"سهم" من قوة انضباط إلى مصدر اضطراب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
في المشهد المعقد الذي تعيشه غزة، تبرز وحدة "سهم" التابعة لحركة حماس ككيان مثير للجدل، إذ يبدو أن صورتها المعلنة كجهة مسؤولة عن حفظ النظام باتت تتناقض مع ممارسات ميدانية تنطوي على عنف ونهب.
ويثير هذا التباين بين الشعارات والأفعال تساؤلات عميقة حول طبيعة هذه الوحدة، وأهدافها الحقيقية، ومدى انعكاسها على استقرار المجتمع المحلي خاصة بعد انخراط بعض عناصر الوحدة في ممارسات تتجاوز مهامهم الرسمية، إذ يقومون بمصادرة المؤن والمواد الغذائية ليس لتوزيعها على المحتاجين كما يُفترض، بل لاستخدامها الشخصي أو بيعها لتحقيق أرباح.
ولا شك أن هذه الممارسات تترك أثرًا سلبيًا مباشرًا على ثقة السكان، وتفتح الباب أمام نزاعات داخلية لم تكن مألوفة بهذا الحجم من قبل، لكن ما يزيد من خطورة الوضع هو أن نشاط الوحدة لا يقتصر على المجال الاقتصادي أو الموارد، بل يمتد إلى أعمال عنف ميدانية ألحقت الأذى بالمدنيين الأبرياء، وأحيانًا وصلت إلى حد القتل.
ربما أسهمت هذه التجاوزات، التي وثقتها شهادات متعددة، في إشعال غضب واسع بين الأهالي لدرجة تحولت فيها النقمة الشعبية إلى مواجهة علنية في بعض المناطق، وربما أيضا لم يعد الاحتقان الشعبي مجرد تذمر صامت أو شكاوى متفرقة بل تطور إلى احتكاكات مباشرة بين عناصر "سهم" وسكان محليين، وهو ما أدى في حالات معينة إلى اندلاع اشتباكات عنيفة، ودخلت بعض العشائر الغزية على خط المواجهة مستهدفة عناصر الوحدة، ونشرت أسماءهم على قوائم "المطلوبين"، في مشهد يعكس حجم الشرخ الذي أصاب العلاقة بين هذه القوة والسكان.
ويبدو أن هذه المواجهات لم تأتِ من فراغ، فالتراكمات السلبية لسنوات وفقدان الثقة المتصاعد جعلت من أي حادثة جديدة شرارة لإشعال الوضع، وبالأحرى، فإن العلاقة بين "سهم" والمجتمع المحلي دخلت مرحلة حساسة، حيث يختلط فيها البعد الأمني بالاقتصادي، وتتداخل الاعتبارات السياسية مع الغضب الشعبي.
كما يبدو أن صورة الوحدة أمام الرأي العام تمر بأسوأ مراحلها، خاصة مع تنامي الإحساس بأنها تمارس "لعبة مزدوجة"، فمن جهة تظهر كحامية للنظام، ومن جهة أخرى ينسب إليها دور في نشر الفوضى عبر أعمال النهب والعنف، ويضعف هذا التناقض شرعية أي إجراءات أمنية تتخذها ويجعلها عرضة للتحدي العلني.
وبالتأكيد لا يمكن تجاهل أن استمرار هذا المسار سيؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار الداخلي، فالتوترات بين الوحدات المسلحة والسكان غالبًا ما تكون لها انعكاسات أوسع على المشهد الأمني العام، وربما تفتح الباب أمام صراعات داخلية يصعب احتواؤها إذا فقدت السيطرة على الأرض.
وربما ما يزيد الأمر تعقيدًا أن هذه التطورات تأتي في سياق اقتصادي واجتماعي هش، حيث يعاني السكان من ضيق الموارد وارتفاع الأسعار وتراجع فرص العمل، لذلك، فإن أي استحواذ غير مشروع على الموارد من قبل جهة يفترض أن تحميها، يُنظر إليه كاستفزاز مباشر للأهالي واعتداء على لقمة عيشهم.
أيضا يعود جزءًا من الأزمة إلى غياب آليات رقابة ومحاسبة واضحة على أداء الوحدة، ما يفتح المجال أمام أفرادها للتصرف دون رادع حقيقي، ويجعل هذا الفراغ في المساءلة من الصعب ترميم الثقة المفقودة، ويغذي الانطباع بأن الانتهاكات لن تتوقف في غياب إصلاحات جذرية.
لذلك فإن إعادة بناء الجسور بين "سهم" والسكان تتطلب أكثر من مجرد تصريحات تهدئة، بل تحتاج إلى خطوات ملموسة، مثل إعادة هيكلة الوحدة، وضبط سلوك عناصرها، وضمان شفافية في تعاملها مع الموارد. فالسكان، كما يبدو، لم يعودوا يقبلون بالوعود وحدها، بل ينتظرون أفعالاً تثبت حسن النية.