فضل أقباط المهجر التصويت لشفيق لأنه أعلن عن برنامج طموح لهم يماثل قانون الحقوق المدنية للأفارقة الأميركيين بتمثيلهم في كل المناصب وحقهم في الحرية الدينية، في وقت أعلن مرسي أنه سيدخل كل المسيحيين في الإسلام أو يجبرهم على دفع الجزية.


نسرين حلس من واشنطن: حالة من الترقب وحبس الأنفاس تسود دول العالم في انتظار نتائج جولة الإعادة للإنتخابات الرئاسية المصرية التي يتنافس فيها الفريق أحمد شفيق والدكتور محمد مرسي نظرًا إلى المكانة المتميزة والموقع الجغرافي المهم الذي تحظى به مصر في العالم العربي. وما قد تؤول إليه النتائج التي قد تنعكس في ما بعد على مستقبل المنطقة العربية برمتها. وكان الأقباط، وخاصة أقباط المهجر، هم الكفة التي رجّحت تفوق الفريق أحمد شفيق على خصومه في الجولة الأولى بحصوله على 5505327 صوتًا، وهو ما عزز خوضه لجولة الإعادة مقابل خصمه الدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين، الذي حصل على 5764952 صوت. وقد أظهرت الإحصائيات الأخيرة إقبالاً كبيرًا من جانب الأقباط، وخاصة أقباط المهجر، على التصويت في جولة الإعادة، وقد ذهبت أصواتهم لمصلحة شفيق.

أقباط مصر يحاولون إبعاد شبح الدولة الدينية باختيارهم شفيق

وأظهرت نتائج انتخابات الرئاسة المصرية في الجولة الأولى توجه غالبية أصوات الناخبيين المصريين الأقباط، وخاصة أقباط المهجر، لمصلحة المرشح أحمد شفيق. إلى جانب الأصوات التي توجّهت لمصلحة المرشح عمرو موسى، مما يعني توجّهها لمصلحته في جولة الإعادة، وهو ما قد عزز من فرص نجاحه وصموده كما حدث في الجولة الأولى.

وقد سادت حالة من الإحباط بين المصريين في الخارج فور إعلان النتائج. واعترض عدد كبير من الناس على تلك النتائج، مشككين في نزاهتها، وذلك لحصول شفيق ومرسي على أعلى نسب تصويت، في الوقت الذي لا يحظى فيه الطرفان بشعبية كبيرة في الشارع المصري، فعلى قدر ما هنالك من مؤيدين لهم يوجد أيضًا معارضون.

يرى المراقبون أن صوت الأقباط، وخاصة أقباط المهجر، رمانة الميزان، التي لعبت دورًا كبيرًا في وصول شفيق إلى جولة الإعادة. ومن الممكن أن يؤدي إلى تفوقه على خصمه المرشح الإخواني محمد مرسي أو على الأقل الحصول على نسبة متقاربة معه.

فعدد أقباط المهجر كبير يتجاوز 7 مليون ونصف نسمة، منهم فقط مالا يقلّ عن مليون ونصف مليون في أميركا وحدها. كما إن وضوح برنامجه المتمثل في الحفاظ على مدنية الدولة والأمن وحقوق الأقباط والمرأة وقدرته على طمأنة الشارع المصري في الداخل والخارج، وخاصة الأقباط، ساهم كثيرًا في تعزيز موقفه وارتفاع شعبيته، على الرغم من الشائعات والأقاويل التي راجت بأنه شارك في موقعة الجمل. وهذا يفسر بأن النصيب الأكبر من أصوات الأقباط ذهبت لمصلحته في الجولة الثانية كما الجولة الأولى.

من جهته علق المستشار موريس صادق رئيس الجمعية الوطنية القبطية الأميركية في واشنطن والسكرتير التنفيذي للدولة القبطية ورئيس محكمة حقوق الإنسان للشرق الأوسط بأن اختيار الأقباط لشفيق كان على أساس الخبرة في إدارة كل مراكز الإدارة، وميله إلى الدولة المدنية التي ينشدها الجميع، وليست الدولة الدينية، واحترامه لمؤسسات الدولة الدينية والعسكرية.

وينظر عدد كبير من المصريين إلى أحمد شفيق نظرة ارتياب على أنه رجل عسكري وامتداد للنظام السابق، ومشارك في موقعة الجمل، وذلك على حسب ما يشاع في وسائل الإعلام. وقد عانى الأقباط كثيرًا في ظل النظام السابق من تهميش وقتل، وهاجر عدد كبير منهم إلى الخارج، كما إن أقباط المهجر كانوا ضد النظام السابق، الذي اعتبروه نظامًا فاسدًا، حكم البلد عقودًا عدة بعد انقلاب عسكري... هم من يطالبون اليوم بانتخاب شفيق ويدعمونه على أساس خبرته العسكرية والمدنية. ولم يقدموا مرشحًا واحدًا من قبلهم للرئاسة.

إبراهيم عويس

ويدافع صادق عن ذلك قائلاً: quot;إن مصلحة مصر الآن فوق كل شيء. البلد تحتاج رئيسًا قويًا، وليس ديكتاتورًا يمتلك عقلاً سياسيًا منفتحًا وناضجًا، يستطيع التعامل مع كل تيارات الشعب بدون انفعالات وعواطف، ويمتلك الخبرة في إدارة شؤون البلاد، كي يستطيع إخراج البلد من الفوضى الموجودة والدمار الذي حل بها. وخير من يمثل المرحلة الحالية هو الفريق أحمد شفيق، الذي يمتلك الخبرة في إدارة الأزمات. وقد أعلن عن برنامج طموح للأقباط يماثل قانون الحقوق المدنية للأفارقة الأميركيين بتمثيلهم في كل المناصب السيادية والبرلمانية والوظيفية وحقهم في الحرية الدينية لبناء كنائسهم بدون قيود وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، في الوقت الذي أعلن فيه محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين أنه سيفتح مصر للمرة الثانية حال وصوله إلى الحكم، ويدخل كل المسيحيين في الإسلام أو يجبرهم على دفع الجزية.

ويعتقد رئيس محكمة حقوق الإنسان للشرق الأوسط أن قرار المجلس العسكري رفض العزل السياسي لأحمد شفيق الذي طالب به بعض القوى السياسية كان قرارًا صائبًا، فمصر في الفترة المقبلة تحتاج رئيسًا قادرًا على إقامة الدولة المدنية الديمقراطية قائلاً: quot;نحذر من تقسيم مصر إلى دولة قبطية وإسلامية في حال فوز مرسي، أو الإقرار بأن الإسلام دين الدولة، وأن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريعquot;. شارحًا أن ذلك يعني سلخ 25 مليون قبطي من ديانتهم وشريعتهم المسيحية وهم لن يقبلوا بذلك.

من جهته يرى الدكتور منير داود رئيس الهيئة القبطية العالمية في أميركا في ولاية نيوجرسي أن الأقباط كغيرهم من المصريين المقيمين في الداخل والخارج لا يختارون بين الأفضلين، ولكن بين أقل الضررين. ففي الجولة الأولى حاولوا اختيار الأصلح من المرشحين، نافيًا حصول شفيق على أصوات كل الأقباط في المهجر.

مؤكدًا تفضيل الهيئة القبطية لعمرو موسى في الجولة الأولى، لخبرته الكبيرة في الحقل السياسي والإداري. ولكن وضوح برنامج شفيق الإنتخابي حول الدولة المدنية وقدرته على طمأنة الأقباط ساهمت كثيرًا في حصوله على أكبر نسبة من الأصوات تكاد تصل إلى أقل من 60 % يليه عبد المنعم أبو الفتوح 32%، ثم حمدين صباحي. مضيفًا أنه بنجاح شفيق ووصوله إلى جولة الإعادة وجد الأقباط أنفسهم أمام خيارين أسوأ من بعضهما البعض، وذلك على حد تعبيره.

