نضال حمد
&
&
الحلقة الثانية
&
كنت قد فوجئت بعد تقديم طلب اللجوء والاستئناف برفض سريع لطلبي, وكان الرفض عائد بالأساس لاعتقاد المختصين في دائرة شؤون اللاجئين النرويجية بأن الفلسطينيين لا يعانون من مشاكل عرقية وسياسية وأمنية في هذه الأيام وبالتحديد فلسطينيي مخيمات لبنان, وبأن المسألة السياسية والعملية& التفاوضية تسير نحو تحقيق السلام, طبعا أنا أتكلم عن الأوضاع سنة 1992, لكني كنت أعرف أن تلك الأسباب سخيفة وليست هي السبب الحقيقي للرفض. أولا لأن الفلسطينيين من أكثر شعوب العالم معاناة وتشرد, فحياتنا اختلطت فيها الحروب والسياسة والمعاناة والتشرد والكفاح والضياع والمنافي والمطاردات والملاحقات كلها ببعضها البعض. كما أننا لاجئون من قبل أن نطلب اللجوء في هذه البلاد, فقد ولدنا في مخيمات الشتات لاجئين بسبب الظلم الذي لحق بأهالينا وشعبنا كله نتيجة تآمر العالم الغربي على الوطن الفلسطيني وسكانه الأصليين. خلال فترة الانتظار كنت حصلت على غرفة صغيرة في مخيم معد للاجئين في منطقة غير بعيدة عن أوسلو, هناك تعرفت على بعض اللاجئين من جنسيات أخرى, كان معظمهم من يوغسلافيا سابقا والصومال. وجدت بداية صعوبة كبيرة في التعايش مع البعض منهم بسبب طريقة حياة بعضهم الفوضوية و أحيانا البدائية والمشاعية.
&أما وجبات الطعام كانت في ساعات محددة , فالإفطار من الساعة السابعة حتى الثامنة والنصف, و"اللنش" وجبة الظهر الساعة الثانية عشر ظهرا, أما الغذاء الأساسي كان حوالي الساعة السادسة مساء, كنت لا أتناول الإفطار لأنني كنت أنام حتى موعد اللنش بعد أن كنت أقضي الليل سهرانا لوحدي أو مع بعض المعارف من اللاجئين العرب والأكراد الذين حضروا لاحقا, حيث كنا قلة بالمقارنة مع الألبان واليوغسلاف والأفارقة. وهؤلاء اذكر منهم أخ سوداني للأسف لم لأعد أذكر أسمه الآن, كذلك أخ كردي لقبه أبو درويش وفلسطيني لم أعد أذكر اسمه الآن. كانت مشكلة الأسماء مشكلة عويصة لأنه كان يوجد بين اللاجئين من هم بأسماء غير حقيقة أو مستعارة أو حتى وهمية, وذلك من أجل الحصول على اللجوء أما خوفا من تدخلات المخابرات الأجنبية وخاصة جهاز الموساد الإسرائيلي وغيره في عملية التحقيق مع اللاجئين. طبعا كانت الأسباب متعددة والهدف واحد, الحصول على حق الإقامة في النرويج. لم يواجه الصومالي واليوغسلافي والعراقي والكردي أية مشاكل في الحصول على الإقامة وحق اللجوء بعد فترة انتظار بسيطة. لكن العكس كان يحصل مع الجنسيات الأخرى وخاصة فلسطيني لبنان.لا زلت أذكر بعض من الفلسطينيين الذين قامت السلطات بتسفيرهم إلى لبنان وسوريا. لقد كانت تهون مصائبنا عندما نرى مصائب غيرنا كما يقول المثل العربي. تجاوزت تلك الفترة الانتقالية ورحلت من المخيم الإعدادي الأول إلى مخيم آخر في مدينة أوسلو حيث أستمر سكني هناك لمدة تزيد على العام ونصف العام بانتظار رحمة دائرة اللاجئين وإقامة جاءت بعد حوالي السنتين من العيش مع خليط غريب عجيب من الناس والبشر, من المثقف والكاتب والطبيب والمهندس والسياسي والديبلوماسي السابق إلى الأمي والجاهل والبسيط حتى كنا نجاور بعض اللصوص الصغار من الذين يتاجرون بالمسروقات مثل السجائر والكحول والأشياء الأخرى. كما كنا مضطرون للتعامل مع بعض سكان مخيمنا من الذين لا يطاقون. وكذلك بعض المعوقين عقليا ونفسانيا من اللاجئين والموظفين الذين كانوا يعملون في المخيم. كان على المرء أن يسمع موسيقى ألبانية أو صومالية أو عربية أو أفريقية أراد ذلك أم رفض, فسماع موسيقى جارك أصبحت كصورة وخطاب الرئيس في بعض الدول العربية من الثوابت والفرائض في نشرات الأخبار وبين البرامج. كان علينا تقاسم الحمام والمطبخ مع بعضنا, وكان البعض من بعضنا لا يعرف كيف يدير الماء في الحمام أو كيف يستعمل السيفون بعد قضاء الحاجة. وأذكر أنه أثار انتباهي وانتباه آخرين الصور المعلقة على الجدران في الحمام, كانت مع شرح بالكلمات والصور يعطي تعريف بكيفية استعمال حنفيات الماء وغيرها من المعدات مثل أوراق التواليت وفرشاة التنظيف..
كانت الحياة في المعسكر تزداد صعوبة وقسوة مع مرور الأيام بلا أخبار من دائرة الهجرة واللاجئين, وكنا نعمل بكل طاقاتنا من أجل التكيف مع الحياة تلك. لكن كان الحنين للزوجة والأطفال والماضيين البعيد والقريب أقوى من أن يوصف ويحتمل. وقد خفف من وقع حزننا في السجن الكبير أنه كان لنا أصدقاء ومعارف يواسوننا في أحزاننا ويساعدوننا في تخطي الصعاب والأزمات المتكررة والمتعددة. لم يكن يسمح لنا طوال فترة الانتظار في مخيم اللجوء بلا إقامة , الذهاب إلى المدرسة لتعلم اللغة النرويجية كنظرائنا من الذين حصلوا على حق الإقامة. ولم يتسنى لنا رؤية المدرسة ألا بعد أن حصلنا على الإقامة. وبعد حصولنا على الإقامة تغيرت القوانين بشكل كامل واصبح بإمكان اللاجئ أن يذهب إلى المدرسة وأن يعمل أن وجد عملا ما خلال فترة انتظاره في المخيم.
كنا نقضي وقتنا في لعب الورق والبليارد والشطرنج والطاولة أو في المطالعة, كنت أجد الوقت الكافي لقراءة الكتب ومطالعة الأخبار في الجرائد العربية التي كانت تصلنا ومنها الحياة اللبنانية والشرق الأوسط. جريدة الحياة كانت تتم قرصنتها من بعض العرب الذين يعملون في المخيم فيقرؤونها ومن ثم يعطونها لمعارفهم في المخيم. هذه الظاهرة كان لي شرف إنهائها ووضع حدا لها, بحيث أصبحت الجرائد تصل للجميع وصار بإمكاننا تصوير ما نريد منها.
&يتبع..&
&