لا يشعر المسيحيون في الأردن بالقلق من أي تهديد إرهابي يطال أمنهم ويعيقهم عن ممارسة شعائرهم الدينية بحرية. وتؤكد شخصيات دينية مسيحية أردنية أن هذه الحالة تعود إلى فترة طويلة، ولا شيء يخيف المواطن المسيحي.


تختصر الأوساط الدينية المسيحية والإسلامية الأردنية التعبير عن الحضور المسيحي بخصوصية النموذج الذي يصدّر إلى العالم أجمع.

حريتهم الدينية وإقامة شعائرهم في الكنائس مصونة، تمارس بحرية تامة في أجواء أمن واستقرار، كما أن حقوقهم السياسية مكفولة في الدستور الأردني كمواطنين أردنيين. وهناك حالة تعايش وتآخٍ تربط المواطنين الأردنيين سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين في عادات وتقاليد متشابهة.

ويقول عدد من المحللين لـquot;إيلافquot; إن المسيحيين في الأردن يتمتعون بحرية الممارسة الدينية والتعليمية وهم شركاء في الحياة السياسية نواباً وأعياناً ووزراء، ومن خلال عملهم في مختلف مؤسسات الدولة الحكومية والأجهزة الأمنية.

ورفض محللون إصطلاح الأقلية المسيحية أو إستهداف المسيحيين في الأردن، لأن الفتنة الطائفية كلمة محظورة رسمياً وشعبياً، ضمن وحدة وطنية مترسخة لا يمكن اختراقها منذ تأسيس إمارة شرق الأردن، ومستمرة في عهد المملكة الأردنية الهاشمية ورعاية العائلة الملكية الهاشمية لها.

وعزا محللون بروز فتنة طائفية في دول عربية مجاورة للأردن إلى السياسة الإستعمارية التي ترمي إلى تقسيم وتفتيت تلك الدول، وهذا يخدم مصالح إسرائيل بإفراغ الدول العربية من المسيحيين للقضاء على التنوع فيها عبر إثارة الفتن وتسهيل تهجير بعضهم.

الوجود المسيحي في الأردن
يعيد عضو الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة الأب رفعت بدر الوجود المسيحي في قرى شرق الأردن quot;حتى مطلع القرن العشرين، كانوا ينتظمون ضمن عشائر تدين بالمذهب الأرثوذكسي وهي تابعة دينياً لبطريركية القدس للروم الأرثوذكس، التي تنظم شؤونها وفقاً للعرف العشائري كشقيقاتها وجاراتها القبائل العربية المسلمةquot;. وأضاف في حديثه لـquot;إيلافquot; أنه quot;بقيام المملكة الأردنية الهاشمية، دخلت إلى المجتمع الأردني المسيحي العشائري التقليدي عناصر التحديث، وهي مدارس وإرساليات كنائس أخرى ككنيسة الروم الكاثوليك القادمة من دمشق وحيفا، وكنيسة اللاتين القادمة من بطريركيتهم في القدس، وكنائس بروتستانتية آتية غالباً من فلسطين. فاعتنق قسم من هذه العشائر الأرثوذكسية مذاهب مسيحية أخرىquot;.

وحول مسألة أعداد المسيحيين الأردنيين وتوزيعهم داخل المملكة يشير الأب بدر إلى أن المسيحيين quot;يسكنون العاصمة عمان إضافة إلى محافظات الزرقاء وإربد ومادبا والسلط والكرك، ويقدر عددهم بحوالى 220.000 نسمة أي 4 % من إجمالي سكان الأردنquot;. ويوضح أن quot;جميع تلك المناطق يوجد فيها كنائس، وهي تفوق 100 في كل أنحاء الأردن، إلى جانب الأديرة والمدارس وجامعة كاثوليكية تبنى حالياً في مادبا، إضافة إلى مؤسسات الرعاية الإجتماعية والصحية والمحاكم الروحيةquot;.

جزء أساسي
في ظل هذا الواقع، يقول أستاذ الأديان المقارنة في جامعة آل البيت الدكتور عامر الحافي لـquot;ايلافquot; إن المسيحيين في الأردن جزء أساسي من تكوين المجتمع الأردني مثل المسلمين، بحكم عوامل أهمها التاريخ المشترك والتحديات والهموم المشتركة التي تجمع الشعب الأردني لمواجهة أخطار الدولة اليهودية التي تهددناquot;.

