها تبحث عن شقة للسكن عند السابعة والربع صباحاً".
قرر أن يجرب العيش بعيداً عن العاصفة التي هو فيها، حيث بيت العائلة المكتظ بعدد كبير، مما جعل العيش جحيماً، كان مرهقاً جداً من كل ما يحدث، خرج يبحث عن بيت للإيجار وقرر أن يسكن في شارع فلسطين، لقربه عن مكان عمله، لكن صدمته أسعار الإيجارات، فهي لا تقل عن ثمانمائة ألف دينار، أمَّا راتبه فهو فقط ثمانمائة وعشرون ألف دينار! بقي لشهر يتجول من منطقة إلى أخرى والأسعار تمثل حريقاً شديداً لا يتحمله! إنَّ البحث عن بيت للإيجار هو كالصداع يهشم رأسه ويخنقه.
تدحرج في تجواله إلى منطقة في أطراف بغداد تسمى السعادة؛ اسم غريب فهو ليس تاريخي ولا ديني! بل إنَّ المنطقة لا يوحي شكلها بأي مؤشر للسعادة، فالشوارع ترابية ليس فيها إلا الكلاب السائبة، والكهرباء مقطوعة، والإيجار فقط مئتي ألف لبيت صغير، عندها قرر ترك فكرة الإيجار وعاد لبيت العائلة واندمج في عاصفة العيش، فما يأكل تفكيرك الليلة سيغدو بعد عام من الآن شيئاً عادياً قد لا تتذكره حتى... لقد كان يحاول الهرب من الضجيج إلى العدم، والعدم يفزعك، لا هدوء في الهدوء كما تظن.
الغريب أن كل البلدان المحيطة بنا أسعار الإيجارات أقل بكثير منا، لا أعلم من السبب في جعل السكن جحيماً في العراق.
الزوراء بعثيةاحتدم الجدال بين الأصدقاء حول أندية البطولة المحلية، فصاح أحد الجهال (سوء تصرفه فضح جهله): "الزوراء بعثية، والذي يتعاطف معهم بعثي مثلهم"! وأيده جماعة يشابهوه بنمط التفكير، وقال شاب يبدو في السابعة عشر من العمر (يعني أنه ولد بعد زوال حكم البعث): "نعم كان صدام زورائي حد النخاع، ولا يسمح لأحد بالفوز على الزوراء"!... هكذا ترسل التهم من دون دليل... وكان بينهم شخص يحاول الكلام وأن يرد، لكن لا يسمحون له بزعيقهم وصياحهم.
كنت متردداً في التدخل، لكن إن أغلقت فمي عندها سأبقى متحسراً، فإنَّ أسوأ من كونك تعيش ساكتاً أن تعيش متحمّلاً.
فاقتربت منهم وألقيت التحية عليهم ثم قلت لهم: "يا أحبتي في زمن البعث أي مسؤول محلي يجب أن يكون بعثياً، ولذلك كانت جميع الأندية المحلية بقيادات بعثية، ولا يوجد نادي يمثل المعارضة في ذلك الوقت (ضحكوا جميعاً)... أمَّا صدام، فكان منشغلاً بالحروب ولم يعرف عنه تشجيعه لأي نادي محلي، وإنَّ من يقول الزوراء بعثية فقط يريد أن يسقط! مع أن الداء به أيضاً، ومعيب يا أحبتي اتهام الجمهور بهكذا تهمة. إنَّ الناس تعشق الكرة ولا تمثل خطاً سياسياً، فاتركوا هذا الجنون وكونوا عقلاء وأصحاب خلق في تشجيعكم".
التعليقات
المقال جميل
صالح -وبعيد عن السياسة ومملؤا من العقول المخدرة بارهاصات الماضي, الافضل التفكير بالمستقبل والعمل الجاد للتقدم والرفاحية