تصدر رفض وزير السياحة والآثار العراقي تسلم نصف الأرشيف اليهودي من أميركا الأخبار في بغداد التي تتجاذبها خلافات سياسية حادة لم تنتهِ فصولها بعد.


لفائف التوراة

عبد الرحمن الماجدي من أمستردام: فتح تصريح المتحدث باسم وزارة السياحة والآثار العراقية برفض العراق تسلم نصف الأرشيف اليهودي العراقي الباب على حقيقة قصة أرشيف يهود العراق وبقية الوثائق العراقية الموجودة اليوم في الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 2003.

وكان حاكم الشمري المتحدث باسم وزارة السياحة والآثار قال يوم أمس إن وزير السياحة والآثار العراقي لواء سميسم quot;طلب من الجانب الأميركي تسليم الأرشيف اليهودي إلى العراق كاملاً من دون نواقص لكونه يمثل جزءاً من الإرث العراقي الثمينquot;، مضيفاً بأن سميسم quot;رفض عرضاً أميركياً بإعادة نصف الأرشيف اليهودي إلى بغدادquot;.

لكنّ مصدراً عراقياً أبلغ إيلاف استغرابه من رفض الوزير العراقي تسلم نصف الأرشيف اليهودي العراقي من الجانب الأميركي، الذي تبيح له الاتفاقات الدولية التصرف بممتلكات العراق منذ عام 2003 حتى 2011 كدولة محتلة، مرجحاً حصول التباس أو سوء فهم في هذا الأمر، حيث كانت ولما تزل إسرائيل تطالب بامتلاك الأرشيف اليهودي العراقي.

وأضاف المصدر العراقي المطلع على قصة نقل كل الوثائق من العراق بأن لإسرائيل أيضًا حقاً دولياً كانت استحصلته بأن لها حقاً في عائدية أي إرث يهودي في العالم. ومن هنا تبرز مطالبتها التي لم تتوقف بالحصول على الأرشيف اليهودي العراقي.

وأكد المصدر، الذي فضل عدم نشر اسمه، على أن الجانب الأميركي رفض حتى الآن نقل الأرشيف اليهودي العراقي إلى إسرائيل بسبب ضغوط عراقية مارسها باحثون وبعض الساسة العراقيين، حيث تم الاتفاق مبدئياً على بقاء الأرشيف اليهودي العراقي في الولايات المتحدة الأميركية في خزائن مراكز بحوث وجامعات عدة وضمن ضوابط صارمة تسمح للمختصين بالإطلاع عليه.

وأشار إلى عرض قدمهالجانب الأميركي بتداول الأرشيف اليهودي بين العراق والولايات المتحدة الأميركية لمدد زمنية محددة، سنة أو خمس أو عشر سنوات ضمن فعاليات ثقافية. ونصح الجانب العراقي بقبول هذا العرض.

وحول خبر العرض الأميركي بإعادة نصف الأرشيف اليهودي العراقي للعراق، قال المصدر المختص لـquot;إيلافquot; إن على الجانب العراقي الموافقة فورًا عليه مع ترجيح عدم وجود عرض كهذا حالياً، حسب تعبيره.

وكانت تسريبات انتشرت عام 2010 بينت أن الأميركيين لم يلتزموا باتفاق على إعادة نصف الأرشيف اليهودي، على أن يبقى النصف الآخر هناك ليقام معرض مشترك في واشنطن وبغداد.

وكان الأرشيف اليهودي العراقي عثر عليه في حالة يرثى لها في أقبية تحت مقر المخابرات العراقية في منطقة المنصور من كرخ بغداد عام 2003 قرب مياه الصرف الصحي، وقد عثرت عليه القوات الأميركية ومجموعة تابعة لسياسي عراقي بارز، كانت قوات حزبه تنتشر في بغداد ووضعت يدها على معظم الوثائق العراقية. وتم نقلها لواشنطن لغرض الترميم وقد أبلغ الجانب الأميركي العراقيين بانتهاء ترميم واصلاح الوثائق العراقية خاصة وثائق حزب البعث الذي كان يحكم العراق قبل عام 2003، لكن لم يتلقَ أي استجابة عراقية الى الآن، حسب تأكيد المصدر العراقي.

المصدر العراقي أكد أن اليهود يخزنون وثائقهم الأثرية بطريقتين، إما على شكل لفائف أو يدفنونها في حفر في الأرض. والأرشيف اليهودي العراقي الآن على شكل لفائف فمن الصعب أن يعود نهائيًا إلى العراق.

وتخوف المصدر خلال حديثه لـquot;إيلافquot; من تهريب الأرشيف اليهودي العراقي إلى إسرائيل في حال عودته إلى العراق، فإسرائيل مستعدة لمنح عروض مغرية من أجل استعادة أي قطعة من الإرث اليهودي في العراق. وأشار إلى انشغال معظم الوفود العراقيين، الذين يأتون إلى واشنطن للتفاوض حول استعادة الأرشيف والوثائق العراقية، بالجولات السياحية، ولم تتم الاستعانة حتى الآن بفريق محاماة مختص.