من جهته، يقول أمين سر رؤساء مجلس الكنائس في الأردن الأب حنا كلداني إن المواطن الأردني المسيحي يتمتّع بكامل حريته لإقامة الشعائر الدينية والصلوات والإحتفالات بالأعياد الدينية، وإعلانها يوم عطلة رسمية لجميع الأردنيين خصوصاً أعياد الميلاد المجيدة. ويؤكد أن المسيحيين في الأردن quot;ليسوا حدثاً طارئاً بل يعيشون مع أخوانهم المسلمين في هموم مشتركة وعادات وتقاليد مجتمع متشابهة تماماً في كل المناسبات الإجتماعيةquot;.

الأردن حالة خاصة
تؤكد الناشطة في حوار الأديان ماري حتر (مسيحية أردنية) لـquot;إيلافquot; أن مهد الديانة المسيحية وجذورها مترسخة في الأرض العربية، وأن الحالة الأردنية المسيحية نموذج رائد لا يمكن وصفه أو مقارنته بأي نموذج عربي آخر، إذ لا نشعر بمضايقات أو تدخل في طقوسنا الدينيةquot;.

ورداً على انتشار مصطلحات الإستهداف والأقليات المسيحية وتهجير المسيحيين التي باتت تنتشر في الوقت الحاضر خصوصا في الدول العربية، ،اعتبر الأب كلداني أنها لا تنسحب على الحالة الأردنية، لافتاً إلى أن quot;الإستهداف الذي يعيشه المسيحي الأردني إيجابيا تماماً بحكم المحبة الإجتماعية والحماية التي يوفرها الملك عبدالله الثاني والأجهزة الأمنية كافة للوطن والمواطنquot;.

وينفي الأب بدر وجود استهداف لمسيحيي الأردن، قائلاً إن اللحمة التاريخية بين المسيحيين والمسلمين في الأردن من الصعب المساس بها خصوصا أننا محصنون بحكمة القيادة الهاشمية والدستور الأردني الذي ينص على المساواة الكاملة بين المواطنينquot;.

ويدلل على استحالة استهداف المسيحيين بقيام الحكومة الأردنية بإعفاء الكنائس من الكثير من الضرائب شأنها في ذلك شأن المساجد وبيوت العبادة لدى المسلمين، quot;يحق للمسيحيين بناء كنائسهم ومدارسهم كما يشاؤون، ويمكنهم أن يقيموا جمعياتهم الخيرية ومستشفياتهم شأنهم في ذلك شأن المواطنين كافة. ولهم أن يمارسوا شعائرهم الدينية بكل حريةquot;.

ويلفت الأب بدر إلى إهتمام السلطة في البلاد بأن يأخذ المسيحيون دورهم الفاعل في الحكم وفي المجالات السياسية من البرلمان ومجلس الأعيان ومجلس الوزراء في حكومات الملك عبدالله الثاني، وكذلك في الدوائر الرسمية كافة.

إسرائيل وراء استهداف المسيحيين
لكن سر توقيت إثارة الفتن وإستهداف المسيحيين في الشرق يعيده الدكتور الحافي إلى إسرائيل التي يتهمها quot;بالوقوف وراء الفتن والإستهداف خصوصا بعد تنامي فكرة يهودية الدولةquot;.

ويستدرك بالقول إن quot;الفتنة الطائفية بدأت في العراق بعد الإحتلال الأميركي للعراق وبدأت بين المذاهب الإسلامية وتطورت إلى فتنة طائفية دينيةquot;، وهو يرى أن quot;بروز تيارات إسلامية متطرفة سلفية تستهدف المسيحيين، لأن قناعتهم مرتكزة على الجهل بأن الدول الغربية هم المسيحيون أنفسهم لذا هذه التيارات الدينية الجديدة تشكل خطورة على المسلمين أنفسهم قبل المسيحيين، ووجودها مقترن بخدمة مصالح دول عربية في المنطقةquot;.

وإتفق كلداني وبدر مع ما ذهب إليه الحافي في مسألة التهديد الإسلامي المتطرف الذي يطال الدولة والمسلم المؤمن قبل المسيحي. أما الأب كلداني فأكد أن لا تهديد للمسيحي الأردني من المسلم المتطرف حيث لا وجود له على الأرض الأردنية التي تؤمن بالإعتدال وحماية كل من على أرضها بفضل العين الساهرة للأجهزة الأمنية المختلفة.

