تكنولوجيا

سليمان بركة.. عالم فلسطيني يؤسس لحياة فلكية في غزة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عمل عالم الفلك الفلسطينية سليمان بركة في وكالة ناسا الأميركية، وكان ضمن طاقم كفيزيائي لحل بعض المشاكل المتعلقة بتأمين بيئة فضائية سليمة للمركبات الفضائية من نشاطات إشعاعية شمسية كهربائية مفاجئة، وحماية رجال الفضاء من هذه الإشعاعات الكونية أو الشمسية بالكهرباء، يبدي اهتماما كبيرا لتطوير علم الفلك الفلسطيني.

حاوره حمزة البحيصي من غزة: عالم فلك فلسطيني جاء لبناء وتأسيس علم الفلك في فلسطين، فهو أول من أدخل التلسكوب إلى غزة، اختار المركز الفرنسي محطة له كنوع من الحماية لهذا المشروع. حلمه إنشاء مرصد فلكي في غزة بعد سنوات أمضاها في الدراسة والقراءة والبحث والاجتهاد. ما زال طالب علم. قُتل ابنه ودُمر بيته في مدينة خانيونس. يأسف لأن العلماء الفلسطينيين بلا وطن وموزعة أسماؤهم على جنسيات في دول تتلقفهم كأبنائها.

"إيلاف" التقت عالم الفلك البروفسور سليمان بركة في المركز الثقافي الفرنسي وكان الحوار التالي:

من هو الدكتور سليمان بركة..؟
عمري 45 عاما، محاضر في جامعة الأقصى الحكومية في غزة، ودرست البكالوريس في كلية العلوم والتكنولوجيا في جامعة أبو ديس في القدس، وعملت دراسات عليا في جامعة بنسلفانيا عام 1998، ودرست ماجستير في الجامعة الإسلامية عام 2003، وعملت الدكتوراة في الفيزياء الفلكية في جامعة بيير وماري كوري في باريس عام 2007.

كيف درست الفلك ؟
كيف درست الفلك يأتي من أين بدأ الفلك في دماغي كفكرة، لقد بدأ علم الفيزياء مبكرا في الثانوية العامة، وطبيعة تركيب دماغي أقرب إلى علم الفيزياء، وميزة الفيزياء أنها توسع المدارك والآفاق، ومن ثم يتسع الخيال، وكما قال "ألبرت أينشتاين" "الخيال أهم من المعرفة" لذلك عندما يكون الخيال خصبا تكون الأفكار أعمق، ويكون الإدراك أوسع، ويكون الفهم أنضج وأدق، فالفيزياء كانت من المهارات التي جعلت للإنسان خيالا واسعا، وبالتالي إذا كان هناك حلم لصاحب هذا الخيال أصبحت الطرق مضاءة بشكل أوسع، والرؤية أوضح، فالإنطلاق إليها يمحو المستحيل من قاموس الإنسان في تعامله وأدائه أو في إنجازه من أجل الوصول إلى هدف.

ما الذي دفعك لدراسة الفلك ؟
أقول دائما بأن هذا الكون مبني على فكرة، وفكرة الإنسان تحدد رؤيته عن أي شيء وعن مراده. الأهم أن الإنسان مخلوق في هذا الكون من مخلوقات الله غير المحدودة، من الذرة وما دونها إلى المجرة وما بعدها، المجرة والتعمق في الأفلاك والفضاء يؤديك إلى الماضي الذي بدأ منه الكون، والتعمق داخل النواة في الذرة يؤدي لك بنتيجة إلى المستقبل، وحاضر هذا الكون هذا الإنسان، وميزة هذا الإنسان عن مخلوقات الرحمن هو العقل، ومدركات العقل وإثبات وجوده وحضوره هو الخيال، وأهمية وجود الإنسان على الأرض يحددها حلمك، فيجب أن يكون لنا أحلام حتى نتميز عن مخلوقات الله الأخرى، وإذا استطاع الإنسان أن يجعل له حلما فلا يكون هناك مستحيل، وأحلام الناس تحدد ماهية وجودها، وكل إنسان سخر لما خلق له، من أهم النعم على الإنسان أن يعرف ماهية وجوده في هذا الكون. إدراكي المطلق هو أننا خلقنا من الفناء إلى الوجود، وسنعود إلى الفناء، "خلق الموت والحياة ليبلوكم" فجاء الموت قبل الحياة، فالأصل فينا أننا خرجنا من الموت إلى الحياة موقتا وسنعود، لنعيش، لنختبر، لنعاني، لنترك بصمة. إدراكي لهذه الأشياء والكليات، والتفاصيل في هذه الكليات يجعلك تعتقد أن هناك مهمة على عاتقك، فهذه الأفكار سواء كانت مرتبة أو حسب أولوياتها ولكنها الأفكار ذاتها التي حددت أين أذهب في هذا الموضوع.

مراسل إيلاف مع عالم الفلك الفلسطيني

أين بلورت فكرة الفلك، في أي الجامعات ؟
لأفكار تبلورت من التأمل والقراءة والاحتكاك والنظر، في الجامعات مارست هذه الفكرة ولم أبلورها، فهذه الأفكار بنتها ساعات وأيام وأشهر من التأملات والقراءة والتجربة والخطأ والإنصات للأصوات الداخلية للإنسان والأصوات الخارجية في الكون، وتعاقب الأحداث وتواليها، وإعادة ميلادها أو موتها، فأصبح لديك فكرة، هذه أفكارك هي ملكك، تذهب لتختبرها في التجارب بمكان ما في الميدان، وهذا الميدان أردت أن أعمل به دكتوراة في الفيزياء بوقت متأخر، غيبتني الأحداث في فلسطين والوضع السياسي 14 سنة عنها، ولكن الـ 14 سنة ليست مدة طويلة تستطيع أن تمحو حلما إذا كان الحلم عندك، وتعلم أين تذهب، وقد استطعت وبتوفيق من الله وتسهيل وتسخير أن أنجز هذا الحلم حتى وقت متأخر، فأنا بدأت الدكتوراة على عمر 39 سنة وهذا وقت لا يذهب فيه أحد للدراسة، وأنا لم أكن هناك لعمل مؤهل، فأنا لا أحتاج لمؤهل ولا راتب، ولكن أنا لدي رسالة في هذا الكون، في الفترة التي خلقني فيها الله كي أعيش وكي أعود له، يجب علي أن أفعل شيئا على الأربعين على الثلاثين أو على السبعين، ما دمت حيا فيجب أن أفعل شيئا وهذا جزء من منظومة أفكاري.

في أي الوكالات مارست الفلك ؟
الفلك ليس ممارسة، بل هو كعلم عملية عمل وتأمل وتطوير وأيضا مراجعة دائمة على المستوى الشخصي أو على مستوى العلم، لأن علماء الفلك يقولون إنهم لم يكتشفوا أكثر من 5 إلى 7 بالمئة من الكون، فكثير من مسائل الكون ما زالت مجهولة، وهي تدعو العلماء والمتأملين تعالوا فانقذونا فاكتشفونا.
أنا أعمل على حل بعض المشاكل الفنية في فيزياء الفضاء، فهناك بعض المشاكل المستعصية منذ 30 عاما تقريبا، فأنا أخذت التحدي منذ 28 شهر وحتى الآن ما زلت أعمل على حل تلك المشاكل.


كنت في وكالة ناسا الأميركية للفضاء، ماذا فعلت هناك ؟
كنت أعمل ضمن طاقم كفيزيائي لحل بعض المشاكل المتعلقة بتأمين بيئة فضائية سليمة للمركبات الفضائية من نشاطات إشعاعية شمسية كهربائية مفاجئة، وحماية رجال الفضاء من هذه الإشعاعات الكونية أو الشمسية بالكهرباء، واستمر عملي لمدة عام واحد فقط.

لماذا فكرت بالعودة إلى قطاع غزة ؟
الأحداث التي حصلت من استشهاد ابني وهدم بيتي ومكتبتي وتيلسكوبي عجلت بأن لا أفكر في الأمر أكثر مما فكرت قبل الخروج لمدة عام، حيث الاحتكاك وتطوير القدرات والعودة، فعندما فتحت لي الدنيا أبوابها، أغلقت أبوابها وعدت إلى هنا لأفتح أبواب دنيتي في غزة، ونعمل عندما تصبح الحياة مستحيلة، هنا في غزة لأن هوية الإنسان أقرب شيء له.
أميركا بلد عظيم وقوي وكبير، ولكنك حتى تقوم بإنجاز يسجل لك، تحتاج العمل لمدة 4 سنوات، أما هذا البلد فهناك أناس يعملون في هذا المجال، لذلك أحببت القدوم إلى هنا لأحرض الناس وخاصة الشباب والشابات المتحمسين والمتميزين في العلوم والرياضيات، لعلي أستطيع في عدة سنوات أن أبني بنية تحتية فلكية، أو في علوم الفضاء، وهذا سهل جدا لأنني من هذا البلد وعشت ظروفها وتعلمت في مدارسها، وبالتالي حتى يتميز الإنسان في وجوده عن المخلوقات الأخرى حتى الكواكب والنجوم يجب أن يعمل على إعمال العقل، ويبحث عن مهمة وجود العقل، وهذه المهام التي رأيت من خلالها أين سأتجه.

هل جئت إلى غزة للنهوض بعلم الفلك ؟
ليست نهضة، وإنما هي عملية زراعة، لأنه لا يوجد شيء من الأساس، فجئنا لنبني ونغرس من البداية، لأنه لا يوجد وضع قائم ولا بنية تحتية للفلك في فلسطين.

زراعة وتأسيس علم الفلم في قطاع غزة يعني أن التاريخ سيكتبك يوما ما..؟
إذا كان خير فمن الله، وأن يكتب الله على أيدينا هذا الخير للناس وخاصة للأطفال، ولكن لا تفرق كثيرا إن كتبني التاريخ أو غفلني، المهم أن نعمل شيئا ونترك بصمة قبل أن نغادر إلى الأصل وهو الفناء.

ما هي مشاريعك وخططك القائمة والمستقبلية في قطاع غزة ؟
قمنا بإدخال أول تلسكوب لرؤية الكواكب، وهي خطوة أولى وسيتبعها إدخال مجموعة كبيرة من التلسكوب في الفترة القادمة بما يخدم مجال الفلك في فلسطين، وسنقوم بإدخال قبة فلكية متحركة حوالى 5 أمتار وتظهر كل تفاصيل السماء، سيدخل الطلاب والأطفال بها فتشرح لهم عن السماء بإصبعك، والآن أعمل مع زميلة في جامعة ليدن في هولندا على جلبه إلى فلسطين وقمنا بكتابة خطة حول ذلك وهي خطوة ثانية، أما الخطوة الأخرى فهي المنهج الفلكي في الجامعات الفلسطينية، فقد كتبنا اقتراحا لإنشاء أقسام فلك في تلك الجامعات ونأمل أن يتبنوه، أما الجانب الآخر فنقوم بإعداد محاضرات تأملية عن الكون وخلقه في القرآن والكتب المقدسة والعلم، وكذلك حلمي إنشاء مرصد فلكي لغزة بقبة فلكية متحركة كالموجودة في كثير من الدول، ولكني سأقوم بتطبيق النموذج الفرنسي لأني جربته هناك.


لماذا اخترت المركز الثقافي الفرنسي كمكان لوضع التلسكوب فيه ؟
آثرت أن يكون الإفتتاح هنا لدور فرنسا في مساعدتنا في تعزيز مكتبتنا في جامعة الأقصى ببعض الكتب وأمور أخرى، وأيضا لأننا في وضع احتلال، ولا أعرف كيف يفهم الطيار الإسرائيلي شكل التلسكوب، فربما في أول افتتاح له يجعل منا شهداء في أول دقيقة، فقلت أفضل شيء أن نضعه في ظل وجود ممثل للحكومة الفرنسية في غزة كنوع من الحماية لهذا المشروع الوليد والمهم باعتقادي.

هل شعرت أن الفلسطينيين وخاصة أهالي غزة متقبلين لفكرة الفلك ؟
كنت في قمة سعادتي حتى أبكاني تدافع الأطفال، لأنهم يعرفون المجموعة الشمسية وأسماءها ومسافاتها، فلأول مرة يضع الطفل عينه على التلسكوب ليرى الفضاء وخاصة الأطفال الذين هم في سن أبنائي، فهذا شيء جميل، وهذه أحد الأهداف التي أسعى إليها، فقد أردت أن أكسر الصورة النمطية، وأن أغير نظرة أن الموت يأتي من السماء، فالأطفال الذين عرفوا أن صديقهم قتل من السماء يجب أن ينظروا إلى السماء ليجدوا شيئا جميلا.

ألا تخشى التهديد الإسرائيلي بصفتك عالم فلك فلسطينيا ؟
هذا سؤال يمكن أن يصاغ بشكل آخر، فعلمي موجه إلى العالمية التي تشترك فيها كل الناس وكافة الأديان، أما أن تستهدفني إسرائيل ليس لأني فلكي بل لأني فلسطيني فهذا شيء طبيعي، ولا يأمن من إسرائيل أحد، لا النشيط ولا الراكد ولا النائم في بيته، وعلى المستوى الأمني هؤلاء حكام إسرائيل مجموعة من المجرمين وتجار المخدرات والسلاح، وحتى حاخاماتهم يقومون بتبييض الأموال، ولكن أنا أعتقد أن هناك علماء في إسرائيل لهم بعد إنساني وهم محترمون وهناك يهود محترمون، ولكن مشكلة العالم كله مع هذه المجموعة المجرمة التي تحكم إسرائيل والتي قتلت رابين كقائد إسرائيلي همَ أن يعيد للفلسطينيين حقهم فقتلوه لانهم لا يتعايشون إلا بالحرب والدمار والبيئات المعادية، وأنا متأكد أن هناك كثيرين في إسرائيل يفهمون ويعرفون الحقيقة.

هل حاولت بعض الوكالات الدولية المتخصصة في علوم الفضاء استقطابك للعمل لديها ؟
أنا لست ألبرت أينشتاين، فأنا إنسان بتعريفي البسيط ما زلت طالب علم، ومجتهدا، وأحاول دائما أن أعرف طريق واستحقاق النجاح، وليس في وضعي ولا قناعاتي أن يستقطبني أحد، فأنا استقطب مكاني وزماني، ولست في حاجة أن أكون موضع استقطاب من أحد.

هل هناك علماء فلسطينيون فلكيون غيرك خارج وداخل فلسطين ؟
هناك العديد، ولا يعلم الكثير من العرب والفلسطينيين أن الدكتور عصام الأشقر وهو فلسطيني من مدينة جنين كان آخر من وقع ووافق على خروج أول مركبة فضائية "أبولو" المشهورة التي خرج على متنها أرمسترونج عام 1969، فالفلسطينيون من اهم العلماء الذين شاركوا في النهضة الفلكية للفضاء حول العالم، ولكن للأسف لأنهم بلا وطن، موزعة أسماؤهم على جنسيات في دول تتلقفهم كأبنائها.

هل تشعر أن الإعلام الفلسطيني قام بدوره في إظهار قضية وجودك وأهميتها في غزة ؟
التغطية الإعلامية لهذا الحدث المتواضع فاق تصوري وأنا مبسوط، وهذا يدلل على أهمية أن تأتي بشيء جديد لأن الناس أصبح عندها نوع من البلادة في التعامل مع كثير من القصص المعادة، وكأنك تقول أنا أستطيع أن أكتب نشرة أخبار بعد شهرين، ولكن موضوع التلسكوب بعث الأمل في الناس وهذا يدلل على أن الفلسطيني رغم كل الضنك والقهر والإذلال والحصار ما زال عنده أمل وحب للحياة وينهض بسرعة، وأفضل شعب في العالم يستحق الحياة هو شعبي الفلسطيني وخاصة في غزة.

رسالتك كعالم فلك إلى الطلاب والمؤسسات المحلية والدولية ؟
رسالتي للطلاب هو أن النجاح مقرون بالعمل، وحتى الذكاء لا يشكل أكثر من 5 بالمئة في الإنجاز، العمل ثم العمل ثم الاستراحة ثم العمل، وبالنسبة للمؤسسات فأنا لا أرجو ولا أتوقع كثيرا منها، وكل أملي وهدفي أن نصبح نحن في غزة منارة، ومن هذا الركام من الحطام والمصائب نستطيع أن نزرع وردا وزيتونا وقمحا، وأنا أعتقد أن هذه ليست أحلاما ولكنها حقائق.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف