إستقبل المصريون، ولاسيما جماعات الإسلام السياسي، رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان إستقبال الأبطال وكان لافتاً للنظر أنهم عندما اصطفوا في مطار القاهرة لتحيته، رفعوا لافتات تدعوه إلى إقامة الخلافة الإسلامية، ولكنه تجاهل الحديث عن تلك القضية في مقابل الإشادة بالعلمانية التركية ودعوة الشعب المصري إلى إقامة جمهوريتهم الجديدة على أسس علمانية.


قوبل تجاهل رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان لدعوات quot;الخلافة الإسلاميةquot; بسخط شديد من قبل الإسلاميين، واعتبروا أن دعوته لإقامة مصر على أسس علمانية بمثابة تدخل خارجي في الشؤون المصرية، وإنتقدوا ما وصفوه بـ quot;محاولة تركيا الهيمنة على المنطقة العربيةquot;. وكان مشهد وداعه الذي خلا من الوجوه المتزعمة أو المنتمية إلى التيار الإسلامي، يتناقض تماماً مع مشهد الإستقبال الحار.

في مطار القاهرة، كانت اللافتات التي رفعها أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة تعبر عن حفاوة بإردوغان باعتباره زعيماً إسلامياً، ومنها quot;إردوغان إردوغان.. تحية كبيرة من الإخوانquot;، quot;مصر تركيا إيد واحدةquot;، quot;مصر وتركيا عاوزنها خلافة إسلاميةquot;.

ورغم أنه قرر أن يخاطب الشعب المصري من دار الأوبرا، وليس من مشيخة الأزهر في رسالة واضحة للجميع، إلا أن الإسلاميين، ولاسيما الإخوان إستقبلوه في قاعة المسرح الكبير في الأوبرا بالهتافات واللافتات ذاتها، وكان منها quot;مصر وتركيا يد واحدةquot;، quot;إردوغان يا زعيم وحد صف المسلمينquot;، وكأنهم يعيشون في حالة انفصام تام عن الواقع أو يرفضون التصديق بأنه ليس زعيماً إسلامياً، بل زعيم سياسي لدولة علمانية.

لكن إردوغان لم ينس أن يدغدغ مشاعر المصريين بالحديث عن العلاقة القوية بين مصر وتركيا، والحديث عن رموزهم الفنية والشعبية قائلاً باللغة العربية quot;إن مصر بلد سيدنا موسى ويوسف وأن مصر أم الدنياquot;، وقوبل ذلك بتصفيق حار. ثم واصل الحديث باللغة التركية quot;إن مصر مركز الحضارة الإسلامية القديمة ومنارة العلم والمعرفة من خلال جامعة الأزهر، ومصر صوت عبد الصمد وأم كلثوم، مصر أخت تركيا والقاهرة أخت إسطنبولquot;.

صدمة للإخوان والإسلاميين

وفي حفل العشاء الذي أقامه السفير التركي في القاهرة على شرف إردوغان، لم يترك رئيس الوزراء التركي الفرصة تفوته، للتأكيد على الهوية العلمانية لدولته، وعلى أنه ينشد لمصر المصير نفسه، فعندما وجه له أحد السياسيين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين سؤالاً حول حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه، ووصفه بأنه حزب إسلامي، رد إردوغان بحزم قائلاً quot;إن حزب العدالة والتنمية، ليس حزباً إسلامياًquot;، مشيراً إلى أنه quot;لا يوجد ما يسمى بحزب إسلامي ديمقراطي، فهذا تعريف خاطئquot;.

غير أن حديث إردوغان لبرنامج تلفزيوني، أثار حفيظة الإسلاميين الطامحين أو الطامعين للوصول إلى سدة الحكم، حيث دعا صراحة المصريين إلى انتهاج العلمانية في الحكم، وقال quot;الآن في هذه الفترة الانتقالية في مصر وما بعدها، أنا مؤمن بأن المصريين سيقيمون موضوع الديمقراطية بشكل جيد، وسوف يرون أن الدول العلمانية لا تعني اللادينية، وإنما تعني احترام كل الأديان وإعطاء كل فرد الحرية في ممارسة دينهquot;.

وأضاف قائلاً quot; لذا على المصريين ألا يقلقوا من هذا الأمر، وعلى المناط بهم كتابة الدستور في مصر توضيح أن الدولة تقف على مسافة واحدة من كل الأديان، وتكفل لكل فرد ممارسة دينه. وأوضح أيضا أن العلمانية لا تعني أن يكون الأشخاص كذلك، فأنا مثلا لست علمانيا، لكنني رئيس وزراء دولة علمانيةquot;. وأكد إردوغان أن quot;99% من السكان في تركيا من الديانة الإسلامية، وهناك من الديانة المسيحية واليهودية لكن الدولة في تعاملها معهم تقف عند النقطة نفسها، وهذا ما يقره الإسلام ويؤكده التاريخ الإسلاميquot;.

هجوم ضد الضيف التركي

وفجأة حدث تحول في موقف جماعة الإخوان التيار الأقوى والأكثر تنظيماً في مصر بعد الثورة، والذي يسعى إلى الوصول للحكم، وفرض نموذج يقوم على أسس إسلامية، وإقامة الخلافة الإسلامية، وشن المتحدث باسم الجماعة محمود غزلان هجوماً شديداً على إردوغان، وقال إن تجارب الدول الأخرى لا تستنسخ، وأضاف أن ظروف تركيا تفرض عليها التعامل بمفهوم الدولة العلمانية، ووصف نصيحة رئيس وزراء تركيا للمصريين بتطبيق العلمانية بأنها quot;تدخل في الشؤون الداخلية لمصرquot;.

ولم ينته موقف الإخوان عند هذا الحد، بل تعداه إلى اتهام تركيا بـquot;محاولة الهيمنة على المنطقة العربيةquot;، وقال محسن راضي الأمين العام لحزب الحرية والعدالة الجناح السياسي للجماعة لـquot;إيلافquot; إن تركيا تنظر لمصر على إعتبارها دولة قوية ومحورية في المنطقة، ومن المهم إقامة تحالف إسلامي معها يعتمد على الأساس على القوة الإقتصادية، من أجل إرغام إسرائيل على الرضوخ للمطالب العادلة للشعب الفلسطيني، وإحداث توازن في القوى بين إسرائيل ودول المنطقة. مستبعداً أن تكون هناك تحالفات إستراتيجية أو عسكرية بين الجانبين في المستقبل القريب، وقال راضي إن إردوغان يؤمن بأن الإقتصاد هو الأساس المتين لبناء علاقات قوية بين الدول.

وحول دعوته لتطبيق العلمانية في مصر، قال راضي إن النموذج التركي قد لا يكون قابلاً للتكرار في مصر بحذافيره، وكل شعب أو دولة لها ظروفها الخاصة، ووصف راضي الدعوات التي خرجت أثناء إستقباله في المطار لإقامة خلافة إسلامية بأنها quot;حماس شبابquot;، لا علاقة لها بالسياسية، مشيراً إلى أن الجميع يعلم أن تركيا لا تستطيع الفكاك من العلمانية لأسباب خارجية وداخلية قوية. معتبراً أن هناك محاولات تركية للهيمنة على المنطقة.

النموذج التركي ليس المنشود

وجاء الهجوم الأشد قوة من قبل المرشح الرئاسي المحتمل حازم صلاح أبو إسماعيل الذي يتنمي إلى التيار السلفي، وقال عبر صفحته على موقع الفايسبوك: quot;كان مفاجئا موقف رئيس وزراء تركيا عندما هتفت له الجماهير المصرية، مذكرة له بالخلافة الإسلامية، فأشاد بالعلمانية مطالبا المصريين بعدم الخوف منهاquot;.

وأضاف quot;رغم تقديرنا لهذا الرجل الشهم صاحب المواقف المشرفة، إلا أننا يجب ألا نتخيل أن التجربة التركية هي المنشودة عند المصريين، فلا شك أن شعب مصر الأصيل صاحب الفهم الصحيح يستطيع أن ينفرد أمام العالم بالتجربة المصرية التي ستصبح إن شاء الله منارة مشرقة بين بلاد العالم، لا بالعلمانية التي تفصل الدين عن الدولة، بل بتعاليم ديننا الحنيف.

مبالغة في استقبال إردوغان

ومن جانبه، قال مصطفى محمود الخبير في الشؤون التركية لـquot;إيلافquot; إن الإسلاميين في مصر بالغوا في استقبال إردوغان، وعلقوا آمالاً كبيرة عليه في ما يخص دعم التوجه الإسلامي لمصر، مشيراً إلى أن هؤلاء تناسوا أن العلمانية هي ما أتت بإردوغان من قاع المجتمع التركي ورفعته إلى أرفع المناصب السياسية في الدولة، ولا يمكن أن يتنكر لها على المستوى الشخصي، فضلاً عن أنه رجل دولة علمانية بنص الدستور ويحمي تلك العلمانية الجيش التركي، وفي حالة تجاوب إردوغان مع إسلاميي مصر سوف يهدد مكانته السياسية، ويهدد بإحداث أزمة ضخمة في بلاده.

ولفت محمود إلى أن حديث إردوغان عن العلمانية لم يقلل شعبيته في أوساط المصريين، بل في أوساط المنتمين إلى التيارات الإسلامية فقط. وإستبعد محمود أن يتم تطبيق النموذج التركي بحذافيره في مصر أو تجاهل تماماً عند رسم نظام الحكم في الجمهورية الثانية، وأوضح أن quot;مدنية الدولة المصرية الجديدة مسألة أمن قوميquot;، وفقاً لتصريح للفريق سامي عنان نائب رئيس المجلس العسكري، ولكن في الوقت نفسه لن تكون دولة علمانية، بل مدنية تستند إلى الشريعة الإسلامية كمصدر رئيس للتشريع وتعترف بالمواطنة.

زيارة للضغط على إسرائيل

ووفقاً للخبراء فإنه كان واضحاً في جدول زيارة إردوغان للقاهرة، أنه حضر من أجل تدعيم الموقف التركي في مواجهة إسرائيل، عبر محاولة البحث عن شريك لأنقرة لممارسة المزيد من الضغوط على تل أبيب من أجل حملها على تقديم إعتذار لها عن مقتل مواطنين أتراك في العام 2008، ولم يكن هناك أفضل من مصر التي لها موقف مشابه مع إسرائيل، بعد مقتل أربعة من جنودها على الحدود المشتركة