رواد فايسبوك وتويتر يبتكرون حزباً جزائرياً غير معلن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
برز استعمال شبكتي التواصل الاجتماعي فايسبوك وتويتر بشكل لافت خلال وغداة أحداث العنف الأخيرة التي هزت الجزائر، من خلال الحضور القوي لشبابها في ظاهرة اعتبرها مراقبون بمثابة إعلام شبابي بديل بات يحظى برواج كبير. وزاد افتقار الجزائر لساحات النقاش التقليدية وامتناع عرّابي الإعلام الثقيل عن التعاطي مع موجبات ذاك المنعرج الحاسم، من سطوع نجم ما صاروا يُنعتون بـ"الفايسوكيين" و"تويتريين"، حيث ابتكر هؤلاء حزباً الكترونياً غير معلن اعتنى بنقل انطباعي حي لوقائع الـ96 ساعة الأكثر سخونة في الجزائر مطلع هذا العام، وهو ما تسلط عليه "إيلاف" في هذا التقرير.
الجزائر: الضغط يولد الانفجار، لابدّ من إزالة قيود الحقوق والحريات، الفساد عمّ والنظام يريد أن يقضي على كل من يعارضه في صمت، الأنظمة لا تمنح شيئا.. هي تتنازل تحت ضغط الشارع.. الحكاية أكبر من قصة زيت وسكر، الجزائر في حالة فوضى، هذه الوصلات قسط يسير من الرسائل التي حفل بها فضاء فايسبوك وتويتر إبان زوبعة (الغذاء) التي فجرت الجدل في الجزائر قبل أسبوع.
ولا يعدّ ولع شباب الجزائر بثورة التواصل الاجتماعي أمراً جديداً، إذ عمدوا إليها في عديد الاستحقاقات الماضية على غرار مواكبتهم الأحداث التي تلت الحرب الكروية بين الجزائر ومصر بالقاهرة والخرطوم واحتدمت رحاها عبر فايسبوك وتويتر.
ويقول هارون، فوزي، منير، نسيمة، آمال وغيرهم من "فرسان" فايسبوك وتويتر، أنّ الشبكات الاجتماعية مكنتهم من التواصل بشكل ديناميكي سريع ومكثف، وسمح ليس فقط بتناقل أخبار ما كان يجري، بل تعداه إلى مستوى فتح نقاشات عفوية بين مختلف ألوان الطيف المحلي من طلبة ورجال الفكر والأدب والإعلام، وحتى عموم الموظفين والبسطاء.
وإذ سعى "الفايسبوكيون" و"التويتريون"، للتحسيس بخطورة ما كان يجري، من خلال استعانتهم بلقطات فيديو صوّرت ذاك الخراب، واستغلّوا أيضا الموقف للتنديد باحتجاب الرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة" ووزيره الأول "أحمد أويحيى"، كما لم يترددوا عن مواجهة توجيه انتقادات لاذعة لأباطرة التلفزيون الحكومي والإذاعة الرسمية، الذين لم يجهدوا أنفسهم ولو بفتح شكلي لنقاش مع مختلف الفاعلين الاجتماعيين لتناول الأوضاع بالتحليل الموضوعي المسؤول.
وفي سياق التعريف بـ"ثورتهم"، أخذت استعمالات الشباب الجزائريّ للفايسبوك وتويتر، طابعا حضاريا رُفع معها شعار كبير "نعم للاحتجاج.. لا للتخريب"، ويعلّق فارس بهذا الشأن: "سعت السلطات جهدها لتقزيم الأحداث واختصارها في خانة التدمير والنهب وإظهار الغاضبين في ثوب المخرّبين المسبوقين قضائياً، وهو ما سعينا لدحضه، من خلال تخصيب مشتلة مشرقة تفتح النقاش الهادئ المستنير حول مختلف مواضيع الساعة على غرار أزمة ارتفاع أسعار المواد الأكثر استهلاكا".
واختار الشاب "لطفي دوبل كانون" مغني الراب، التأطّر داخل نظرية المؤامرة، من خلال تأكيده وجود أياد خفية فبركت الأحداث من وراء الستار، وهو ما رفضه "فايسبوكيون" و"تويتريون" الذين شددّوا على انتفاء صحة ذلك، وأجمعوا على أنّ زلزال الغذاء هو فقط مجموعة تراكمات لمشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية وتكرارا لأكاذيب ملّ الشباب من سماعها.
واللافت أنّ العدد المحدود من السياسيين الجزائريين (السابقين طبعا لأنّ الحاليين لا وجود لهم أصلا)، تفادوا الخوض في الأحداث وافتقدت صفحاتهم لأي تحيين على غرار رئيس الوزراء الأسبق "أحمد بن بيتور" وكذا "علي بن فليس" وصيف الرئيس في انتخابات 2004، بالمقابل، حضر الحقوقيون والمعارضون بقوة، من خلال تركيزهم على الوضع الكارثي لمواطنيهم.
في حين، شكّل فايسبوك مساحة مناسبة لكي تدلي النخبة بدلوها، حيث قدّم كل من الدكتور "مصطفى بخوش" والمفكّر "شرف الدين شكري" وجهتي نظر متأنيتين في الخطب الحاصل، من خلال طرحهما إشكالا مزدوجا يخص العلاقة بين الديمقراطية والتنمية من جهة، وعلاقتهما بالاستقرار، وما يتصل بتطبيقات التنمية ودفعها وجوبا باتجاه العدل والمساواة وتقسيم الثروات وفق برنامج مؤسسي دائم ديمقراطي وواعي.
تجربة بحاجة إلى إنضاج وتثمين
يذهب متابعون إلى أنّ التوظيف الشبابي لكل من فايسبوك وتويتر في منعطف الخامس يناير، تجربة بحاجة إلى مزيد من الإنضاج والتثمين في ظلّ قوة استعمال الأنترنيت في المجال العمومي، وسط استمرار التضييق الذي يطبع الحريات والعمل الصحفي في الجزائر، واستمرار غلق المجال السمعي البصري هناك.
ويقول "عمار حنطبلي" المختص في علم الاجتماع، بحتمية التأطير والاهتمام بدراسة تجربة تستوعب نحو خمسة ملايين شاب، 66 بالمائة منهم جامعيون، معتبرا أنّ ما يحدث في فايسبوك وتويتر يؤشر على نضج كبير، خصوصا وأنّ هناك شباب ولجوا عالم النت بتلقائية وعصامية رغم أنّ كثير منهم لم ينالوا حظا وافرا من التعليم، ومع ذلك اندرجوا بروح متجددة تفاعلت بذكاء مع ما وقع، ما يدفع السلطات للتعجيل بانفتاح اتصالي أكبر، خصوصا مع ما تكفله الشبكة العنكبوتية لمستخدميها من فرص الوصول إلى المعلومة بسرعة وسهولة.
بدوره، يسجل "محمد عباس" أنّ حراك "فايسبوكيون" و"تويتريون" يعبّد الطريق أمام تصنيع جسور بوسعها تكريس ثقافة التغيير الإيجابي في صفوف الرأي العام المحلي، ويلاحظ عباس أنّ فايسبوك وتويتر مثله مثل المدونات، باتت متنفسا بالنسبة للشباب الجزائري التوّاق للتعبير عن نفسه، ما جعل الظاهرة تتنامى وتدفع شرائح عديدة من المجتمع للتفاعل مع ما بات يعرف بـ"الإعلام الشبابي البديل". كما يتوقع عباس أن يتحول فايسبوكيون وتويتريون إلى قوة اجتماعية ضاغطة، ستبرز أكثر في مختلف المحطات القادمة التي ستدركها الجزائر خلال قادم السنوات.
من جانبه، يلفت الباحث والكاتب "سعيد جاب الخير" إلى أنّ الاستخدام الشبابي للشبكة الاجتماعية لا يزال متفاوتا بحسب مستوى الوعي السياسي والاجتماعي، ويلاحظ أنّ الأحداث الأخيرة في الجزائر، دلّت على أنّ شبابها وصل إلى مستوى لا بأس به في التوظيف الواعي للشبكة العنكبوتية، على نحو سحب بساط المناورة من التلفزيون الرسمي مثلا، الذي كان يتكتم على ما يجري في الشارع بل ويحرّف الأحداث أحيانا عن مجراها الأصلي، دون أن يتفطن الجمهور العريض إلى ذلك، أما الآن فلم يعد هذا ممكنا بسبب توفر أدوات التصوير بكثرة لدى فئات واسعة من الشعب والشباب منه بشكل خاص، وكذلك وجود مساحة مجانية وفعالة للنشر الفوري على مستوى العالم كله، عير اليوتوب وفايسبوك وتويتر وغيرها من مساحات النشر الفوري والتفاعل الاجتماعي الحر على الشبكة.
ويصف جاب الخير ما انتاب استعمالات الشباب تلك، بالأسلوب الفاعل في توصيل صوت الاحتجاج والمطالب إلى الشارع العريض والسلطة في آن، ويستدل محدثنا بنظام القمع البوليسي في تونس، الذي خسر ولأول مرة، المعركة الإعلامية مع شعب ذكي متعلم يحسن استخدام أحدث وأدق التقنيات الإلكترونية، كل ذلك يؤكد مدى هشاشة النظام الأمني مهما عتا، إذا تحركت الشعوب حركة جماعية فتغرقه أمواجها وتصيبه بالشلل.