ويشير داود إلى أن الأقباط لن يقفوا مكتوفي الأيدي كمتفرجين بعد وصول مرسي إلى جولة الإعادة مع شفيق. لذلك حسموا أمرهم ووقفوا خلف شفيق لكونه الأقل ضررًا بالنسبة إليهم، إضافة إلى أنه يميل إلى الدولة المدنية لا الدولة الدينية التي يسعي إليها مرسي مرشح الإخوان المسلمين.
مؤكدًا أنه في حال فوز مرسي سيبقى الأقباط مصرّين على تصحيح أوضاعهم، واصفًا ذلك بقوله: quot;سنظل نطالب بالحقquot;، محذرا من مخطط يهدف إلى تقسيم مصر. قائلاً: quot;إسرائيل تريد تقسيم مصر، والأقباط لا يريدونquot;. مضيفًا إن من يمكنه إنقاذ مصر الآن هو شفيق.

وأكد أن الشعب المصري غير مؤهل الآن لتقبل وجود حاكم غير مسلم. لذا مصلحة مصر تقتضي بأن يكون الإختيار على أساس الرجل المناسب للمرحلة الحالية. فالخراب كبير، ويحتاج وقتًا للإصلاح، والشعب المصري حديث على مسألة الديمقراطية. لذا يجب أن يكون الحاكم مسلمًا أقله في الوقت الحالي.

منير داوود

ويتوقع المحلل السياسي والإقتصادي الدكتور إبراهيم عويس من جامعة جورج تاون في ولاية واشنطن دي سي بأن مشاركة المصريين في أميركا ستكون كبيرة، وخاصة من قبل الأقباط، الذين حسموا أمرهم من بداية الإنتخابات في المرحلة الأولى، وكان توجههم نحو الدولة المدنية، وتم انتخابهم لشفيق على هذا الأساس. أما باقي الأصوات فتوزعت بين مرسي ومقاطع للإنتخابات. مؤكدًا في الوقت نفسه على أن أصوات المصريين في أميركا سوف يكون لها تأثير كبير في جولة الإعادة، وقد ثبت ذلك بالدليل القاطع من الجولة الأولى.

لا يشكك عويس بنتائج الإنتخابات في الجولة الأولى، معتبرًا أن التشككيك فيها أمر مرفوض، وأن ما حدث جاء نتيجة تشتت الأصوات بين المرشحين وهو ما أضعفها. وذلك يعود إلى قلة الخبرة والتمرس على ممارسة الإنتخابات. فكان لا بد من جولة إعادة.

ويرى كبير المحللين الإقتصاديين والسياسيين أن وضوح رؤية برنامج شفيق القائم على أساس مدنية الدولة وتاريخه كرجل تنفيذي وبناء استطاع بناء مطار القاهرة الجوي في وقت قصير، إلى جانب كونه عسكريًا ومنظمًا يؤمن بالديمقراطية... كل هذه عوامل ساعدت كثيرًا على تفضيل منتخبيه له عن غيره، مصرًّا على عدم وجود أدلة تؤكد مشاركته في موقعة الجمل، قائلاً: quot;لم يكن هناك دليل حتى اللحظة يشير إلى أن أحمد شفيق كان مسؤولاً عن موقعة الجمل، وهذا أمر مرفوض، لأنه لم يثبت بعدquot;.

وأكد أن الرئيس المقبل تنتظره مهام ومشاكل كثيرة، لن يكون من السهل حلها وتحتاج وقتًا طويل، والمرحلة المقبلة تعدّ من أخطر المراحل التي ستمر يها مصر والمنطقة. فتجربة الديمقراطية تجربة جديدة على مصر، والرئيس المقبل سيكون حقل تجارب لكونها التجربة الأولى، وبالتالي لا بد من وجود أخطاء لقلة الخبرة.

ويشير عويس إلى أن الوحدة الوطنية التي يسعى إليها مصريو الخارج، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين، لعبت دورًا كبيرًا في ترجيح كفة شفيق على مرسي. فالمسيحيون لا يثقون في مرشح الجماعة، ولديهم تخوف من تهميشهم في المستقبل، وهو ما يفتح الباب أمامهم للمطالبة بالتقسيم وإقامة دولة قبطية، وهو ما لا يقبل به حتمًا المسلمون.