المدونة لينا بن مهني

إحتجّ شبان غاضبون من الرقابة الصارمة التي تفرضها الحكومة التونسيّة على الانترنت بطريقة سلمية يوم السبت، وذلك بارتداء قمصان بيضاء اللون تتضمن عبارات تندّد بالرقيب الالكتروني الذي يحجب مواقع ذات شعبية عالمية ومدونات شخصيّة. لكنّ تدخّل الأمن حال دون تمكن العشرات من الاحتجاج على الرقابة، فيما أكد مدونون لـquot;إيلافquot; إنّ quot;الانتفاضة الالكترونية ضدّ الرقيب عمار 404 ستتواصل إلى حين فكّ السلطات للحجب الذي تفرضه على عدد كبير من المواقع والمدوناتquot;.

أجهضت الشرطة في العاصمة التونسيّة محاولة احتجاجية شبابية تهدف إلى التنديد بالرقابة الصارمة المفروضة على الفضاء الافتراضيّ وسياسة حجب المواقع والمدونات.
ومنع أعوان الأمن الذين رابطوا بكثافة في شارع quot;الحبيب بورقيبةquot; بالعاصمة والأنهج القريبة منه، توافد العشرات من الشبان ممن أرادوا المشاركة في مبادرة شبابية دعا إليها ناشطون على شبكة الانترنت، وتهدف إلى الاحتجاج على حجب الانترنت وتدعو إلى حرية التعبير ووقف الرقابة على الفضاء الافتراضيّ.

وتتمثّل المبادرة السلمية في ارتداء قمصان بيضاء خُطت عليها عبارات تندّد بالرقيب quot;عمار 404quot; وهو الاسم الساخر الذي أطلقه المُحتجون على الجهاز الحكوميّ الذي يشرف على حجب المواقع وقرصنة المدونات، وكان مقرّرًا ألا يتجمّع الشباب في أي مكان، بل أن يكتفوا باحتساء القهوة في المقاهي والفضاءات العامة بالشارع الرئيس بالعاصمة.

وكان مقرّرًا أيضًا وفق أصحاب المبادرة أن تنظم مظاهرة سلمية أمام مقرّ وزارة quot;تكنولوجيات الاتصالquot; بالعاصمة تونس، إلا أنّ وزارة الداخلية رفضت منح ترخيص قانونيّ للشبان الداعين للمظاهرة وهم سليم عمامو وياسين عيّاري ولينا بن مهنّي (مدونة).

وشهدت العاصمة الفرنسية باريس تجمعًا سلميًا شارك فيه العشرات من الشبان أمام السفارة التونسية quot;تنديدا بسياسة حجب المواقع الالكترونيةquot;، ولم تعلق الجهات الرسمية على الموضوع إلى حدّ كتابة التقرير.

وفي تصريحات لـquot;إيلافquot; ذكرت المدونة الشابة لينا بن مهني (حُجبت مدونتها في مناسبتين) أنّ quot;الأمن التونسيّ قام باعتقال زميليها ياسين عياري وسليم عمامو لمدة 12 ساعة يوم الجمعة الماضيquot; وتتابع:quot; على الرغم من أننا استوفينا الإجراءات القانونية لإيداع مطلب قانونيّ لتنظيم تجمع سلمي أمام وزارة تكنولوجيات الاتصال فإننا لم نصل إلى نتيجة ورُفض مطلبنا على ما يبدو بشكل غير مبرّرquot;.

وتقول بن مهنّي:quot;كنا منذ البداية متمسكين بالقانون وقام كل من زميليّ سليم و ياسين بمحاولة الاتصال بمكتب الضبط في وزارة الداخلية يوم السبت 15 مايو/أيار الجاري وبسبب تعذر ذلك لأسباب غير واضحة - على الرغم من مكوثهما في مقر الوزارة - التجأ كل من سليم وياسين في اليوم ذاته إلى إرسال رسالة مسجلة عبر البريد التونسي تحمل نص الإعلام وتم في اليوم ذاته إرسال quot;فاكسquot; يتضمن إعلامًا بما حصل للصحف التونسية المطبوعة محليًاquot;.

وبعد التأكّد من عدم الحصول على ترخيص قانونيّ من طرف وزارة الداخلية - بحسب بن مهنّي - توجهنا إلى الشباب وأعلمناهم بانّ التجمع السلمي أمام وزارة الاتصال تمّ إلغائه، ولكنّ بالمقابل حصل اتفاق على ارتداء القمصان البيضاء كتعبير عن رفض الرقابة التي تطال المواقع الالكترونية والمدونات بصفة عشوائية ومخالفة للقانونquot;.

حكاية الشباب التونسيّ مع الرقيب الالكتروني (عمار 404) لم تكن وليدة اليوم، بل تعود إلى أشهر عديدة، ومع تكثّف الرقابة مؤخرا، أطلق شبان وناشطون ومدونون على الشبكة ما يشبه quot;الانتفاضةquot; الإلكترونية تنديدًا بحجب المواقع والمنتديات والمدونات وقاموا باستهداف مُركّز لـquot;عمار 404quot; وهو اسم ساخر ابتدعه مستعملو الشبكة لنعت quot;الوكالة التونسية للانترنتquot; التي تسيّر خدمة الربط بالشبكة في تونس، ويظهر الرقم 404 كلما حاول المبحر في تونس الولوج إلى موقع تحجبه الرقابة .

وذكر بلاغ للحزب الديمقراطيّ التقدّمي المعارض في بلاغ تلقت quot;إيلافquot; نسخة منه : quot;حاصر ابتداء من الثانية بعد الزوال عدد كبير من أعوان الأمن بزي مكافحة الشغب كل التقاطعات مع شارع بورقيبة وبالقرب من وزارة المواصلات، ومنع البوليس باللباس المدني الشباب، وبالأخصّ المدوّنين المتعاطفين مع الحملة ضدّ الحجب، والوجوه السّياسيّة، من التّواجد في مقاهي مركز العاصمة تونس ومن التجوال في محيط شارع الحبيب بورقيبةquot;.

واحتجّ الحزب بشدة على ما أسماه quot;منع شباب الحزب من الدخول إلى مقرّه وعلى إيقاف اثنين منهمquot; ومضى البلاغ قائلاً: quot;المطالبة بحرية الإعلام وبرفع الحجب ليست خاصة بشباب الحزب وإنما هو مدّ جماهيري لن توقفه سياسة القمع والاعتداءات والإيقافات التعسّفيةquot;.

ولا تبدو محاولة التجمع أمام وزارة تكنولوجيات الاتصال يوم 22 مايو/ أيار والتي أجهضتها وزارة الداخلية، الأسلوب الوحيد للاحتجاج الذي لجأ إليه مستعملو الانترنت للتنديد بالرقابة، إذ شهد الفضاء الافتراضيّ التونسيّ منذ أيام حملات متنوّعة في الشكل والمضمون لكنها تلتقي جميعها في الهدف وهو رفع الرقابة العشوائية على الانترنت.

وكانت الحملة قدانطلقت بعد أن حجبت السلطات يوم الثلاثاء 27 أبريل/ نيسان الماضي أكثر من عشر مدوّنات في يوم واحد علاوة عن موقع quot;فيلكرquot; (flickr) الشهير لتحميل الصور وتقاسمها، كما حجبت العشرات من الصفحات الخاصة والمجموعات على شبكة quot;فايسبوكquot; الاجتماعية الأمر الذي أثار غضب مستعملي الانترنت.

وصنّف تقرير لمنظمة quot;مراسلون بلا حدودquot;للعام 2010، تونس ضمن قائمة quot;أعداء الإنترنتquot; في العالم، لأنها تحجب مواقع ذات شعبية عالمية كـquot;اليوتيوبquot; وquot;الدايلي موشنquot; وquot;وات تي في (Wat.tv) ومواقع إخبارية معروفة كالجزيرة نت، ومواقع المنظمات الحقوقية الدوليّة والمحلية وبعض مواقع أحزاب المعارضة القانونية وغير القانونيّة والعشرات من المدونات الشخصية ومن بينهما مُدونات تعنى بالثقافة والفنّ والطبخ.

ووجهت مجموعة من المُدونين المتضررين من سياسة الحجب رسالة إلى رئيس الدولة زين العابدين بن علي خلال مايو/أيار الجاري يحثونه من خلالها على التدخّل لـquot; لفكّ الحجب غير القانوني عن العديد من المواقعquot;.

وجاء في نصّ الرسالة: quot;في الوقت الذي أعلنت فيه quot;الأمم المتحدةquot; سنة 2010 سنة عالمية للشباب على إثر اقتراح سيادتكم، يشعر جزء من الشباب التونسي بالإحباط بسبب حرمانه من الدخول إلى مواقعه الالكترونية المفضلة. وبعضهم ممن أراد المشاركة في نقاش الشأن العام، تعرضت مواقعهم الشخصية إلي الحجب، نتمنى أن تتدخلوا لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحيث لا يحجب أي موقع بصفة غير قانونية دون استناد إلى قرار قضائي وهو ما يتعارض مع الفصل الثامن من دستورنا والفصل التاسع عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسانquot;.

ويقول المدون والصحفيّ سفيان الشورابيّ لـquot;إيلافquot; معلقا على أحداث السّبت:quot;المثير للانتباه في تحركات اليوم، أن من انخرطوا فيها ووضعوا معالمها هم شباب غير منتمين حزبيا، أي غير مُسيّسين، التقوا جميعا حول حقهم في الوصول إلى المعلومة على شبكة الانترنت، وعلى الرغم من شرعية هذا الحقّ فإنّ ما راعانا هو التوقيف العشوائيّ لعدد منهم والتعامل الأمني مع شباب أراد الاحتجاج سلميًاquot;.

ويضيف الشورابيّ الذي حجبت السلطات مدونته وصفحته الشخصيّة على شبكة quot;فايسبوكquot; للتواصل الاجتماعيّ: quot;التونسيون في الخارج تمكنوا من التعبير عن غضبهم من الرقابة، أما في تونس فإنّ المنع مُضاعف، منع من الإبحار بحرية على الشبكة، ومنع من الاحتجاج على الرقابةquot;.

وجدير بالذكر أنّه على الرغم من تأكيد الحكومة على أنها تحجب المواقع الإباحية والمواقع التي تحثّ على العنف والإرهاب فقط، فإنّ نشطاء الانترنت وحقوق الإنسان والمدافعون عن حرية التعبير يتهمون quot;الوكالة التونسية للإنترنتquot; وهي مؤسسة حكومية تمثّل دور المشرف على خدمات الانترنت وتعميم استعمالها في البلاد، بالوقوف وراء حجب المواقع الالكترونيّة وتدميرها.وتتبع هذه الوكالة سلطة إشراف وزارة quot;تكنولوجيات الاتصالquot;، وتقول إن من وظائفها quot;تطوير إستراتيجية استعمال الانترنت وإيجاد تطبيقات جديدة في هذا الميدان وإدارة الربط الوطني بالشبكةquot;.