إيران بين فخّ النووي وذاكرة المجازر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في 18 من أيلول (سبتمبر) 2025، كشف محسن منصوري، معاون الشؤون التنفيذية في حكومة إبراهيم رئيسي، حقيقة صادمة ظلّ النظام يموّهها لسنوات. فقد اعترف بأن عدد ضحايا جائحة كورونا حتى نهاية حكومة روحاني بلغ نحو 700 ألف شخص، بينما كانت الأرقام الرسمية المعلَنة لا تتجاوز 91 ألفاً و785 ضحية. هذا يعني أنّ النظام أخفى الحقيقة بواقع يزيد على سبع مرات ونصف. لم تكن هذه مجرد كذبة عابرة، بل سياسة ممنهجة تعكس عقلية سلطة تعتبر بقاءها مرهوناً بالمجازر.
كورونا… من مأساة إلى "فرصة"
المرشد علي خامنئي قال يومها عبارته الشهيرة: &"المصيبة تتحوّل عندنا إلى نعمة، والتهديد إلى فرصة&". وعلى هذا الأساس حظر استيراد اللقاحات الأميركية والبريطانية في كانون الثاني (يناير) 2021، بينما كان العالم قد توصّل إلى لقاح ينقذ الملايين. كان ذلك بمثابة أمر بالقتل الجماعي للشعب الإيراني، واستخدام الوباء كجدار يقي النظام من موجة الانتفاضات الشعبية التي بدأت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019. لكن دماء الضحايا تحوّلت إلى وقود إضافي للغضب الشعبي، ولن تُمحى من ذاكرة الإيرانيين.
سجلّ دموي ممتدّ
إذا عدنا إلى تاريخ هذا النظام، نرى أنّ المجازر ليست استثناء بل قاعدة. من حرب الثمان سنوات ضد العراق التي أودت بحياة أكثر من مليون إيراني، إلى مجزرة السجناء السياسيين في صيف 1988 حيث قُتل نحو 30 ألف شخص، إلى الكارثة الصحية في جائحة كورونا، جميعها حلقات في سلسلة واحدة. وإذا أضفنا أرقام ضحايا الفقر والإدمان وحوادث السير والانتحار وتلوث الهواء، نصل إلى نتيجة واضحة: النظام قائم على الموت لا على الحياة.
فخّ النووي وخطأ الحساب
اليوم يكرّر خامنئي النهج نفسه في الملف النووي. فقد دفع عمداً بالملف نحو تفعيل &"آلية الزناد&" وما يرافقها من عقوبات دولية خانقة. لكن الفارق هذه المرة أنّ الخطأ الاستراتيجي لا يقتصر على الضغط الخارجي، بل يزرع أيضاً بذور انتفاضة داخلية جديدة. شعب ذاق ويلات الحرب والفقر والوباء لن يقبل أن يُؤخذ رهينة في لعبة نووية خاسرة.
أصوات الإيرانيين أمام الأمم المتحدة
في هذا السياق، جاءت التظاهرات الواسعة التي شهدتها نيويورك يومي 23 و24 أيلول (سبتمبر) 2025 أمام مقر الأمم المتحدة، حيث اجتمع آلاف الإيرانيين في المهجر مع مؤيدي المقاومة الإيرانية. رفعوا شعارات تُدين البرنامج النووي وسياسات النظام القمعية، وأكدوا على حق الشعب الإيراني في التغيير والانتفاض.
كانت صور ضحايا الإعدامات ومجزرة 1988 حاضرة بقوة، إلى جانب أعلام المعارضة، في رسالة واضحة للعالم بأن ملف الجرائم لم يُغلق. وفي الوقت الذي حاول مسؤولو طهران تلميع صورتهم داخل أروقة الأمم المتحدة، دوّى صوت المحتجين في الخارج كدليل على أنّ هذا النظام فاقد للشرعية داخلياً وخارجياً.
الانتفاضة قادمة
لقد وقع النظام في فخ صنعه بنفسه. من جهة، الأزمات الدولية والعقوبات المرتبطة بالملف النووي، ومن جهة أخرى، تراكم نقمة شعبية عارمة على خلفية المجازر المتكرّرة. قد يراهن خامنئي على القمع والمناورة لكسب الوقت، لكن الواقع أنّ كل جريمة تُسرّع من لحظة الانفجار الشعبي.
التظاهرات في نيويورك لم تكن سوى نموذج لصوت لن يصمت. إنه الصوت الذي يتردّد اليوم في العواصم العالمية، وسيعلو غداً في شوارع إيران ليضع نهاية لنظام المجازر. فالمستقبل ملك للشعب الإيراني، مهما حاولت آلة القمع والابتزاز النووي أن تعرقله.