فضاء الرأي

مانع سعيد العتيبة… شاعرٌ يعبر إليك من نافذة القصيدة

الشاعر الإماراتي مانع سعيد العتيبة
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لم أكن أتوقّع أن ألتقي شاعرًا يُغيّر نظرتي للعالم العربي من خلال بيتٍ واحد، أو أن أجد في غريبٍ عن بلدي صدىً أكثر دفئًا من أصوات القريبين.

في عام 2000، وبينما كنت طالبًا جامعيًّا، بلغني أن الدكتور مانع سعيد العتيبة سيلقي أمسية شعرية في قصر الأونيسكو ببيروت. لم أكن أعرف عنه سوى اسمه، لكن الخبر شدّني، والفضول ساقني.

بدأت أبحث — لا بمحركات ذكية، بل بما تيسّر من مقالات وكتب — فوجدت شاعرًا لا يشبه سواه: ابن الصحراء الذي ارتقى ببلاده على منبر الشعر، وصوت الخليج الذي خاطب المشرق بلغة القلب.

ذهبت إلى الأمسية مدفوعًا بشوقٍ غامض، وعدت منها بشغفٍ دائم.

لم يكن يلقي القصائد فحسب، بل كان يُنشد ذاته، يبوح بتجربته، ويُحاور الجمهور بلغته الحقيقية: الشعر.

شعرت، وأنا أستمع إليه، أنّ شيئًا في داخلي كان ينتظره منذ زمن.

بين بيتٍ وآخر، تبيّنتُ أن الشعر لا يعرف حدودًا جغرافية، وأنّ الانتماء الحقيقي هو للنبض الإنساني.

وكان لبنان حاضرًا في شعره لا كوجهةٍ أو ذكرى، بل كوطنٍ يسكن وجدانه:

بيروتُ، جئتكِ حاملاً صحرائي في مقلتيَّ وجبهتي السمراء

طال الغيابُ المرُّ فيما بيننا واشتاقت الأشعارُ للقرّاء

فالشعرُ أنتِ، قديمُه وحديثُه، والحبُّ أنتِ، الحبُّ للشعراء

بيروتُ، جئتكِ عاشقًا ومقدِّمًا قلبي وصدقَ مشاعري وولائي

قرأ هذه القصيدة في تلك الأمسية، وكان الجمهور مأخوذًا، صامتًا، إلّا من نظرات الامتنان والإعجاب.

أما أنا، فكنت أتمتم في داخلي: "يا ليت أبناء لبنان يقولون فيه ما قاله مانع العتيبة."

منذ ذلك اليوم، صرتُ أقرأ قصائد العتيبة لتلاميذي في حصص المطالعة.

أردتُ لهم أن يعرفوا أن الخليج لا يكتب عن نخيله فقط، بل عن جبال لبنان وناسه وحنينه إليه.

أردتهم أن يسمعوا صدى بيروت من شاعر عربيّ لم يكتب عنها بواجب سياسي، بل من حبٍّ صادقٍ لا يصدأ.

إنَّ الاستماع إلى العتيبة في تلك الأمسية شكّل لحظة فارقة في حياتي.

فقد شعرت أن الشعر لا يزال قادرًا على بناء الجسور، وأن المثقف العربي الأصيل هو من يحمل أوطان الآخرين في قلبه لا في أوراقه الرسمية.

واليوم، بعد أكثر من عقدين، أكتب هذه السطور لا من باب الحنين، بل من باب الوفاء.

وفاء لشاعرٍ غيّر فيّ شيئًا، وأشعل في داخلي فكرة أن القصيدة قد تكون وطنًا بديلًا، وصوتًا يربط بين البعيد والقريب.

مانع سعيد العتيبة ليس شاعر الإمارات فقط، بل شاعرُ العرب جميعًا.

هو من أولئك الذين تتجاوز قصائدهم الزمان والمكان، وتظلّ حيّة في القلب، لأنهم يكتبون بصدقٍ، ويحبّون بصدق

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف