المرأة وعيدها: كيف لسجين أن يمنح سجيناً الحرية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سنة بعد أخرى، وخاصة في مناسبة يوم المرأة العالمي، تهيمن الكتابات السطحية التي تطفو عليها لغة التزلف لحقوق للمرأة، على الكتابات الهادفة لتوعية المجتمع عامة، وبشكل خاص ما يكتب بيد النساء ويقال بلسانهن، وتتكرر ديباجة ما قيل وكتب وبنفس الأساليب الكلاسيكية الجامدة، من الدفاع عن حقوق المرأة إلى تهنئتها في عيدها، خاصة في العقد الأخير، مع انتشار سهولة النشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وحيث المبالغة، والتضخيم، والذي في عمقه اعتراف ضمني غير مباشر بأنَّ أغلبية الذات المدافعة تريد إقناع نفسها قبل إقناع المرأة أنها مؤمنة بحريتها الكلية، وأن حقوقها يجب أن تكون على قدر حقوق الرجل، وهو بذاته في الواقع ليس حراً، فكيف لسجين أن يعطي الحرية لسجين آخر، إلى درجة يشعر القارئ بأن الرجل، الشرقي خاصة، يتباهى وهو في ذاته غير مقتنع بالحقوق التي تنسخ خارج المساحات الدينية، أو يكتب لأنه يشعر بأنه لا يؤمن بمنطق التنازل عن حقوقه كرجل أمامها، كما وتنتشر كتابات وأقوال تعكس عكس المقال، وتتبين بين سطورها بعض الدلالات على قناعته بوجود غبن بالمكون، وهو جزء مشارك أو مؤمن بهذا الغبن.
وفي الواقع، الكتابة ونشر القوانين والأحكام في هذا المجال تكثر، وبتلك الأساليب الضحلة، في الدول والمجتمعات التي تؤمن بعدم المساواة، وبتعدد الزوجات وزواج القاصرات، وغيرها من المآسي، وترى أن سيادة الرجل حق لا بد منه، والأغلبية من شعوب هذه الدول لا تؤمن بها بل تعارضها، وبالتالي تلك المجتمعات تعيش المآسي ما بين النظرية والتطبيق، ومن الغرابة أن نسبة عالية من نساء هذه المجتمعات، حتى المدافعات عن حقوقهن، غارقات ما بين القول والفعل، أو بين المنطق وابتذال الحرية، مقابل شريحة الرجال الذين يتأرجحون ما بين المنطق وعدمية الحرية، وجلها نتيجة ضحالة الوعي، وهيمنة الثقافة الدينية المطلقة، وهذا ما يجعل الرجل بحد ذاته مقيداً، ولا يملك القدرة على قبول حرية المرأة أو تقديمها، لذلك المرأة لا تحتاج إلى التهنئة بقدر ما تحتاج إلى توعية المجتمع، والكتابات التنويرية والتي يجب أن تتجه إلى أصل المشكلة.
لا شك في أنَّ الظروف الاقتصادية إلى جانب عامل الثقافة الدينية والاجتماعية، خلقت طوال القرون الماضية، حاجزاً منيعاً حول المرأة، وجعلتها تمتنع ذاتياً ععن المطالبة بالمساواة مع الرجل، هذا "التابو" بدأ ينكسر اليوم، وبسرعة غريبة، على خلفية الحرية المتوفرة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وتحسن الواقع الاقتصادي، أو لنقل سهولة الاعتماد على الذات، وفي الحقيقة هذه العوامل أخرجت شريحة من النساء من سجونهن، فاندفعن ليس نحو الحرية بل العبث بها، وهو عبث لا يقل عن عبث شريحة الرجال المبتذلين للقيم، وكثيراً ما تم هدم صروح عائلية، تحت حجج متنوعة. لكنها ومن جهة أخرى، نورت مفاهيم شرائح واسعة من الجيل الشاب بغض النظر عن جنسه. لذلك، يمكن القول إنَّ وسائل التواصل الاجتماعي هي ذاتها حركة تنويرية بقدر ما هي عامل للتدمير الاجتماعي، مع أو دون دعم المتنورين.
نسبة واسعة من مجتمعنا الكوردي يدرج بين هذه المجتمعات، على خلفية الثقافات الدخيلة، وخاصة الإسلامية التي لا تزال تعاني من ثقافة العصر العربي الجاهلي، وهي سمة تتعارض مع ثقافة الشعب الكوردي الأصيلة، وحتى مع روحانيات دياناته القديمة، علماً أن بعض الفقهاء يدعي أن الإسلام أعطى المرأة حقوقها الكاملة، وأحياناً أكثر من الرجل، ربما هذه في النظرية والنص، وأنا أشك فيها، لكنني لا أجزم لأنني لست ضليعاً في الفقه والشرع، لكن في الواقع العملي يتبين عكس المقال، ومظاهر الحياة الاجتماعية في الدول الإسلامية خير مثال. وما يجري في جنوب كوردستان ومؤتمرات تلبيس المرأة الحجاب، القاصرات بشكل خاص، يعد تقليداً لثقافة تلك الدول الرائدة في تطبيق الشريعة، والحجاب هو بداية إقناع المرأة بالرضوخ لقوانين الرجل، وعلى أنها عورة، وما أبشع هذه الكلمة من حيث المعنى والمضمون، علماً أنَّ الحجاب كان يعد في العصور الوسطى نوعاً من الأرستقراطية والتعالي على الرجل، وحصانة سلبية في الديانة المسيحية تكاد تشبه الحجاب في الإسلام.
قبل عقود عدة، كانت المرأة في الدول الحضارية الآن، تعاني من غبن كارثي لا يقل عما هو عليه حالها في الدول المتخلفة الآن وعلى رأسها الدول الإسلامية، كعدم السماح لها بالتصويت أو الترشح لمناصب سياسية، وكانت ولا تزال الرواتب غير متعادلة، ونتذكر كيف أن بعض الروائيات لم يكتبن أسماءهن على رواياتهن لأن الكتابة كانت تجلب العار للعائلة، وقصص نساء عائلة برونتي معروفة للجميع، وما زالت رواسب التمييز موجودة، لكن مع ذلك تجاوزت المرأة في هذه المجتمعات مرحلة المطالبة بحقوقها إلى مرحلة فرض الذات، ليس فقط لأنها كسبت المعركة بذاتها ورسختها في الدساتير، بل لأن حركات التنوير زرعت الثقافة الحضارية، وهذه بدورها خلقت طفرة في ذهنية الرجل، وأصبح الحديث ليس عن الحقوق باعتبارها كاملة أو منقوصة، بل عن تقدير ما تقدمه المرأة للمجتمع، بعكس حقوقها في المجتمعات الإسلامية، التي لا زالت منقوصة، حيث للمرأة نصف حق الرجل في التوريث، وفي الشهادة وغيرها، وهذه المعادلة تعتبر جريمة قانونية في المجتمعات الحضارية.
تضخيم الدفاع عن المرأة وحقوقها، وعيدها، دون تنوير المفاهيم، ومن باب المطالبة بحقوقها وليس تقديرها، والتفخيم الزائد لواقع معروف، يؤدي إلى تكوين حالة عكسية، فالمرأة في المجتمعات الحضارية بلغت مراحل متطورة من المساواة، حيث تقدم لها الهدايا ومن النادر أن يتم الحديث عن حقوقها. والتذكير المكرر لواقع معروف لدى الجميع، بأن المرأة هي الأم والأخت والزوجة والبناء عليه لقول ما يراد قوله، جدلية ساذجة، تظهر هشة وبدون تأثير على الرجل، والمحاولة من خلالها إعادة تبيان ما قدمته وتقدمه للعائلة والمجتمع فاشلة على الأغلب، لأن جلها يجب أن توجه لإقناع الذات قبل المرأة.
الأغلبية تتناسى الجدلية البيولوجية والنفسية، ولا يتم دراستها من أبعادها المنطقية وحيث التكوين الأبدي للمرأة والرجل، تنجح في كتابة الدساتير ووضع القوانين، لكنها تفشل في خلق التوازن بين الجنسين، وبأن لكل طرف حدود لقدراته، فكما هو معروف هناك مجالات لا تجد المرأة ذاتها فيها، ومن النادر أن تقتحمها، النظرة عامة ولا تعني عدم وجود استثناءات، كما وللرجل سمات تعزله عن أداء أدوار في المجتمع، مع عدم تغييب المراحل الزمنية الطويلة التي مرت بها البشرية، ووضعت الظروف المعيشية المسايرة مع التكوين البيولوجي المكونين في مناطق عملية مختلفة؛ كل يبدع فيها بشكل أفضل وأنسب للتطور الاجتماعي وللإنسانية عامة.