فضاء الرأي

اللغة العربية وجمالية دورها السيميائي التعبيري

غوته، أشهر الكتاب والمفكرين الألمان، كان من المعجبين الكبار باللغة العربية
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بدءاً، على أصحاب الفكر والإبداع الثقافي أن لا يختزلوا تحت أي ذريعة دور اللغة كأداة للتعبير، وقول شيء يمس هموم الأمة، وأن لا يكتفوا فقط باستعراض اللغة كمجرد وسيلة ملازمة للنصوص الأدبية كالشعر والقصة والرواية، وينسوا فعل لغتهم في فضح مظالم ومعاناة شعوبهم، فتصبح اللغة وما تمتلكه في مجالها القيمي من مضامين سيميائية، لا معنى لها، ولا تستطيع أن تجسد تلك القيم بشكل دقيق وملموس... في إطار تعزيز تعدد اللغات والثقافات اعتمدت الأمم المتحدة في كانون الأول (ديسمبر) 1973 قراراً للاحتفال بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية الست في عمل الأمم المتحدة. لكن هل كان هذا القرار ينذر بانتهاء التمييز بين البشر وانتمائهم الثقافي والحضري، أو الاعتراف بحقوق الشعوب والأمم، وأهمها حق الحياة والاستقرار ومنع الحروب عليها؟

يقول العراقيون: أنصت إلى لغة والديك تجد ما يقودك إلى الحقيقة.

اللغة، هي ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي فن يعبر عن روح الإنسان وتاريخه، تنقلنا عبر الزمن وتفتح أبواب ثقافتنا بأسلوبها الفريد على مصراعيه. وإذ يقال عن العربية هي لغة الأدباء والشعراء المشعة بجمالياتها وعمقها في سماء الأدب اللامتناهي، فتراثنا الأدبي الحافل بأنسابه اللغوية القيمة والحكمة والجمال والدفء، يعكس أيضاً، المشروع التنويري لنصرة الكادحين والطبقات المسحوقة التي نالها الظلم وعانت من الاضطهاد والحروب على مدى عصور. اليوم، حينما يتساقط الدم وتتعاظم عواصف الظلام والإرهاب، تبقى الكلمات وسيلة البقاء على قيد الحياة. وعلى اللغويين أن يتصدوا بأقلامهم الحرفية لمواجهة الذي يهدد معنى الإنسانية. وعلى خطابهم الثقافي أن يتجاوز حدود الجمود، كالسيف يخترق دروب الجهل والتخلف والتستر على الحقيقة.

لا تقتصر اللغة العربية فقط على صورها والكلمات البليغة، بل تتعدى ذلك لتمتد إلى عمق الفهم والتفاعل التعبيري في مجاليه الأدبي والقيمي. تحمل في طياتها الدقة والغزارة، ما يجعلها أداة فعالة لنقل الأفكار والمشاعر بأبهى الأساليب والوضوح. وتتجلى أهمية اللغة العربية في قدرتها على حمل المعاني والتعابير العميقة. كما تمنح الكلمات حقها الكامل وتجسد الأفكار بشكل دقيق وملموس. ومن خلال تراثنا الأدبي الغني، فاللغة العربية تتمتع بأشكال وأساليب فنية وسيميائية مختلفة، أيضاً، برؤية نوعية شاملة.

في خضم هذه الصفات البعيدة المدى، فاللغة العربية جسر يربط الماضي بالحاضر، بل، الشرق بالغرب. تلاحمها مع الزمن، يعكس تجدد عظمة تأصيلها ليتلاءم مع تطور العصر وتحدياته. وفي الوقت نفسه، كيف يجد الإنسان في اللغة العربية، ليس فقط وسيلة للتعبير، بل وصفحة مفتوحة على عالم المعتقد والفن والعلم، إنها كنز عديد الأغوار والاستكشافات. وفي جمالية اللغة العربية تكمن أيضاً عبقرية الشاعر الأبدية في كيفية توظيف مفرداتها ليس في الخطاب الأدبي فحسب، إنما الجري باتجاه الحياة السياسية ومعالجة المحيط الاجتماعي وتفكيك واقعه الموضوعي والطبقي.

ثقافات عالمية متنوعة في عصور عدة، نقل كتابها وأدباؤها ومفكروها الكثير عن إعجابهم باللغة العربية وقدرتها التعبيرية في مفاصل الحياة العامة... غوته، كان من أشهر الكتاب والمفكرين الألمان، أبدى إعجابه الكبير باللغة العربية، إذ قال: "هناك شيء ملكوت في اللغة العربية، ولها قدرة على التعبير عن أفكار معقدة ببساطة فائقة"... فولتير، الفيلسوف الفرنسي الشهير أعرب عن إعجابه باللغة العربية قائلاً: "اللغة العربية هي لغة العلم والفلسفة"... إيمرسون، الفيلسوف والشاعر الأميركي قال: "اللغة العربية... تختصر المعاني بأقل الكلمات وأعظمها"... لورانس داريل، الروائي البريطاني أعرب عن تقديره للجماليات اللغوية في اللغة العربية، وكتب عنها بإعجاب في روايته "القاهرة الثلاثية".

