يحيى ابو زكريا
&
تنفسّت التيارات والقوى السياسيّة الإستئصاليّة الصعداء في الجزائر عندما قررّت واشنطن ضرب أفغانستان وملاحقة كل الدول العربيّة والاسلاميّة التي تأوي إرهابيين بتعبير الإدارة الأمريكيّة, وقد قررّت التيّارات الفرانكفونيّة والبربريّة واليساريّة والتي كانت منذ بداية الفتنة الجزائرية تطالب باستئصال كافة التيارات الإسلاميّة من الواقع السياسي الجزائري ورميها إلى البحر دعم الحملة الأمريكيّة في أفغانستان وغيرها من الدول التي سيشملها التأديب الأمريكي, ولم تكتف بتحريض المؤسسة العسكريّة الجزائريّة ضدّ الحركات الإسلاميّة الجزائريّة وعلى رأسها الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ بل راحت تشككّ في ثوابت الأمة الجزائريّة العروبة والإسلام, وأعتبرت التغريب أحسن وسيلة لإخراج الجزائر من أزماتها المتشعبّة, علما أنّ المنتمين إلى الثالوث الفرانكفوني والبربري واليساري كانوا في دوائر القرار منذ إستقلال الجزائر وهم الذين تسببّوا في مجمل النكبات التي عرفتها ومازالت تعرفها الجزائر.
&وقد وجدت القوى الإستئصاليّة التي باتت تعرف هذه الأيّام في الجزائر بالقوى الديموقراطيّة في الأحداث الحرجة التي عصفت بأمريكا فرصة لتقديم مطالبها إلى واشنطن عبر بعض القنوات الديبلوماسيّة الأمريكية وقامت هذه القوى بإعداد ورقة عمل تمّ تقديمها لواشنطن عبر قنوات ديبلوماسيّة في الجزائر, ويتزعمّ هذه القوى رئيسا الوزراء الأسبقان في الجزائر سيد أحمد غزالي ورضا مالك, وسعيد سعدي زعيم التجمع من أجل الثقافة والديموقراطيّة البربري, وفي الوقت الذي أعتبر فيه سيد أحمد غزالي أنّ واشنطن وإن كانت محقّة في مواجهة الارهاب الاّ أنّها يجب أن تعدلّ سياستها وتحديدا تجاه الشرق الأوسط, أمّا رضا مالك زعيم التحالف الوطني الجمهوري فقد أعتبر أنّ ضرب الإرهاب بالقوّة العسكريّة هو وحده الأنجع في إنهاء القوى الظلاميّة في نظره, ودعا سعيد سعدي الى إستثمار ما جرى للقضاء على الإرهاب في الجزائر وهو يقصد بطبيعة الحال الحركات الإسلاميّة الجزائرية وهو لا يفرقّ في أدبياته بين تيّار إسلامي معتدل وتيّار إسلامي متشددّ. كما أنّ هذه التيارات التي مازالت مصرّة على مواقفها الإستئصاليّة وجدت في الأحداث الأمريكية الحرجة والعدوان الأمريكي على أفغانستان فرصة مناسبة للتنديد بمشروع المصالحة الوطنيّة التي مازالت ترفع لواءه القوى الوطنيّة والإسلاميّة في الجزائر, وأعتبرت أن واشنطن القوة العظمى في العالم باتت مقتنعة بالاستئصال وأنّه هو الطريق الوحيد للقضاء على الظاهرة الأصوليّة. وتدفع هذه القوى كما دفعت من قبل الجيش الجزائري إلى الدخول في حروب متواصلة مع الإسلاميين, السلطة الجزائريّة للوقوف قلبا وقالبا مع واشنطن في حربها ضدّ أفغانستان حتى لو أدىّ ذلك إلى المشاركة الفعليّة في الحرب ضدّ أفغانستان ولا حرج في ذلك في نظرهم مادامت تركيا الكماليّة قد باتت جزءا من هذه الحرب ضدّ أفغانستان. والسلطة الجزائريّة التي تصيغ مواقفها حسب الخارطة السياسيّة الجزائريّة فهيّ قولا ترضي الإسلاميين بإعلانها عدم الدخول المباشر في الحرب, وفعلا ترضي الإستئصالييّن بفتح قنوات عمليّة وإستخباراتيّة وأمنية ومعلوماتيّة مع واشنطن ولندن وباريس وحتى دولة جنوب افريقيا التي زارها عبد العزير بوتفليقة في فترة سابقة وافقت على توقيع معاهدة أمنيّة مع الجزائر وبموجب هذه المعاهدة ستسلّم دولة جنوب إفريقيا بعض الإسلاميين الجزائريين للسلطات الجزائريّة, وسيتمّ حظر كل النشاطات الإسلاميّة الجزائريّة في جوهنسبورغ. وزيادة في التنسيق الأمني الإستئصالي أجرى الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن في بداية العدوان الأمريكي على أفغانستان إتصالاّ هاتفيّا مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وأكدّ بوتفليقة لبوش أنّ الجزائر مع مسعاه قلبا وقالبا وقدمّ له تعازيه الحارة للمصاب الذي ألمّ بأمريكا وشعبها, علما أنّ الجزائر لم تتلق أيّ مواساة لا من واشنطن ولا من باريس في المائتين ألف جزائري الذين قتلوا على إمتداد الفتنة الجزائريّة قبل عشر سنوات. وبالعودة إلى التيّارات الإستئصاليّة في الجزائر فإنّها تعمل من خلال ما يعرف في الجزائر بالتنسيقيّة الوطنيّة للديموقراطيين الجزائريين و تسعى إلى تكريس الاستئصال والتبشير به داخليّا وخارجيّا وهذه القوي مدعومة من كبار ضبّاط الجيش والإستخبارات العسكريّة, وراحت هذه القوى السياسيّة تستقوي بالسياسة الأمريكية الإستئصاليّة الجديدة وترى في العدوان الأمريكي على أفغانستان إنتصارا لطروحاتها وأفكارها التي مافتئت تبشّر بها في الجزائر. ويأتي نشاط الإستئصاليين الجزائريين الجديد في وقت تحتاج فيه الجزائر الى إجراء مصالحة شاملة تقيّها من الإنزلاقات الخطيرة المستقبليّة, ويخشى بعض المراقبين في العاصمة الجزائريّة أن يزداد الشرخ بين الإستئصاليين والتصالحيين وإحتمالات إنعكاس ذلك على الوضع الأمني, وقد سجلّ في المدة الأخيرة إرتفاع مضطرّد لأعمال العنف شمل تقريبا كل الولايات الجزائريّة ولعلّ الرسميين في الجزائر مرتاحون هذه الإيّام لإبتعاد الأضواء عن ساحتهم الداخليّة وتوجههّا بالكامل إلى العدوان الأمريكي على أفغانستان والغارة الأمريكية المرتقبة على العراق والغطرسات الأمريكيّة المقبلة والتي تهيئ لها واشنطن المبررات أيضا, ويرون في ذلك فرصة لرفع سقف المواجهة وإعادة مشروع الإستئصال إلى الواجهة, خصوصا وأنّ الشيخين عباسي مدني وعلي بلحاج زعيمي الجبهة الاسلاميّة للإنقاذ قد أنهيا تقريبا مدة عقوبتهما, وتتحرك دوائر إستئصالية على خلط الأوراق مجددّا في الجزائر لئلا يطلق سراحهما في الوقت المحددّ !