العرب وإرهاب النظام الإيراني... أزمةٌ لها جذور (1)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إيران دولة معاصرة من دول المنطقة، لا يمكن إغفال دورها ووجودها كامتداد لإمبراطورية سابقة تتنافس في محيطها مع تركيا، التي تمثل بدورها امتداداً للإمبراطورية العثمانية، ومع العرب أيضاً، لكنَّ صراعها مع العرب بات صراعاً معلناً بعد أن أصبح شاه إيران المخلوع شرطياً مطيعاً للغرب متسلطاً بوضوح على العرب في المنطقة بسبب أهميتها للغرب الذي كان يدعم ويحمي نظام الشاه مقابل ما يمارسه على العرب من ضغوط تخدم في أدنى درجاتها مصالح الغرب، إلا أن حراك الحركة الوطنية الإصلاحية الذي قاده الزعيم الراحل محمد مصدق في إيران كان أكبر مما توقعه الغرب، بالرغم مما أحاكوه ضد مصدق من مؤامرات، وأصاب الغرب والشاه معاً الغرور سبعينيات القرن الماضي، فتعاظم طغيانه بإعلان نظام الحكم في إيران نظاماً دكتاتورياً مطلقاً بسياسة إكراه وخطاب فج، الأمر الذي انتهى بثورة شعبية وطنية تعاظمت هي الأخرى في مواجهة طغيان الشاه وأسقطته.
كان من الصعب على الغرب أن يفقد مصالحه الاقتصادية والسياسية الكبيرة في إيران التي تجاور الاتحاد السوفياتي من جهة والعرب من جهة، لذا كان اختيار الغرب لـ"خميني" وجماعته الخيار الأنسب لهم، ولعدة أسباب منها القضاء على الحراك الوطني داخل إيران، إذ لم يكن ملالي إيران على وفاق مع الخط الوطني الإيراني، والدخول في مواجهة مع الشيوعية في الجوار، وكذلك الدخول في مواجهة وصراع محتدم مع العرب يكون الفكر الديني والطائفي وقودها وتكون القدس إحدى شعارات المرحلة؛ ولأجل ذلك تحرك خميني الذي كان يقيم في العراق وبعض مرافقيه إلى الكويت من جهة العراق ورُفِض دخوله إلى الكويت فعاد أدراجه إلى بغداد بحجة البحث عن دولة أُخرى تستضيفه وحجز تذاكر سفر إلى فرنسا بحجة أنها كانت تستقبل الإيرانيين آنذاك بدون تأشيرة دخول مسبقة، ليعود خميني بعد دخوله فرنسا بعدة أشهر إلى إيران على متن طائرة فرنسية ويكون سلطاناً جديداً على إيران بدعمٍ غربي بعد أن تسلق على الثورة الوطنية الإيرانية، وهمش ونحى جانباً كافة الأطراف السياسية التي لا تتماشى مع مخططاته ويُعلن قيام جمهورية إسلامية لا تحمل من الوصف إلا اسمه، وبالتالي سقط الشاه ولم تسقط الدكتاتورية ولم ينتهِ عصر الطغيان، وقامت الجمهورية ولم يكن فيها حريات ولم تقم فيها ديمقراطية ولم ينتج عن ذلك سوى أمرين، الأول حكماً لخميني وفرقته والثاني ضمان مصالح الغرب، وبالنتيجة عاد شرطي الغرب من جديد إلى المنطقة وهذه المرة بعمامة وعباءة وعصى يلوح بها من بعيد للاتحاد السوفياتي وتركيا ويهوي بها على العرب.
بداية صراع الملالي مع العرب
نظامُ حُكم الملالي نظامٌ ثيوقراطي شمولي أُحادي الرؤية يتخذ من الدين والمذهب شعاراً لبلوغ غاية السلطة غير آبهٍ؛ حتى لو ذهب الدين والمذهب ضحية لذلك، وكانت أول مواجهاتهم وأول ضحاياهم مع المسلمين الحقيقيين وخاصة الشيعة في إيران كما حدث لمنظمة مجاهدي خلق وأنصارها ومجازر الإبادة الجماعية الباطلة التي أقيمت بحقهم أو التسبب في مقتل قادة وعلماء عراقيين شيعة ومن ثم البكاء عليهم؛ ولقد أراد خميني وجماعته قيادة الشيعة في المنطقة والعالم وحرص على أن لا تكون شخصية شيعية أخرى تتصدر الموقف حتى ولو كان ذلك بوجه حق وقد كان هناك علماء الشيعة من يتقدمون عليه علماً وخصالاً، لكنه كان يخشى أن يُظهر وجودهم ضعفه، وعدم صدقه، وسوء توجهه، وبعد القضاء على خصومه أو تحييدهم كان التوسع نحو قيادة العالم الإسلامي برفع شعار تحرير فلسطين ويوم القدس العالمي وسعيه إلى هدم منظمة التحرير الفلسطينية لعدم خضوعه للامتثال تحت رايته والوقوف سياسياً إلى جانب العراق في حرب السنوات الثماني، وعلى إثر ذلك سعى خميني ونظامه إلى ضرب الفلسطينيين وقتلهم في لبنان، ورفض الإفتاء بحرمة الدم الفلسطيني المُراق في لبنان، ومن ثم عمل على شق صفوفهم في الداخل الفلسطيني.
كان لخميني ومشروعه بعد الاستيلاء على الحكم وثورة الشعب في إيران حلفاء؛ ثلة من المخدوعين به في العراق ومثلهم نسبة في لبنان من خلال خطابه المذهبي الفتان، أما نظام الأسد فقد كان حليفاً قوياً له آزره مؤازرة كاملة في حربه على العراق؛ تلك الحرب التي كانت خطوة انطلاقته نحو تحقيق مشروعه بالمنطقة وشمال أفريقيا حيث سعى إلى مد إمبراطوريته إلى دول شمال وغرب أفريقيا لإعادة أمجاد الدولة العبيدية، وما أن يتحقق له ذلك يصبح إمبراطورًا ملك الجزيرة العربية بمقدساتها وساد على العرب وأفريقيا، وبالتالي لن تكون تركيا عصية عليه بعد هذا المجد، ولكن العراق الذي تصوروه لقمة سائغة وأن احتلاله مجرد نزهة سويعات ويسقط في أيديهم وتتوالى بعد سقوط أحجار الدومينو تلقائياً حتى يصل إلى لبنان والأردن ومن ثم ينطلق عبر سوريا ولبنان إلى شمال أفريقيا محطته الثانية ويؤجل تحرير فلسطين إلى أجل غير مسمى فتحريرها مشروع العرب ومسلمين آخرين وليس مشروعه وإن بات للعرب والأتراك من شأن فليحرروها فيما بعد.. بدليل أنه بعد هيمنتهم على العراق بعد احتلاله في عام 2003، وبات العراق في أحضانهم، لم يحرروا فلسطين ولم يبق للقدس سوى الشعار الذي فرغ من محتواه أيضاً... ولم يفعل ملالي إيران شيئاً في العراق يتعلق بفلسطين بعد عام 2003 سوى أنهم قتلوا ونهبوا وشردوا الفلسطينيين المقيمين بالعراق والمنظمات الدولية شاهدة على تلك الأحداث وعلى غيرها أيضاً.
أربع دول عربية ودولة إسلامية في مرمى نيران الملالي
ركيزة الصراع بين الصفويين الجُدد ملالي إيران والدول العربية وتركيا وأغلب باقي دول العالم الإسلامي ركيزة سلطوية يُدار من أجلها صراعٌ بدأه الملالي منذ عام 1979 وسيكون خطابه خطاباً طائفياً شوفينياً كي يتمكن من تعبئة البسطاء خلف الخليفة الجديد ومشروعه، والدول الواقعة في هذا الصراع كأهداف هي أربعة دول عربية رئيسية وهي العراق &- الأردن &- السعودية &- مصر، بالإضافة إلى الدور المحوري لإيران وتركيا كدولتين قادتا العالم الإسلامي لمئات السنين وترى كلٌ من الدولتين وخاصة نظام الملالي في إيران أنها صاحبة الحق التاريخي في حكم العالم الإسلامي...، وما يسعى إليه اليوم الملالي اليوم هو الهيمنة على العالم العربي من خلال الهيمنة على الدول العربية الأربع، وتأتي تركيا كهدفٍ للملالي في نهاية المشروع؛ فالصراع الصفوي العثماني القديم باقٍ ولم ينته، ووفقاً لعقيدة الملالي فإن إسقاط واحتلال العراق سيعيد الدولة الصفوية إلى الواجهة وسيمكنها من تركيا بعد احتلال الأردن والسعودية، وإخضاع مصر والهيمنة عليها ضمن مشروع الدولة العبيدية وهو مشروع كان قائماً في ثمانينيات القرن الماضي وكانت سوريا وليبيا حينها جزءاً هاماً مسانداً لفكرة المشروع؛ بعد الهيمنة على العراق والسعودية والأردن ومصر يكون خضوع باقي الدول العربية تحصيلٌ حاصِل خاصة أن سوريا ولبنان واقعتين تحت سيطرة النظام الإيراني (نظام ولاية الفقيه أو كما نسميه هنا بـ نظام الملالي) ، وتبقى مسألة الهيمنة على تركيا المعاصرة في حينها في تلك الفترة أمرٌ قاب قوسين أو أدنى وإن حدث فقد يتخلى الغرب عن تركيا لصالح الصفويين الجدد ذلك لأن الغرب الذي لن ينسى هيمنة العثمانيين على أوروبا لا يرى في تركيا حليفاً بل أداةً، وأما من ناحية تركيا ذات الامتداد العثماني السُني لن تصمد طويلاً في صراعها مع الصفويين بدون محيطها العقائدي في شبه الجزيرة العربية ومصر وأفريقيا، الذي في حال وقوعه في يد نظام ولاية الفقيه، تكر السبحة، ولذلك لا يمكن للملالي الدخول في صراع مباشر ومبكر مع تركيا دون توسيع نفوذهم في المنطقة بالتعاون مع الغرب، ووفقاً لما أسلفنا أعلاه فإنَّ ملالي إيران ومنذ قيام سلطانهم كان هدفهم التمدد في المنطقة، ولولا صمود العراق في وجههم لكانت المنطقة اليوم خاضعة بمجملها تحت الحكم الصفوي الكهنوتي.