هل تحققت نبوءة السياب؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"كل عام حين يعشب الثرى نجوع
ما مر عام والعراق ليس فيه جوع
مطر، مطر، مطر" (بدر شاكر السياب)
يستهزئ فقراء العراق من سِير الأقدمين التي كانت تخبرهم أن لا جوع في أرض الرافدين، وهم يسمعون أنين جوعهم وصراخ فقرهم اليومي. جيّاع العراق يعيشون على أرض تطفو فوق بحار النفط والثروات الطبيعية، وفي بلد يملك ثاني أكبر احتياطي من النفط في العالم، فيما يلتقط العالم صوراً لفقرائه وهم يبحثون بين أكوام الطمر الصحي ومكبات النفايات عما يشبع جوعهم أو يُسكت أنينهم.
فقراء العراق الذين ازداد بجوعهم ثراء اللصوص والسُرّاق، فبتنا نراهم يقتنون أحدث الموديلات من السيارات الحديثة وأرقى الشقق في أنظف الأماكن.
كم هو ملعون هذا الزمن ومؤلم حين تنقلب المعادلة، ونتصور أن مدينة مثل البصرة لا تعرف طعم الماء الصالح للشرب، مع أنها الأرض التي يعتاش من إيرادها العراق ودول مجاورة وأخرى بعيدة من نفطها.
لا يدرك فقراء العراق أن نفطهم، الذي بدأ اكتشافه عام 1927 في مدينة كركوك من حقول "بابا كركر"، سيكون نقمة حياتهم ويجعل أيامهم جحيماً، يطمع بهم أعداء الداخل والخارج.
جوع الفقراء الذي تحدّث عنه السياب في قصيدته التي كتبها عام 1953، بالرغم من أن العراق كان آنذاك بلداً زراعياً يفيض فيه نهري دجلة والفرات، إلا أن القصيدة كانت تسرد حكايا وقصص لفقراء العراق التي لم تنته منذ تأسيسه عام 1921، وتحوله من حكومات الملكية إلى الجمهورية التي تعمدت تجويع الشعب وإفقاره، وكأن السلطة تريد أن تخبر فقراءها أن لا مكان لهم في هذه البقعة من الأرض، وانه كان من الأفضل لهم لو كانوا لصوصاً أو سُراقاً.
دائماً ما تُبشّر الحكومة فقراءها بأيام عِجاف قادمات من خلال ضرائب جديدة وغلاء فاحش، وليذهبوا حيث يموتون جوعاً فلن يرحمهم أيُّ راحم ولن يعطف عليهم أيُّ ماسك للسلطة، المهم أن يكون النظام السياسي محفوظاً من الشر وشروره.
صُمّتْ الآذان، خرست الألسن، جفّت الأقلام، ورُفعت الصحف، فلم تعد صرخات استغاثتهم تجدي نفعاً لأنهم ببساطة ليسوا "الكتلة الأكبر" التي تتشكل منها الحكومة وعناوينها، وتتذكر فيهم قسوتها وفشلها وحتى فسادها.
قصص البؤساء الذين تحدث عنهم فيكتور هوغو في قصته، ربما يكون فقراء العراق أكثر بؤساً منهم، لأنهم يتجرّعون ذلك الصبر الغريب والنادر الذي تصنعه سنين الصبر والألم والحسرة.
فقراء العراق الذين يعيشون في مشهد مشوه عكس المألوف وغير اعتيادي، في مفارقة أن كل شيء في العراق يسير بالمقلوب، تصنعها سخرية الأقدار ببلد ثري يعيش فقراؤه عكس اتجاه عقرب الساعة، إذ كلما ارتفعت أسعار النفط، ازدادت حياتهم بؤساً وفقراً في نكتة لا تجد من يضحك على أحداثها.
بلد أصبح فاسدوه ولصوصه يتحدثون بالمليارات وأموال في خزائنهم أكثر من ميزانيات دول مجاورة، في حين يُخيّم الفقر ويتسلل إلى فقراء يبيعون أعضاء من أجسادهم أو أحد أبنائهم من أجل أن تستمر حياتهم البائسة، فهل هناك مشهد مقلوب أكثر من ذلك؟