فضاء الرأي

الانتخابات ومحنة السلطة المليشياتية في العراق

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

إجراء الانتخابات المحلية من عدم إجرائها يشكل معضلة كبيرة بالنسبة إلى السلطة المليشياتية الحاكمة في العراق. في حال إجرائها، لن تتمكن من عبور أزمتها أو تجاوز واقعة غياب الانسجام السياسي في صفوفها، أو بمعنى آخر، حسم الصراع على السلطة، ما سيعمق هذه الأزمة. في الوقت ذاته، فإنَّ عدم إجراء الانتخابات يمثل معضلة أدهى، كونها بحاجة إلى بعث رسالة طمأنة إلى المؤسسات الرأسمالية العالمية أنها أمينة للنظام الديمقراطي الذي أرساه الغزو والاحتلال الأميركي للعراق.

الجميع يمسك بقبعته في المنطقة إثر العاصفة التي خلفتها تداعيات حرب إسرائيل على غزة، وأكثر الأطراف شعوراً بتهديد هذه الحرب لمواقعها ونفوذها السياسي في المنطقة هي إيران وأدواتها من المليشيات وحلفائها من جماعات الإسلام السياسي.

ويمثل العراق الحلقة المركزية في استراتيجية النفوذ الإيراني، وما يحدث في غزة نجد صداه في العراق، خاصة الموقف الذي وضعت فيه حكومة محمد شياع السوداني، وهو موقف لا تحسد عليه، فالتناقض الصارخ يضرب تحالفات الميليشيات وأحزاب الإسلام السياسي المنضوية تحت اسم "الإطار التنسيقي"، ويقف خلف تأسيس حكومة لا شرعية لها، إذ قام بالالتفاف على نتائج الانتخابات التشريعية عام 2021 علاوة على تزويرها، وزيف للقبض على زمام السلطة كل ما استطاع، وإن لم يقدر على تزييف فساده ونهبه وسرقته وتصفية مخالفيه السياسيين. ذلك التناقض ليس بسبب الموقف من حرب إسرائيل على غزة بشكل عملي خارج البيانات والخطابات الطنانة فحسب، بل بسبب لفظ الجماهير لهذا التحالف ورفع غطاء الشرعية عنه في انتفاضة تشرين الأول/أكتوبر 2019، حيث أطاح بحكومته برئاسة عادل عبد المهدي. وقد حاول التحالف الحفاظ على شرعيته والاستمرار في السلطة عبر القناصة وهجوم المليشيات على المتظاهرين في ساحات المدن، والتواطؤ مع مليشيات سرايا السلام والقبعات الزرقاء التابعة للتيار الصدري وتهديدات زعيمه، وقد قتل أكثر من 800 شخص وجرح ما يقارب 20 ألفاً، وتوج فشله في الانتخابات المذكورة، حيث لم يشارك فيها أكثر من 12 بالمئة من الذين لهم حق الانتخاب من جماهير العراق.

في ظل أوضاع المنطقة والوضع السياسي في العراق، فإن الإطار التنسيقي هو أكثر الأطراف حاجة لانتخابات مجالس المحافظات المزمع تنظيمها في 17 كانون الأول/ديسمبر 2023، وأكثر الأطراف إصراراً على إجراء الانتخابات، بالرغم من أن التيار الصدري أعلن انسحابه، كما انضمت له الجماعات القومية التي يتزعمها أياد علاوي إلى جانب مجموعات أخرى سمت نفسها بالتشرينية نسبة إلى انتفاضة تشرين، وتتحرك ببوصلة التيار الصدري. وتجدر الإشارة إلى أن الأحزاب القومية التركمانية والعربية في كركوك رفعت مذكرة إلى المحكمة الاتحادية تطلب تأجيل الانتخابات في المدينة. وتخيم على كل هذه الأجواء هجمات المليشيات على القواعد الأميركية والسفارة الأميركية والمنطقة الخضراء تطبيقاً لشعار "وحدة الساحات"، وقد وضعت الحكومة اسماً حركياً لتلك المليشيات وسمتها "السلاح المنفلت" لتخفيف وطأتها على مسامع المواطن، وفي نفس الوقت الحيلولة دون خدش مشاعر الجماعات التي تديرها أو التي تقف خلفها، بحجة أنها غير قانونية عندما تسميها "مليشيات".