من جهته يعتبر الأب بدر أن quot;لا شيء يخيف المواطن المسيحي من دستوره وحكومته، فهو مواطن يتمتع بحقوق المواطنة، شأنه في ذلك شأن المواطن المسلم. فإختلاف الدين والتعددية أمور شرعية يحميها القانون. والعلاقات بين المسلمين والمسيحيين جيدة جداً. كذلك فإن علاقات رجال الدين المسيحي مع جميع المواطنين المسيحيين، ولا شيء في الأفق يوحي لهم بالقلق. وهم يتمتعون بحقوق وصلاحيات مضمونة في الدستور، لا يتمتع بها المسيحيون في الدول الأوروبية والأميركيةquot;.
لكنه لم يستعبد quot;تسرب أصابع خارجية لبث روح الفتنة بين المواطنين أبناء الوطن الواحدquot;.
أما الناشطة حتر فتعتبر أن quot;لا تهديد يمس أي مواطن مسيحي من قبل مسلم متطرف أو غيره نتيجة للأمن الذي نعم به وتوفر الحماية والأمن للكنائسquot;.

لا هجرة
في ظل الحديث عن هجرة مسيحيي الشرق والتسهيلات المقدمة لهم من السفارات الغربية وفق رؤية الأب كلداني quot;لا يوجد هجرة مسيحية من الأردن، بل هي معقولة وتستند إلى مبدأ إيجاد فرص عمل سواء كانت نحو دول عربية أو غربيةquot;. بدوره يؤيد الدكتور الحافي أن quot;الهجرة في الأردن للشباب المسيحيين والمسلمين معاً تنطلق من مبدأ البحث عن فرص عمل أفضل أي أنها ليست هجرة قسرية أو بتسهيلات من الدولة الأردنيةquot;.

ويذكر الأب كلداني أن الأردن يشهد هجرة معاكسة أي quot;عودة أبنائه المسيحيين المقيمين من أميركا للإستثمار وإقامة مشاريع إقتصادية في وطنهمquot;.

لكن في الوقت ذاته لم يستبعد الدكتور الحافي quot;وجود مخطط سياسي لإفراغ الدول العربية من المسيحيينquot; مؤكداً أنه quot;يجب مقاومته لأن الهجرة تخدم مصالح إسرائيل، لأن التنوع مهم جداً، وإذا كانت الدول الغربية تهدف إلى ذلك لتنفيذ مخططات مستقبلية هدفها إظهار الشعب المسلم على أنه يرفض الآخر وترسيخ صورته كإرهابي لا يعيش مع غيرهquot;. لكن الناشطة حتر تعتقد أن أبواب السفارات الغربية تقدم التسهيلات لبعض مسيحيي الشرق خصوصاً في فلسطين والعراق وحالياً مصر، وتهجيرهم يأتي من باب مخططات مستقبلية لإفراغ العالم العربي من الوجود المسيحي وإحلال الوجود اليهودي مكانه، للسيطرة على المنطقة، وهذا يخلق تحدياً أمام الحكومات العربية في كيفية تمسكها بالوجود المسيحي العربي كنقطة توازن أمني في المنطقةquot;.

دور الدولة
لكن السؤال الأهم هو كيف على الدولة الأردنية وشعبها الأردني المسلم والمسيحي مواجهة الحركات المتطرفة؟
يجيب الأب بدر بأن المواجهة تتم عبر إحياء أسبوع الوئام بين الأديان والتركيز في بيوت العبادة (المساجد والكنائس) والمدارس والجامعات ووسائل الاعلام على إحترام الآخر المختلف وتقبله دون خوف من الآخر ودون وضع حدود.
ويرى الدكتور الحافي أن على الدولة quot;المواجهة عبر تغيير مناهج التعليم وتضمينها مساحة أكبر عن الدور الحضاري الإجتماعي والسياسي والإقتصادي للمسيحيين لنزرع في أجيالنا جذور الحقيقة وتقبل الآخر لتحصينهم من بذور العنف والتطرف ومنع استغلال أي ثغراتquot;.

وكذلك إقترح الأب بدر والدكتور الحافي تبادل زيارات وحوارات بين المساجد والكنائس لصقل شخصية الإنسان وتوجيه أفكاره ولزرع الدين الحقيقي وهو دور السلام والمسامحة في نفوس الناس والمؤمنين. وكذلك التركيز في الخطب في الكنائس والمساجد على لغة الرحمة والسلام ونبذ العنف والتطرف وزرع الكراهية أي يجب على بيوت العبادة أن تجمع وتوحد لا أن تفرق.

ويؤكد الاب بدر أن quot;الملك عبد الله الثاني والحكومات الأردنية المتعاقبة تحافظ بكل إهتمام على أماكننا المسيحية المقدسة في الأردن، وبنوع خاص على مقام النبي موسى في جبل نبو، ومقام النبي إيليا، وموقع استشهاد يوحنا المعمدان في مكاور وموقع عماد السيد المسيح حيث تفضلت الحكومة ومنحت مجاناً العديد من الكنائس مواقع لإقامة الأديرة والكنائسquot;.