الدولة في فكر الشهيد الحكيم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أصبحت التنمية في عالمنا اليوم، ركيزة أساسية لتطور البلدان وازدهارها، فهي ليست مجرد عملية اقتصادية جامدة، إنما تشمل أبعاداً اجتماعية وثقافية وسياسية.
كما أنها ليست ترفاً، بل صارت ضرورة حتمية، تساهم في تحقيق التقدم والاستقرار للدولة والمجتمع، فهي القوة التي تحرك المجتمعات وتدفعها، وتنقلها من الركود إلى حالة من الديناميكية المستمرة.
عندما تكون التنمية متوازنة في مختلف القطاعات، تزداد قدرة الدول على اتخاذ قراراتها باستقلالية، ما يقلل من التبعية للخارج. الدول المتقدمة في الرباعية التنموية (الصناعة، الزراعة، التعليم، والتكنولوجيا) تتمتع باستقلالية أكبر على قراراتها الوطنية، وهذا من ضروريات السيادة التامة.
في هذا السياق، تبرز ركائز التنمية، التي في مقدمتها الهوية الوطنية، لأنها ليست مجرد شعارات انتخابية، بل هي شعور بالانتماء المشترك، يتجسد في القيم والتقاليد والثقافة الوطنية. إظهار هذه الهوية يعزز التماسك الاجتماعي، ويوحد الأفراد تحت مظلة واحدة، مما يخلق بيئة مواتية لتحقيق التنمية.
كما لا يمكن إغفال دور الشرعية، حيث تعنى بالاعتراف المجتمعي بقبول النظام السياسي القائم. عندما يتمتع النظام بالشرعية، يزداد استقراره وقدرته على مواجهة التحديات، بمختلف مصادرها التاريخية والشعبية والشرعية الدستورية. النظام الذي يفتقد إليها غالباً ما يلجأ إلى وسائل القمع والاستبداد، مما يؤدي إلى اضطرابات داخلية تنتهي بسقوط النظام.
أما قدرة النظام على الوصول إلى مختلف شرائح المجتمع وفهم احتياجاتهم، فهي التواصل والقدرة على التغلغل بين طبقاته. فعندما تضعف هذه القدرة، تنشأ فجوة بين النظام والشعب، مما يؤدي إلى الانفصال بين الطرفين. هذا التباعد، خاصة في المجتمعات ذات التركيبة القبلية أو الطائفية، يُسهم في تضخيم الشعور بالحرمان وعدم العدالة.
اندماج الجماهير في النظام السياسي يُعد عنصراً محورياً لتحقيق التنمية. كلما تشعبت القرارات من داخل المجتمع، زاد شعورهم بالانتماء الوطني. ولتحقيق هذه الركيزة، يتعين توفير التعليم السياسي، وتمكين المشاركة في الانتخابات، وتعزيز العدالة الاجتماعية من خلال تقليص الفجوة بين الطبقات.
يبقى التحدي الأكبر هو أزمة توزيع الثروات. التوزيع غير العادل يفاقم الفجوة بين الطبقات، مما يولد حالة من السخط والغضب الشعبي، ويُنتج الأحقاد تجاه رجال الحكومة، ما يؤدي إلى سقوطهم.
السؤال: من يحقق التنمية في البلدان التي تشهد تحولاً ديمقراطياً؟
إقرأ أيضاً: الرهان على الفوضى
من رحم معاناة الشعوب، يولد القائد المقاوم، القادر على قيادة الأمة نحو التغيير. ليس مجرد زعيم سياسي، بل مُلهِم شعبي يحمل رؤية استراتيجية شاملة، ويمتلك القدرة على تحويل الآلام إلى آمال. هذا القائد يوازن بين التنظير والعمل الميداني، بين الفكر والجهاد، فيجمع بين الحكمة والقدرة على التنفيذ.
هكذا كان الشهيد محمد باقر الحكيم (قدس)، الذي شكّل مثالاً حياً للقائد المفكر. كرّس حياته لمواجهة الدكتاتورية، وسعى إلى بناء عراق عادل، يضمن حقوق جميع العراقيين. مشروع الحكيم كان مشروعاً وطنياً شاملاً، هدفه بناء دولة مستقلة وقوية داخلياً وخارجياً.
اغتيال شهيد المحراب (رضوان الله عليه) لم يكن حدثاً عابراً، بل كان استهدافاً لمشروع وطني بأكمله. توصيفه لرؤيته بقوله: "النجاة هو التمسك بطريق المرجعية"، اختزل فيه أسس بناء الدولة الحديثة.
القوى المعادية للعراق أدركت خطورة وجود قائد من طراز الحكيم، قادر على توحيد العراقيين وبناء دولة مستقلة. هذا الأمر أثار قلق الأنظمة المحيطة التي تعيش في حالة من الهشاشة السياسية والتبعية للغرب.
إقرأ أيضاً: من الدبلوماسية إلى السوقية
لقد خافت هذه الأنظمة من فكرة عراق مزدهر ومستقل، يمكن أن يشكّل نموذجاً يُحتذى به للشعوب الأخرى في المنطقة. وجود دولة قوية يقودها زعيم حكيم مثل محمد باقر الحكيم كان من شأنه أن يهدد بقاء الأنظمة الملكية، وربما يحفز شعوبها على المطالبة بحقوقها.
لهذا، كان اغتيال الحكيم الحل الوحيد الذي رأته القوى المعادية. أدركوا أن استمراره في القيادة سيُفضي إلى ولادة دولة قوية مستقلة، تفرض نفسها كلاعب رئيسي في المنطقة، وتكسر حالة التبعية التي تعيشها بعض الدول المجاورة. باستشهاده، افتقد العراق قائداً حكيماً قادراً على توجيه البلاد نحو الاستقلال الحقيقي، وفتح الباب أمام تدخلات أجنبية، وأدخل البلاد في دوامة من الفوضى والدماء.