الإطار التنسيقي يحاول عبر الانتخابات ترسيخ سلطته السياسية في المحافظات، فهو لا يبحث عن الشرعية من خلال صندوق الانتخابات، لأنَّ وجوده غير شرعي، سواء من خلال الانتخابات التي خسر فيها أغلبية مقاعده لصالح غريمه التيار الصدري، ولا من خلال الشارع كما ذكرنا. إن انتخابات مجالس المحافظة بالنسبة لتحالف الأحزاب والمليشيات الإسلامية التي تدير حكومة بغداد هي من أجل تثبيت اعترافها بالنظام الديمقراطي أمام المؤسسات الدولية، وفي نفس الوقت الإفادة من الهزيمة السياسية التي مني بها التيار الصدري بعد سياسته الفاشلة باقتحام مبنى البرلمان والمحكمة الاتحادية، وانتزاع الحكومات المحلية التي تسيطر عليه في المحافظات الجنوبية، أو تقزيم مكانته ونفوذه السياسي.

إنَّ المعضلة الرئيسية التي تواجه هذه الانتخابات، ليس ما ستذهب إليه الجماهير في مقاطعة الغالبية العظمى منها بنسبة ستتجاوز 82 بالمئة كما فعلت في انتخابات 2018 وانتخابات 2021، إنما ما سينتج عنها من تداعيات بعد الانتهاء منها، مثلما حدث في الانتخابات التشريعية لعام 2018، حيث اجتاحت الاحتجاجات عشرات المدن الجنوبية وتم حرق مقرات المليشيات والأحزاب الإسلامية، كما تم حرق مبنى مجلس محافظة البصرة، وأعقب ذلك هروب المحافظ وجميع أعضاء الحكومة المحلية إلى جانب فرار عناصر المليشيات إلى قلاعها الرئيسية في إيران.

إنَّ حكومة السوداني، ومنذ تشكيلها، زادت من مساحة الفقر، وبعكس ادعاءاتها الكاذبة بأنها قللت من نسبة الفقر في المجتمع، فالمعطيات المادية تفند الجمل الإنشائية الطنانة والفارغة من المحتوى التي تعودنا عليها. فالبطالة تتوسع رقعتها بسبب غياب أي مشاريع اقتصادية تستوعب على الأقل نصف العاطلين عن العمل البالغ عددهم أكثر من 12 مليوناً، وما زال سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار يراوح في مكانه بالرغم من كل التضليل الإعلامي للحكومة، وهذا ما زاد من نسبة التضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية وغير الأساسية في الأسواق، كما ساهم في تآكل القدرة الشرائية للمعاشات والرواتب، ناهيك عن زيادة الضرائب ورفع أسعار الكهرباء والمياه والاتصالات، والحبل على الجرار إذا ما نفذت بنود قوانين الموازنة.

وبالعكس تماماً، فإنَّ هذه الانتخابات ستزيد من تفاقم الأزمة السياسية في العراق، وتعمق بالتالي من أزمة السلطة السياسية التي لا تملك عصا سحرية سوى قمع الاحتجاجات الجماهيرية أو الانتحار سياسياً.

ولا تقف أزمة السلطة السياسية عند هذه الحدود، أو في الحقيقة أزمة الطبقة البرجوازية الحاكمة المتمثلة اليوم بأكثر أجنحتها ضحالة واهتراءً وهي الإسلام السياسي الشيعي، بل تكمن أيضاً في غياب قدرتها على الوفاء بالتزاماتها أمام المؤسسات المالية والرأسمالية الدولية، فالمطلوب منها خلق الاستقرار السياسي عبر تصفية معارضيها من جهة، وخلق الانسجام السياسي في صفوفها، وإرضاخ الجماهير من جهة أخرى إما بالقمع أو التضليل برمي الفتات لها على شكل زيادة هوامش المعاشات والرواتب التي لا تتناسب مع حجم الضرائب ولا حجم التضخم أو تخفيض العملة المحلية، وفي الوقت ذاته خلق بيئة آمنه لتحرك رأس المال العالمي بحرية في السوق العراقية دون أي تهديد من أي جهة كانت.

كل تلك المحاولات التي تجري على قدم وساق من قبل الأطراف الآنفة الذكر، سواء مشاركة في انتخابات مجالس المحافظات أو مقاطعة، يعبر عن غياب أي أجندة أو برنامج سياسي أو اقتصادي، والمضحك في شعارات القوى المشاركة، ويرقى إلى مستوى الكوميديا، أنَّها لم تتعلم طوال هذه السنوات فن الدعاية الانتخابية، بالرغم من انتشار الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي والفضائيات. فعلى سبيل المثال، هناك من يرفع الشعار القومي "نحن أمة" في سوق أصابه الركود لبيع الشعارات القومية، وقد طرد صاحبه، وهو محمد الحلبوسي، من رئاسة البرلمان بقرار اتخذ خلسةً في الليل وتم تنفيذه في وضح النهار ومنع من مزاولة العمل السياسي طوال حياته، وشعار آخر لجماعة دولة القانون التي يرأسها نوري المالكي "قوة القرار"، أي قوة تسليم ثلث مساحة العراق إلى داعش في عام 2014 عندما كان رئيساً للوزراء، وشعار آخر هو "أقوال لا أفعال" لجماعة خميس الخنجر والذي يعني بحق ما يقول؛ حيث اشترى المناصب وصناديق الانتخابات تقاسماً مع غريمه الحلبوسي في انتخابات 2021، وهناك شعار "بغداد تستاهل" لعمار الحكيم، الذي لا يوافق على إقامة أي مشروع في بغداد من دون الحصول على عمولة من الشركات العاملة سواء في بغداد أو في المحافظات التي له اليد الطولى فيها، وشعار "نحمي ونبني" لهادي العامري، الأمين بامتياز لما يدعي، وهو المعروف بمهندس "سرقة القرن" بصفته المتهم الأول بسرقة 2,5 مليار دولار من أموال الضرائب العامة حسب صحيفة "الغارديان" البريطانية. كل تلك الشعارات تعكس المحتوى الفارغ لهذه الجماعات التي فرضت على رقاب الجماهير، وهي ليست بحاجة إلى تقديم برامج سياسية وشعارات سياسية للوصول إلى السلطة، لأنها غير معنية لا باختيار الجماهير لها ولا بمطالب الجماهير، بل وصلت عبر الاحتلال في غفلة من الزمن، وبعد أن استحوذت على كل شيء، واستمرت بالسلطة عبر استثمار ما استحوذت عليه بتأسيس المليشيات وقوة السلاح.

وأخيراً، وهذا ما يرعب الجماعات المقاطعة والمشاركة، أن ما تحتاجه الجماهير ليست الانتخابات، فهي جربت حظها في كل المحطات الانتخابية طوال ما يقارب من قرنين، بل تغيير الأوضاع بشكل ثوروي ووضع هذه الجماعات في أرشيف التاريخ. وانتفاضة أكتوبر حفرت هذه المهمة في وجدان الجماهير وما زالت تحفر.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
فساد الطبقه السياسيه
خالد -

محمد شياع السوداني راسه تقول كرتون بقلاوه ابو الطابقين، من ناحية يدعي محاربة الفساد ومن ناحية اخرى يدعم بقوه انتخابات مجالس المحافظات والتي هي احدى حلقات الفساد والمحاصصه...احزاب الفساد من صنع ومباركة الحاخام الاعظم وكذلك المليشيات هي من بنات افكاره وكما هي فكرة تفخيذ الرضع....اي فكر هذا ولا حتى خيال انشتاين لم يصله.... اما عمار الحكيم اللي تقول بومه لابسه عمامه لو عند شعب حي كان قمطوه بعمامته. مو يشتري الناس بكارت رصيد.

....
خالد -

ونفس الحاخام المقدس سبب كوراث اقتصاديه عبر ف...وى تحليل سرقة النفط باعتباره معدن....مع هذا لو انتقده على الملا ساتحول خلال ثواني الى اثر بعد عين وبيد هذا الشعب الذي يسمونه "مظلوم"