أضيف إلى ذلك، أن اللغة العربية التي تعتبر لغة القرآن والشعر والأدب الكلاسيكي، ولها مكانة خاصة في قلوب الأدباء والكتاب العرب، قال فيها الكاتب والفيلسوف اللبناني الشهير جبران خليل جبران: "العربية لغة جميلة، والكلمات فيها كالألحان"... أحلام مستغانمي، الكاتبة الجزائرية، قالت: "اللغة العربية هي حقل زهور لا يعد ولا يحصى".. نجيب محفوظ، الروائي المصري الحائز على جائزة نوبل للأدب، وصف اللغة العربية بأنها "أرق من العاج وأقوى من الصلب"... أديب الرفاعي، الشاعر السوري الكبير، وصف اللغة العربية بأنها "لغة الطير ولحن الأمواج"... أحمد شوقي، الشاعر المصري، وصف اللغة العربية بأنها "لغة الشعر الجميل والأدب العظيم"... إلا أن عالم الإجتماع العراقي علي الوردي، كان قد وجه عام 1951 نداء وهو بصدد مفهوم "لغة الكتابة ولغة الخطابة" قال فيه: تحدثوا كما تخطبون، واخطبوا كما تتحدثون. ما أعظم هذه الناصية الفلسفية في الحياة المجتمعية لهذا الانسان المفكر، وما أعظمه من خطاب يسابق الزمن ويتصدى للجمود.

لعلنا، ونحن نرتوي من جوانب الإعجاب باللغة العربية، سواء كانت تعبيراً عن روعة الألفاظ أو تقديراً للتراث الأدبي الغني الذي قدمته اللغة العربية على مر العصور، وقد رأى الكتاب والأدباء للغة العربية لونا خاصاً وصوتاً جميلاً يعكس تاريخاً وحضارة لن تتوقف عند حدود أو أزمنة، نتساءل، ما قيمة لغة الأدب لدى بعض المثقفين المتباهين العرب، إذا لم يحسنو فعلها وفي الضفة الأخرى تقف، كل مآثر اللغة، أية لغة، عاجزة أمام وحشية الحروب وقتل الإنسان بهمجية مفرطة. ولم يبق إلا لغة الصمت، وهو "فعل" أقوى من اللغة ذاتها عندما يصبح النص الأدبي "مأساة" أمام آلة الحرب والقتل الهمجي، حيثما تندثر لغة الكلمات للتعبير عن قيم الحياة والإنسانية في زمن العقبات الظلامية والقتل والدمار.

ولعلي أختم بقول محمود درويش، الشاعر الفلسطيني الراحل، الذي تنبثق كلماته في عمق لغتنا العربية كالنبع في صحراء العقول المحاصرة بالجفاف، تحمل في طياتها، قيماً ووعياً ثقافياً يهزم التشويش ويعيد كالرياح العاتية للذاكرة أصل القضية: "اللغة العربية هي جوهر الهوية، ولون الأحلام، ورنين الحرية".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
كفى استخفاف بعقول الناس
قول على طول -

من قال أن اللغه العربيه مقدسه ونزل بها القران الكريم ؟ اللغه العربيه كان يتكلم بها العرب قبل القران ..وهل القران نزل من السماء مكتوب باللغه العربيه مثلا أم كتبه البشر و بلغة أهل قريش ؟ وحكاية أن القران نزل بالعربيه هذا يؤكد عجز القران وعجز ربكم على التواصل مع البشر ..بما أن الدين ينزل لكل البشر اذن المفروض أن يكلم كل البشر أو على الاٌقل يمكن ترجمته الى اللغات الاخرى . يتبع

تابع ما قبله
قول على طول -

واللغه العربيه هى احدى اللغات الساميه ومسروقه من السريانيه والعبريه وبها كلمات كثيره دخيله عليها من الفارسيه وغيرها . وسمعت الكثير من المخبولين الذين يؤكدون أنها لغة أهل الجنه ..وكأن ربكم لا يعرف اللغات وربما يحتاج الى مترجم . والمصيبه الكبرى أن ربكم لا يقبل الصلاه الا بالعربى ..والبعض يصدقون هذا الكلام والمسلمون غير العرب يصلون بالعربى ولا يفهمون حرفا واحدا مما يقولونه ..ومازالوا يصرون على ذلك . يتبع

تابع ما قبله
قول على طول -

وهل سمعت عن أى بلد تقول أن لغتنا غير محببه الينا أو لغتنا غير جيده ؟ يا عم الكاتب أى مواطن يحب لغة بلده ويعتقد أنها الأفضل ..بالمناسبه هل اللغه العربيه تصلح للعلم فعلا كما تقول حضرتك أنها لغة العلم ؟ بالمناسبه فان اللغه العربيه تختلف فيها المنطوق عن المقروء وهذه نادره سيئه لا تحدث الا فى اللغه العربيه ..ناهيك عن اختلاف اللهجات العربيه لدرجة أن الشامى لا يفهم المصرى والخليجى يتكلم عربى غير مفهوم بالمره وليس له علاقه باللغه العربيه وخاصة المكتوبه ..لا تنسى أنها لا تقرا الا بالتشكيل والتنقيط والنحو وهذا ما أضافه اليها سيبويه والفراهيدى وغيرهما - القران كان بدون تنقيط أو تشكيل - فى النهايه تأكد أننى لست ضد أى لغه بل أرفض الاستخفاف بعقول الناس وأرفض التهويل والتمجيد الفارغ .