مدينة برشيد - أحمد نجيم: أفادت مصادر رسمية أن عدد وفيات الفيضانات التي ضربت نواحي مدينة الدار البيضاء (أربعون كيلومترا شرقا) بلغت 33 قتيلا و6 في عداد المفقودين، وقد قطعت أكثر من أربع طرق أهما الطريق السيار الرابط بين الدار البيضاء ومدينة سطات (شرقا).
بدت مدينة برشيد (شرق الدار البيضاء 40كلم) قبل ساعتين ونصف من آذان المغرب حزينة، سكان الدواوير القريبة وخاصة في اتجاه مدينة الكارة، وخاصة دوار "جاقمة" ينتظرون جرارا أو شاحنة تقلهم إلى دواويرهم، لأن رجال الأمن جنوب مدينة برشيد وضعوا حواجز لمنع السيارات من المرور من هذه الطريق، في هذه النقطة غمرت المياه حي رفيق وجزء كبير من الحي الحسني بمدينة برشيد، وهي المنطقة التي زارها الوفد الوزاري مكونا من وزير الداخلية مصطفى الساهل ووزير التعمير محمد اليازغي ووزير التجهيز كريم غلاب وقائد الدرك الملكي حسني بنسليمان، سلطت الأضواء على وزير الداخلية الذي صرح أنه لا يستطيع تقديمها في الوقت الحاضر، وتحدث أمام بعض الحضور عن أن أزيد من 2000 عائلة منكوبة، أما وزير التجهيز فبدا له الوضع سرياليا فهو لا يملك أية معلومات.
باستثناء حمل الساهل لرسالة ملكية تضمنت تعازيه للضحايا وتقديمه لمساعدات فورية لم تكن الدقائق السبع التي قضاها الوفد مفيدة للسكان المنكوبين، أما سكان الدواوير فسيعلموا بتلك الزيارة بعد أن تفك عليهم العزلة.
قادنا سائق شاحنة إلى الدواوير المنكوبة، سيول جارفة غمرت الطريق في اتجاه الكارة، هدم سور مدرسة وغمرتها المياه والشيء نفسه حصل لمحطة بنزين، 13 كلم في اتجاه جماعة "مجاقة" عبارة عن بحيرات شبه متصلة، حقول الجزر وتربية الدواجن وحافلة تابعة لستيام وحقول العنب ومعمل الآجور أصبحت بركا مائية.
تعيش هذه المناطق شبه عزلة وقال أحد سكانها أن الفيضانات بدأت صباح يوم أمس الاثنين على الساعة الثالثة وأن بعض جثت أبناء دوار أولاد بوعزة قذف بهم وادي الحيمر إلى دوار أولاد رحال. وأضاف أن عدد الجثث التي مازالت في الوحل تعد بالعشرات، كما أن محاصيل الفلاحين وكسيبتهم لم تسلم من هذه السيول الجارفة.
سكان هذه الدواوير يؤكدون أنها المرة الثالثة على التوالي التي تتعرض فيها قراهم للفيضانات، وأوضحوا أنها المرة الأولى التي تخلف فيه هذه الأخيرة هذا الدمار الشامل، فالمياه شملت خمسة كيلومترات مربع، هؤلاء السكان لا علم لهم بزيارة وفود وليسوا في حاجة إلى ذلك فكثير منهم يحتاج إلى معرفة مصير عائلاتهم وذوابهم ومحاصيلهم، ومحمد يشير إلى أن هكتاراته الست من البصل أصبحت بركة مائية، والشيء الوحيد الذي شاهدوه هو سيارة الإسعاف التي نقلت جثث الضحايا، ويقول هذا الفلاح بضرورة بناء سد بين "جمعة رياح" وبرشيد (في اتجاه مدينة بن أحمد)، غير أن فكرة السد غير عملية حسب بعض المسؤولين في المدينة لأن سبب الفيضانات لا يعود إلى وادي واحد بل إلى عدة أودية مختلفة اتجاهاتها شمال وجنوب برشيد، لذا فمن المستحيل تدشين سد يقي الدواوير لعنة الفيضانات.
حقول الجزر والبطاطس والبصل القمح غطتها الأوحال، ولم تكتف السيول بتدمير المحاصيل بل ستترك للحقول سمكة قد تفوق 40سنتمر من التربة، كما أن حقولا أخرى فقدت طبقتها العليا من التربة.
