فضاء الرأي

من يكتب المقالات؟

الكاتب الحر، وفي كل كتابة جديدة، تلمس لديه إبداعاً جديداً وفكراً إبداعياً جديداً ورؤية متجددة وتفاؤلاً غير محدود
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

هناك فرق كبير بين كاتب مأجور يكتب لمصلحة جهة معينة، وكاتب حر يكتب ما تمليه عليه المصلحة العامة. والفرق أيضاً محلوظ بالنسبة إلى القراء، فمعظم القراء يشعرون بالصدق والمصداقية في كتابات الكاتب الحر غير المنتمي لهذه الجهة أو تلك، ويمتعضون من صاحب القلم الرخيص، وقلما يوجد من يقرأ له بكل حال. وسأعرّج على بعض الفوارق المهمة التي يتحسسها كل ذي لب بين الكاتب المستقل الحر الذي يكتب بثقة وبضمير حي دون التمجيد والتهليل لأي كان، وبين الذي لا يهمه أي عنوان سياسي أو ديني أو أجتماعي. بين الذي يكتب من قلبه وإحساسه لرفع درجة الوعي والثقافة بين الناس، ويبتعد عن المغالاة والتطرف في كتاباته، وبين الكاتب الذليل التابع الذي يدور في نفس الدائرة في جميع مقالاته، لا يحيد عن المدح والتبجيل لهذا أو ذاك، ولا يتراجع عن الذم والنقد لمن يختلف معه، وكأن كلماته رصاصات حقد.

معظم القراء يستمتعون بقراءة الكلام الصادق النافع، ويتجنبون قراءة كتابات من يأتمر بغيره. الكاتب الحر عندما يكتب، فهو حر في اختيار المواضيع التي يتناولها في كتاباته أو مقالاته، وهو حر في التعبير عن وجهة نظره، وغير مقيد بنص ولا بثوابت، ولا يضطر أن يذكر فلاناً أو علاناً ويجعلهم رموزاً له، فالحرية في الكتابة لها طعم خاص مختلف كلياً عن حرية الملبس والمأكل وحرية الدين أو المذهب أو حرية السلوك أو أي حرية أخرى. حرية الكتابة هي ثمرة العقل الحر، ونكهة الحرية في الكتابة أنك تحاور عقولاً حرة، بينما في الطرف التابع فالكاتب المقيد بجهة معينة يحاور العقول المقيدة مثله، وكأنما يترجم الآية القرآنية (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ)، فالطيور على أشكالها تقع.

إقرأ أيضاً: ليست مسرحية

الكاتب الحر، وفي كل كتابة جديدة، تلمس لديه إبداعاً جديداً وفكراً إبداعياً جديداً ورؤية متجددة وتفاؤلاً غير محدود، وهو ما يستحيل أن تجده عند الكاتب المأجور، إذ بماذا يبدع؟ فهو مجرد جهاز لترديد ما يقوله سادته وأولياء أمره. وفي الحقيقة، أستشعر شخصياً الكاتب الحر غير المنتمي من عنوان المقال الذي ينشره، سواء في الصحف أو في وسائل التواصل الاجتماعي، وأستشعر نقاوة أفكاره منذ الأسطر الأولى لمقالاته، ولست وحدي من يستشعر هذا الفارق، فالكثيرون لديهم نفس الإحساس، وأيّ مقال منشور لكاتب مأجور لا أطيق تكملته، لأن كلماته لا تتعدى المديح والذم، بينما أتسلى بقراءة مقالات الكاتب الحر وتكرار قراءتها، وأتمتع بفضاء الحرية التي يقودني إليها. إنها الحرية يا ناس؛ إنها جمالية العقل؛ إنها الكلمات المختارة بعناية وبدقة وإنسيبابية وترابط في حروفها، وهي لم تصل صدفة للقارىء، فقد خرجت من رحم المعاناة وقطعت شوطاً طويلاً من التفكير لتكون بين يدي القارىء.

إقرأ أيضاً: الترابط بين حرب أوكرانيا والحرب في منطقتنا

معظم الكتاب لا أعرف صورهم الحقيقية، ولكن كتاباتهم تظهر لي صورهم الحقيقية وكأني أراهم من خلال مقالاتهم، فمنها أرى بشاعة صورهم لأنهم لم يحفظوا لأنفسهم قيمة عندما قرروا أن يكونوا بضاعة رخيصة لغيرهم، ومنها أرى جمالية صورهم لأن نفوسهم أبت أن تشرى أو تباع، فهم ذوات نفوس عزيزة لا يكترثون للرموز ولا لأصحاب النفوذ، وهم في الحقيقة حلاوة الثقافة وطعمها، وهم الإضاءات التي يهتدي بها كل عابر سبيل.

لقد عودتنا الحياة أن نجد في كل نتاج السيء والحسن، وكالعادة، للسيء أصحاب يسد حاجتهم ويرضي عقدهم، وللحسن عشاق يثمنون قيمته، ومن الصعب جداً على أصحاب العقول المتخلفة أن يفهموا معنى الشيء الحسن، وإلا ما اختاروا الشيء السيء ولا استمعوا إلى الكلام الوضيع ولا سلكوا درب السيئين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف