يرى المستشار نجيب جبرائيل محامي الكنيسة المصرية في لقاء مع (إيلاف) أنّ الأقباط يعانون من الاضطهاد منذ أربعة عقود خلت. ويدعو جبرائيل الحكومة المصريّة إلى رفع الاضطهاد عن الأقباط بسنّ القانون الموحد لبناء دور العبادة ومنع التمييز في الوظائف العامة وقانون حرية العقيدة ومنع ازدراء الأديان.


المستشار نجيب جبرائيل محامي الكنيسة المصرية

القاهرة: قال المستشار نجيب جبرائيل محامي الكنيسة المصرية إن الأقباط في مصر يعانون من الإضطهاد منذ أربعة عقود مضت، ودعا جبرائيل في حواره مع quot;إيلافquot; الحكومة إلي إصدار مجموعة من القوانين على وجه السرعة، لإحتواء الإحتقان الطائفي، ورفع الإضطهاد عن الأقباط، ومنها القانون الموحد لبناء دور العبادة، القانون الموحد للأحوال الشخصية للمسيحيين، قانون منع التمييز في الوظائف العامة، قانون حرية العقيدة ومنع إزدراء الأديان.

ورفض جبرائيل رئيس الإتحاد المصري لحقوق الإنسان دعوات أقباط المهجر إلى إنشاء دولة للمسيحيين في مصر، معتبراً في الوقت نفسه أن دعوة بابا الفاتيكان إلى حماية الأقليات المسيحية تأتي في إطار منظومة حقوق الإنسان.

وفي ما يلي نصّ الحوار

كيف تري حادث كنيسة القديسيين الذي راح ضحيته 23 قتيلاً و79 جريحاً في الدقائق الأولي من العام الجديد؟

لا يمكن النظر إلي هذا الحادث بمعزل عن الظروف التي تحيط بالمسيحيين حالياً، والتي كانت وراء زيادة الإحتقان الطائفي، وشجعت على الكراهية، وعدم قبول الآخر.

حيث تركت الدولة العديد من المشايخ الإسلاميين يظهرون بالفضائيات، ويؤلفون كتباً، ويسطرون مقالات في الصحف تتهم الأقباط بالكفر، والإنجيل بالتحريف. ويتهمون الكنيسة بتخزين الأسلحة والذخائر بالكنائس والأديرة.

ومازال هناك أكثر من ثلاثة آلاف قضية تخص quot;العائدين إلى المسيحيةquot; لم ينظر فيها بحجة أن أصحابها مرتدين، في حين تكفل الحرية لمن يريد إعتناق الإسلام، كما أن الدولة تخالف القوانين فيما يخص حضانة الأم لأطفالها، حيث تنزع الحضانة عن الأم المسيحية لأولادها من زوج مسلم.

بالإضافة إلى عدم إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة. أو القانون الموحد للأحوال الشخصية للطوائف المسيحية.

وإصدار أحكام قضائية تخالف تعاليم الإنجيل، ويتجلي ذلك من خلال الأحكام التي تلزم الكنيسة بالسماح بالزواج الثاني بما يخالف تعاليم الإنجيل.

كلامك يدل على أن هناك اضطهادا منهجيا ضد الأقباط في مصر، فهل تقصد ذلك بالضبط؟

الأقباط يعانون من الإضطهاد منذ أربعة عقود من الزمن، وبالتحديد عندما قال الرئيس السادات quot;أنا رئيس مسلم لدولة مسلمةquot;، كما لو كان المسيحيون مواطنين من الدرجة الثانية.

ونحن نرى أن الحكومة هي المتهم الحقيقي فيما يحدث للأقباط في مصر، وفيما يعانيه المجتمع من إحتقان طائفي، وذلك بسبب تقصيرها عن إصدار قوانين، تبسط من خلالها هيمنتها على الأوضاع، و تجعل مبدأ المواطنة المنصوص عليه في الدستور واقعاً ملموساً.

ولذلك فنحن نطالبها بإصدار مجموعة من القوانين على وجه السرعة، لتدارك الموقف، و إحتواء النيران المشتعلة، ومن تلك القوانين: قانون موحد لبناء دور العبادة. قانون يحظر التمييز يساوي بين جميع المواطنين في تقلد جميع الوظائف في شتي مؤسسات الدولة، بدون النظر إلي الدين. قانون حرية العقيدة وتجريم إزدراء الأديان.

فضلاً على أنه يجب على الحكومة اتخاذ مجموعة من الإجراءات على المدى الطويل لتغيير الثقافة المتشددة تجاه الأقباط، ويبدأ ذلك من إصلاح المناهج التعليم، التي تحض على الكراهية، ولا تقبل الآخر.

فتح منافذ إعلامية أو زيادة الرقة الإعلامية للمسيحيين، بعد إنحصارها في نقل وقائع قداسي عيدي الميلاد والقيامة، من كل عام.

منح الأقباط الحق في تقلد الوظائف الحساسة، لأنهم يشعرون بأن هناك عدم ثقة في إنتمائهم للوطن، رغم أنهم كانوا شركاء لأخوانهم المسلمين في حربي الإستنزاف وأكتوبر المجيدة التي لم تفرق بين مسلم ومسيحي.

لكن هناك مسيحيين يتقلدون مناصب عليا في الدولة، فالحكومة تضم وزيرين مسيحيين، أحدهما وزير المالية، ويشغل مسيحي منصب محافظ قنا، وكان نائب مدير أمن العاصمة مسيحي؟

نعم كان اللواء سامي سيدهم مساعداً لمدير مباحث القاهرة، لكن لا يوجد مسيحي في منصب مدير أمن على مستوي الجمهورية، ولا يوجد ضابط مسيحي في قطاع أمن الدولة بوزارة الداخلية أو غيرها من الأجهزة الأمنية الحساسة.

ولم يشغل أي مسيحي منصب رئيس جامعة، أما الوزيران والمحافظ فهم يشغلون مناصب سياسية، ويعملون داخل منظومة مجلس الوزارء.

تتحدث عما حدث وكأنك تغفل تهديدات القاعدة باستهداف الكنائس المصرية؟

لقد أخذنا تهديدات تنظيم القاعدة في الإعتبار، وحتي لو أفترضنا جدلاً أن تلك التهديدات كانت سبباً في حادث التفجير الذي وقع أمام كنيسة الإسكندرية، فإنها quot;استوردتquot; من مصر، عبر الغلاة والمتطرفين الذين روجوا أن الأقباط يحتجزون زوجتي كاهنين، ويمنعونهما من إعتناق الإسلام، ومن هنا أطلقت quot;القاعدةquot; تهديداتها. وأنا أعتقد أن المتهم الرئيسي هو مناخ الشحن الطائفي الذي نعانيه جميعاً.

يري البعض أن الحادث مؤشر على عودة الإرهاب إلي مصر، هل تتفق مع هذا القول؟

حادث كنيسة القديسين، ليس حادثاً إرهابياً، ولكنه حادث طائفي. وأعتقد أنه في حالة إستمرار المناخ الطائفي على ما هو عليه الآن، سوف يشجع الجماعات الإرهابية على التوغل في البلاد. لأن الإرهاب يبدأ بأحداث طائفية.

وفي اعتقادي أن مصر ليست بعيدة عن الحزام الإرهابي.

كيف تنظر إلي المظاهرات التي خرجت في أعقاب الحادث رافضة للإرهاب، وشارك فيها المسلمون والمسيحيون جنبا إلى جنب؟

أعتقد أن المشكلة ليست في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، لأنها علاقة ذات جذور عميقة وممتدة عبر سنوات طويل من الزمن، وتجلت مدي قوتها في ثورة 1919، عندما خرج جميع الشعب المصري في مظاهرات حاشدة، مندداً بالإحتلال البريطاني لمصر.حقاً كانت تلك المظاهرات التي أعقبت حادث طنيسة القديسيين أشبه ما يكون بالملحمة.

لكن السؤال المهم: هل الحكومة سوف تستجيب للمطالب التي رفعها الشباب القبطي.

من وجهة نظري، الحكومة هي المتهم بصنع التوتر بين الطرفين، بسبب تقصيرها في كفالة حرية العقيدة و المواطنة للأقباط. وأخشي أن تنتهي الأمور عند حد المظاهرات، ويرسو القارب على الشاطيء من جديد، ولا يجد من يحركه.

في إعتقادك، لماذا تقف الحكومة ضد تنفيذ مطالب الأقباط التي ذكرتها؟

للأسف الشديد، الحكومة تخشي غول الإخوان المسلمين، والمتشدين الذين إنتشروا في ربوع البلاد، وخاصة بالجهاز الإداري للدولة.

وأرى أن الأقباط في ذاكرة الحكومة، وليسوا في ذهنها. فهي تتجاهل مطالبهم، ولاتتذكرها إلا عندما تقع كارثة، فيبدأ الحديث عن مطالبهم، وعن المناخ الطائفي، ثم تهدأ الأمور، فتعود الأوضاع إلي ما كانت عليه.

هل إصدار حزمة القوانين التي أشرت إليها، سوف يساهم في حل مشاكل الأقباط؟

ربما يحلها حلاً جزئياً، وكان من الممكن الاستغناء عن كل هذه القوانين، لو لم يكن هناك انتشار للثقافة المتشددة، لكن طالما الحال كذلك، فلابد من إصدار تلك القوانين، لتكون حداً فاصلاً ورادعاً للمتطرفين الذين يعملون على شحن المشاعر المعادية للمسحيين.

وأعتقد أن إصدار قانوني بناء دور العبادة، وحظر التمييز سوف يحلان مشاكل كثيرة.

في إطار الردع أيضاً، دعا البعض إلي محاكمة المتهمين في مثل تلك الجرائم عسكرياً، هل يجوز ذلك، لاسيما وأنت محام وحقوقي؟

نحن نرفض ذلك تماماً، لأن المحاكمات العسكرية ضد الحريات، وضد الدستور، ويجب أن يحاكم أي متهم أمام قاضيه الطبيعي، ولا ينبغي أن ترضي الحكومة الأقباط على حساب إنتهاك الدستور والحريات.

البعض يقول إن هناك ما يوصف بـquot;عمليات أسلمة للفتيات المسيحياتquot;، كيف ترى تلك المشكلة، لاسيما أنها كانت سبباً في العديد من المشاحنات الطائفية؟

المشكلة ليست في أسلمة الفتيات ـ لو أفترضنا جدلاً أن هناك أسلمة لهن ـ ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في التعتيم على حالات إسلام تلك الفتيات، حيث أن الأمن يتكم ويرفض تبيان الحقيقة حول تلك الحالات التي تعتنق الإسلام سواء بالإغراء أو الإكراه أو الاقتناع.

ينبغي أن تكون هناك شفافية في التعامل مع الأمر. خاصة أنه في المقابل، يتم ملاحقة من يعتنقون المسيحية سواء من الفتيات أو الشباب أمنياً وقضائياً. مما يدل على أن الحكومة تكيل بمكيالين.

وما الحل من وجهة نظرك؟

الحل يكمن في إطلاق حرية العقيدة، ومنع التلاعب بالأديان في الوقت نفسه.

تتحدث عن تشدد إسلامي يتنشر في شتي ربوع الجمهورية المصرية، وكأن الجانب المسيحي لا يعاني من المشكلة نفسها؟

يعتبر التشدد المسيحي مجرد رد فعل، فالمثل يقول quot;لا تخنقني، وتطلب مني ألا أخربشكquot;، فحينما تهان المقدسات المسيحية، وعلى رأسها الكتاب المقدس، وتتهم الكنيسة بالخيانة، يرد الجانب المسيحي، وأعترف أنه في أحيان كثيرة يكون رد الفعل عنيفاً.

ما رأيك فيما يقال عن لعب الكنيسة دورا سياسيا، وأن ذلك الدور يتعاظم مع مرور الوقت؟

ليس للكنيسة دور متعاظم في الدولة، والدليل أن الأقباط يعانون من عدم حرية العقيدة، ومحرومين من تقلد الوظائف العليا، و لديهم مشاكل في بناء الكنائس.
وأعتقد يمكن القول أن للكنيسة دور متعاظم غير صحيح، لأنها لم تتحقق الحدود الدنيا في مطالب الأقباط.

دعا بابا الفاتيكان المجتمع الدولي إلي حماية المسيحيين في مصر، فكيف ترى الكنيسة تلك الدعوة؟

حماية الأقيات من المهام الأساسية للدولة، لكن ليس هناك ما يمنع أن ينظر المجتمع الدولي في مسألة إهدار حقوق الأقليات بإعتبارها جزء من منظومة حقوق الإنسان.

ومصر وقعت على العديد من المواثيق الدولية في هذا الصدد. فإذا كان هناك قصور في حماية الأقليات، فليس هناك ما يمنع أن تحث الدول الأخرى، الدولة المقصرة على القيام بواجبها حيال الأقلية الموجودة على أراضيها.

والبعض أو العامة يعتبرذلك تدخلاً في شؤون الدولة، لكن الأمر ليس كذلك.

طالب بعض أقباط المهجر بتأسيس دولة للمسيحيين في مصر، بل وأعلنوا تشكيل حكومة في الخارج، ما تعليقك؟

الشعب المصري نسيج واحد، يختلف في ذلك عن باقي شعوب المنطقة، سواء في لبنان أو العراق أو السودان. فالخلفية التاريخية والسياسية تأبي انقسام مصر إلى دويلات، ولا يمكن تحقيق هذا الأمر، الذي نرفضه بشدة.

ولكن أقباط المهجر مدفوعين بمشاعر عاطفية، حينما يرون أن دماء أبنائهم وأشقائهم تراق على أرض الوطن.