لم تستطع سيارات الإسعاف الولوج إلى الدوار الذي وجدت فيه 18 جثة إلا بمشقة الأنفس واستعانت الوقاية المدنية بزورقين، وتعيش دواوير أولاد رحال والكواسم وأولاد الدحامنة وشرقاوة نكبة حقيقية، فقد كثير من أبنائه.
قبل الإعلان عن ساعة الإفطار بدقائق أعادتنا سيارة إلى مدينة برشيد، تردد السائق كثيرا قبل أن يدخل وسط تلك البحيرات، وطلب من مرافقه النزول كي يرشد إلى الطريق الآمن، يقرب مستوى المياه من الركبة، دهشة السائق انتقلت إلى الركاب، ومشهد حافلة الساتيام المعطلة وسط السيول تزيد من هلع الراكبين والسائق.
غروب الشمس أضفى على مدينة برشيد لمسة حزينة، لكنه لم يفقد من أهلها ميلهم إلى الكرم، فالمقاهي تقدم لزبنائها "الحريرة" مجانا.
بعد الآذان بدأت رحلة أخرى رحلة إلى مستشفى الرازي، أمام باب قسم المستعجلات كانت تقف سيارة محملة ب10 جثت، والسبب أن مستودع الأموات ليس بمقدوره استيعاب أكثر من أربع جثث.
حسب مصدر طبي فقد تم التعرف على نسبة كبيرة من الجثث، وأوضح المصدر ذاته أن المستشفى توصل بدفعة أولى من ثمان جثث على الساعة الثالثة والنصف، ثم دفعة ثانية من 10 جثت بعد ذلك بحوالي ساعة.
أما عدد الإصابات فلم تتعد ثلاث غادروا المستشفى، وهذا لا يعني أن عدد الأموات وعدد الجرحى قليل بل لأن رجال الوقاية المدنية لم يستطيعوا ولوج بعض الدواوير، وهو ما يعني أن عدد القتلى سيرتفع بشكل كبير.
وحسب المصدر الطبي فإنه جند 12 طبيبا واستعين بسيارتي إسعاف وهيئت ثلاث عاقات كبيرة لاستقبال الجرحى أما الأموات فسينقلون إلى البيضاء وسطات وابن أحمد، ولم تسجل خدوش في الجثث، غير أن منظرها لم يستطع تحمله حتى الأطباء أنفسهم. هذه الفاجعة حسب المصدر نفسه يمكنها أن تدفع بالمسؤولين الجماعيين إلى بناء مستودع بلدي للأموات على غرار مستودع الأموات بعين الشق بالدار البيضاء.
واستعبد المصدر الطبي إمكانية تحلل الجثث نتيجة اكتظاظ مستودع الأموات.
ترجع الفضل في مقل الجثث 39 من الدواوير المحيطة لبرشيد إلى الوقاية المدنية، على الساعة السابعة وصل عدد إضافي من أفراد الوقاية المدنية من مدينة خريبكة، بدا التعب باديا على كل الأفراد كما أن الأوحال مازالت عالقة بجلهم، استعمل أفراد الوقاية المدنية إمكانيات محدودة مقارنة بحجم الفاجعة، فقاربان شمال وجنوب برشيد وسيارات إسعاف محدودة غير كافي لانتشال كل الجثث.
حتى وإن تم انتشال الجثث تظل مامورية الدرك الملكي صعبة جدا في التعرف على أصحابها، إذا عليه الانتظار حتى فك عزلة الدواوير لاستعداء المقدمين الشيوخ للتعرف على باقي أصحاب الجثث، وقد تطول المدة إذا ما ساءت الأحوال الجوية. بإمكانات محدودة استطاع الدرك التعرف على كثير منها.
دخلنا مدينة برشيد والحصيلة لا تتعدى 13 قتيلا وغادرناها على الساعة العاشرة ليلا وقد ارتفعت الحصيلة إلى 39 قتيلا، ونذكر هنا أن هناك تباين في الأرقام بين الدرك الملكي ووزارة الداخلية، وهي حصة من المنتظر أن تتضاعف في اليومين المقبلين، فكل المؤشرات توحي بذلك. بدت برشيد مرتدية السواد وحلكة الليل زادتها حزنا، وحتى أضوائها كانت خافتة، أما دواويرها المفجوعة فتنتظر الذي يأتي والذي لا يأتي لإحصاء أمواتها.