فضاء الرأي

اتركوا بيتي واسرقوا وطني!

متظاهرة عراقية تشارك في مسيرة مناهضة للحكومة في وسط البصرة في 2 ديسمبر 2019
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لمدة زمنية تجاوزت ثلاثة عقود، عملت الحكومة العراقية في عهد صدام حسين على تأسيس منشآت للصناعات العسكرية، استهلكت 90 بالمئة من أموال العراق التي بلغت مئات المليارات من الدولارات من إيرادات النفط الخام، كلها ذهبت هباءً منثوراً عندما قامت لجنة التفتيش الأممية بتدمير الأسلحة التي أنتجتها هذه المنشآت، ثم جاءت قوات التحالف الدولي لتقضي على ما تبقى منها في 2003، بعد أن استنزفت الكثير من اقتصاد وطاقات ودماء العراقيين.

على مقلب آخر، سار معمر القذافي في الدرب نفسه، ليعود لاحقاً فيسلم أسلحة الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى إلى تحالف دولي آخر من أجل تدميرها، وليدفع الشعب الليبي تعويضات باهظة. الفعل نفسه كررته حماس عندما أنفقت مئات ملايين الدولارات التي حصلت عليها كمساعدات خارجية لبناء أنفاق عملاقة عرضتها وسائل الإعلام العالمية، لتقع هذه الانفاق في النهاية بيد القوات الإسرائيلية لكي تدمرها وتقتل الشعب الفلسطيني فوقها. وثمة أمثلة أخرى من صنع "القيادة السورية الحكيمة" وغيرها، حيث يحرم الحاكم شعبه من خيرات بلادها، لتضيع هباءً لاحقاً.

أملنا خيراً عندما سقطت حكومة البعث في العراق، وقلنا إنَّ أموالنا لن تذهب بعد اليوم للسلاح والتصنيع العسكري والاستعراضات الفارغة، بل ستعود للشعب، لكننا نسينا وتناسينا أن كراسي سلطتنا لا يشغلها وطني مخلص، وبدل أن تذهب الأموال إلى التصنيع العسكري لتضيع على مراحل، ذهبت هذه المرة دفعة واحدة لتضيع إلى الأبد في جيوب الوارثين، الذين اختصروا علينا طريق الهوان والأحزان، وبدل أن يضيع مالنا ونحن أذلة، ضاع ونحن نصرخ هيهات منا الذلة!

ما يجمع بين الأمس واليوم الافتقار إلى الحاكم الصادق الشريف، وإن حدث أن وصل إلى سدة الحكم وطني شريف، لسارع الشعب الى إسقاطه، لأنَّ ذلك "خطأ تاريخي" غير مقبول. لقد كانت الأموال تضيع ويضيع معها مستقبل الأجيال، أما اليوم فالأموال تسرق وتسرق معها العقول والأوطان. وإذا كانت الأموال تعوضها العقول النظيفة والأيادي الخيرة، فمن يعوض مياه الرافدين دجلة والفرات التي سرقت، وهل سيبقى شيء للأجيال القادمة؟

للأسف واحدنا له القدرة على أن يموت دفاعاً عن عتبة داره إذا ما حاول لص أن يتجاوزها، لكن عندما تسرق أموال البلد أو تضيع في وضح النهار، فإننا نؤلف النكات عن السارق، وكأن المال ليس مالنا. وهذا التكاسل نتاج طبيعي لضياع الشعور والحس الوطني. ما الفارق بين سرقة أموال البلد وسرقة أموال البيت؟ الفارق أن الوطن لم يعد بيتاً لنا! والدليل ألف داعشي استطاعوا هزيمة عشرات الآلاف من عديمي الحب للوطن في الموصل، ولو كان فيهم مئة عاشق للوطن فقط، لاستطاعوا هزيمة ألف داعشي وحفظ أموال البلد وكرامة البلد. لقد قام الفكر القومي العفلقي بقتل الروح الوطنية في الناس، ثم جاء الفكر الديني الطائفي ليقضي على ما تبقى من هذه الروح. فأي أموال ستبقى بعد أن سرقت عقول الشباب وسرقت أوطانهم وهم نائمون.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تجربتنا مع اللادينيين العرب
فلان -

وتذكّر تجربة الشيوعيين في عدن فهي قريبة وشهودها أحياء !‏فقد حاولوا نشر الإلحاد والانحلال والفجور ،‏وقتلوا وسجنوا مَن وقف في طريقهم من أهل العلم والفضل والمروءات ‏ومكنوا الأسافل والأراذل !‏قضوا على حلقات تعليم القرآن ومعاهد علوم الدين وتسلّط اللئام على الكرام ! ثم ماذا ؟ ‏ما هي إلا عقدين؛‏فإذا برؤوس الفساد جثثًا ملقاة تحت طاولة قاعة اجتماعات المكتب السياسي للحزب الشيوعي، وفرّ مَن فرّ !