مسلسل الانبهار بتجربة "مُصادم هادرون الكبير" يتواصل

يواصل العلماء الترقب والانبهار بالنتائج الخاصة بإجراء تصادمات للبروتونات في أربعة من أجهزة الكشف العملاقة عن الجسيمات حول الحلبة الخاصة بمصادم هادرون الكبير، وقد وقعت حتى الآن ما يقرب من 6 تريليون عملية تصادم بين البروتونات.

بعد مرور سبعة أشهر على بدء العلماء في مركز "سيرن" الأوروبي للأبحاث النووية في المنطقة الحدودية الفاصلة بين فرنسا وسويسرا تجاربهم الخاصة بإجراء تصادمات للبروتونات في أربعة من أجهزة الكشف العملاقة عن الجسيمات حول الحلبة الخاصة بمصادم هادرون الكبير، مازالت حالة من الشغف والترقب تهيمن على العلماء، مع استمرار مساعيهم الرامية للبحث عن جسيمات جديدة وقوى الطبيعة.

وذكرت صحيفة "النيويورك تايمز" الأميركية في عددها الصادر اليوم ضمن هذا السياق أن ما يقرب من 6 تريليون عملية تصادم بين البروتونات قد وقعت، منذ بدء تلك التجارب خلال الربيع الماضي حول الحلبة الكهرومغناطيسية التي تبلغ تكلفتها عشرة مليارات دولار أميركي وتوجد أسفل الحدود السويسرية الفرنسية خارج جنيف.

ثم لفتت إلى تلك الجهود التي يبذلها الباحثون في المركز، حيث يهرول العشرات من علماء الفيزياء إلى شاشات الكمبيوتر العملاقة الموجودة في أرجاء المكان، لمتابعتها، حين تظهر عليها أشرطة متعددة الألوان ومسارات مموجة تُصَوِّر الفوضى البدائية ودون الذرية للبروتونات التي تصطدم على مسافة 300 قدم تحت سطح الأرض.

ومضت الصحيفة تقول إنه من المقرر أن تنتهي تصادمات البروتونات يوم غدٍ الأربعاء. وستقوم الآلة بعمل تصادمات بين الأيونات الرئيسية في وقت لاحق من الشهر الجاري، ثم ستُغلَق مع بدء موسم العطلات. ويُتوقع أن يواصل المُصادم نشاطه الخاص بتصادم البروتونات في شباط/ فبراير المقبل، على أن يواصل العمل حتى نهاية عام 2011.
لكن علماء الفيزياء بمركز "سيرن" يقولون إن البيانات يتم تجميعها الآن بصورة أسرع من قدرتهم على تحليلها، وأن المُصادم قد بدأ يتفوق بالفعل على منافسه، تيفاترون "Tevatron " الموجود في مختبر فيرمي الوطني للمسرعات بباتافيا في ولاية إيلينوي الأميركية. وتابعت الصحيفة بنقلها هنا عن لين إيفانز، الذي يقوم بالإشراف على مبنى المُصادم، قوله :" إنها حقاً لآلة جميلة. وتعمل بصورة أفضل مما كنت أتوقع".

وقد سبق لماريا سبيروبولو، عالمة الفيزياء في مركز سيرن ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، أن أظهرت في مؤتمر صحافي أقيم في كرواتيا الشهر الماضي، الطريقة التي يمكن أن يُنتِج من خلالها تصادم واحدة من جسيمات "المادة المظلمة"، التي يقول علماء الفلك إنها تُشكِّل ربع الكون وتعتبر من جوائز العلوم الكبرى هذه الأيام.
كما كشف رولف هوير، المدير العام لمركز سيرن، عن أنهم يتعرضون خلال الآونة الأخيرة لسلسلة من الضغوط من أجل تخفيض الميزانية، وإيقاف جميع المُسرعات، بدلاً من الاكتفاء بالقول إن المُصادم سيوفر 25 مليون دولار. ومن المنتظر أن يبدأ المُصادم عمله من جديد عام 2013، بطاقات بروتونات تقدر بـ 6.5 تريليون إلكترون فولت، لكن ليس من المحتمل أن يصل كامل طاقته حتى 2014، إذا وصلها على الإطلاق.

وفي مقابلات أجريت معهم مؤخراً، قال علماء ومدراء إنهم كانوا شغوفين بأن يبدأ المُصادم نشاطه بكامل طاقته عام 2008. وحول الطبيعة المذهلة لسير العمل هناك، قالت الصحيفة إنه ومن أجل توجيه البروتونات لتتسابق بسرعة تزيد عن 99 % من سرعة الضوء حول المضمار الذي يوجد تحت سطح الأرض، ينبغي أن يمر بالقطع الكهرومغناطيسية تيارات تقدر بحوالي 1200 أمبير، وهو ما يمكن أن يحدث إذا تم تبريدها بواسطة الهليوم فائق السيولة إلى أقل من 2 درجة مؤوية فوق الصفر المطلق. وفي تلك المرحلة، تقوم أسلاكهم المصنوعة من النيوبيوم والتيتانيوم بتوصيل الكهرباء دون مقاومة.

وفي ما يتعلق بالمُوَصِّلات، أشار دكتور لوسيو روسي، خبير الموصلية الفائقة الذي انضم إلى سيرن من جامعة ميلانو عام 2001، إلى أن العديد من المراجعات قد خلصت إلى أن التصميم الخاص بها جيد للغاية، لكنها أغفلت الجزئية المتعلقة بأن تلك الموصلات ليست قوية ضد البناء الخاطئ. وأضاف دكتور روسي هنا قائلاً "لابد من توافر عنصر الجودة الشاملة في ظل وجود قدرة فائقة على التوصيل؛ فالوقوع في خطأ واحد سيتسبب في إبطال النظام بأكمله". بينما قال ستيف مايرز، المسؤول عن تشغيل المُصادم، إن النتائج لابد أن تكون آمنة للغاية بالنسبة للحياة. وتابع بقوله " ويمكننا أن نستغني عن الحديث عنهم، لأني ضقت ذرعاً بالحديث عن المُوَصِّلات".

ورغم المرارة التي ذاقها المسؤولون عن المُصادم بسبب الكوارث التي وقعت من قبل، إلا أنهم رسموا مؤخراً خططاً للعمل خلال العشرين عاماً المقبلة لتشغيل وتحديث المُصادم وأجهزة الكشف التابعة له، بما في ذلك السعي لتبديل جميع أجزائه المغناطيسية في عام 2030 لزيادة الطاقات الإجمالية للبروتونات إلى 33 تريليون إلكترون فولت.
وفي ظل الأجواء التي تبعث على التنافسية الشريفة والتعاونية بين المراكز والمعامل الأوروبية والأميركية، أكد جون إليس، أحد الباحثين في الجانب النظري بمركز سيرن للأبحاث، على أن المستقبل يبدو مشرقاً. وأكمل قائلا ً " أما عن المادة المُظلمة، فأنا أرى أن مصادم مركز سيرن سيتفوق عما قريب على تيفاترون في التنقيب عن جسيمات جديدة. وفي تلك الأثناء، أنا بالكاد قادر على احتواء حماستي".