وكانت القناة الإسرائيلية السابعة التي عرضت عام 2010 لفافة توراة، قالت إنها وصلت إلى إسرائيل من العراق مهربة بوساطة دفع رشوة كبيرة وساهم فيها مسؤولون عراقيون، وإنها تعرض الآن في متحف أحفاد بابل (إشارة إلى اليهود العراقيين الذين تركوا العراق بعد حوادث عام 1941 بعد نهب مقتنياتهم في ما بات يعرف بحوادث الفرهود). واستقر معظمهم لاحقًا في إسرائيل. وبينت القناة الإسرائيلية أن نسخة التوراة مكتوبة في القرن الثامن عشر وبغطاء من الفضة الخالصة مرصعة بأنواع من الخرز والزجاج، عليه أيضًا قطع من الألواح التوراتية، إضافة إلى شمعدان له سبع فوهات ونقشت عليه صورة للهيكل.

وقالت المديرة العامة للمتاحف العراقية أميرة عيدان وقتئذ إن اليهود في العراق كانوا يتوارثون نسخًا نادرة من التوراة بما يعرف بالملفوفات، وهي عبارة عن رقائق ملفوفة من الجلد، تحفظ بقطع خشبية لها خصوصية وارتباط كبير جدًا بالتراث العبري، لكونها تحمل تدويناً من جزء من أسفار التوراة وبعض الأدعية والصلوات على رقائق من الجلد، وتوجد في معابدهم، وحتى في بيوتهم، وخاصة في محافظتي الموصل والبصرة لاعتزازهم بها مثلما يعتز المسلمون بالاحتفاظ بنسخ قديمة من القرآن الكريم، وهي النوع نفسه الذي تم تهريبه إلى إسرائيل.

وأضافت quot;على الدوام هنالك أشخاص يطرقون باب المتحف العراقي لبيع مثل هذه اللفائفquot;، مؤكدة أن quot;النسخة التي عرضها التلفزيون الإسرائيلي ليست نادرة، ويمكن أن تجدها في أي مكان، مطمئنة المسؤولين والمواطنين إلى أن هذه النسخة لم تخرج إطلاقاً من المتحف العراقيquot;.

وعن تهريبها حصراً إلى إسرائيل، أوضحت عيدان أن المواطنين الإسرائيليين يشترون كل ما يتعلق بتاريخهم وتراثهم، وخصوصاً الديني منه، بمئات الدولارات للحصول على ما يصفونه بالنفائس بالنسبة إليهم.

وكان يهود عراقيون داخل وخارج إسرائيل طالبوا باستعادة الأرشيف اليهودي العراقي، لأنه خاص بهم، وقد طرد العراق اليهود من أراضيه، وما يحويه الأرشيف خاص باليهود حصرًا، لأنه يحوي نسخًا قديمة من التوراة والأدعية والرسائل والمكاتبات بالعبرية والانكليزية. وهو ما يرفضه معظم المسؤولين العراقيين معتبرينه إرثًا وطنيًا عراقيًا.

يذكر أن يهود العراق سكنوا وعاشوا في العراق منذ القدم بدءًا مع سبيهم من قبل الآشوريين ثم البابليين، ضمن ثلاث موجات من السبي عرفت بـ سبي سامريا (721 ق.م.)، حيث سبى الآشوريون اليهود، وعلى رأسهم الأسباط العشرة. وسبي يهواخن (يهوياكين) (597 ق.م.)، حيث سبى نبوخذنصر 10 آلاف يهودي من أورشليم إلى بابل. وسبي صدقيا (586 ق.م.)، التي كانت علامة لنهاية مملكة يهوذا، وتدمير أورشليم ومعبد سليمان الأول. وكان عدد المسببين أربعين ألف يهودي تقريباً تم سبيهم إلى بابل خلال ذلك الوقت، وقد كان محرماً على اليهود العودة إلى فلسطين أثناء الحكم البابلي إلى أن سمح الأخمينيون بعد دخولهم الى العراق سنة 539 ق.م. لليهود بالعودة إلى فلسطين، وقد عاد البعض، وبقي البعض الآخر مستقراً في العراق.

وهُجّر معظمهم من قبل السلطات العراقية عامي 1949 و1950 بعد تأسيس دولة إسرائيل، وفي ما بعد تم الاستيلاء على أملاكهم وأموالهم وأسقطت عنهم الجنسية العراقية، وكانوا يشكلون 2.6% من مجموع سكان العراق عام 1947م، وانخفضت إلى 0.1% من سكان العراق عام 1951م.. وسكنوا في وسط وجنوب وشمال العراق، خاصة بغداد وميسان والبصرة والموصل، إضافة إلى العديد من المدن الأخرى، مثل السليمانية والحلة والناصرية والعمارة والديوانية والعزير والكفل وأربيل وتكريت وحتى النجف، التي احتوت على حي لليهود سمي بعقد اليهود (عكد اليهود) وغيرها من المدن.

وكان أول وزير مالية في الحكومة العراقية عام 1921 يهودياً، ويدعى حسقيل ساسون. ومن اليهود المنحدرين من أصل عراقي في إسرائيل اليوم عوفاديا يوسف حاخام اليهود الشرقيين في إسرائيل، والزعيم الروحي لحزب شاس لليهود الأرثودكس، وهو من مواليد 1920 في البصرة جنوب العراق. وبنيامين بن إليعازر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق. كذلك عرف منهم مير بصري، الذي كان مشهورًا في علوم الاقتصاد، وألف كتبًا عديدة، منها كتاب مباحث في الاقتصاد والمجتمع العراقي، وعاش في لندن. لكن لم يتبقَ اليوم من اليهود في العراق سوى نحو عشرين شخصاً من كبار السن.